-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشمس عادت لتشرق من.. الشرق

الشمس عادت لتشرق من.. الشرق

بقدر ما وجدت الصحافة العالمية متعة في البحث عن السبق في أحداث سوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها من البلاد، بقدر ما وجدت المتعة وهي تقدم المشهد الحضاري، الذي أفرزته التجربة التونسية، في انتخاباتها الرئاسية، التي بصمت على أن الثورة في تونس كانت من دون أي تدخل أجنبي، فجاء النصر لتونس وحدها.

وإذا كانت حالة تونس مختلفة عن بقية البلاد العربية، لأن البلد لا يمتلك خيرات، تسيل اللعاب، كما في ليبيا وفي العراق، ولا يؤثر جغرافيا على المدللة إسرائيل مثل سوريا ومصر، فإن ما غرسه أيضا، الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، برغم ما في مسار الرجل من زلات، مختلف عن غرس بقية الزعماء العرب الذين كتموا الأنفاس وارتضوا العصمة الزائفة لأنفسهم، فلما انطلقت أنفاس شعوبها بعد سقوط هاته الزعامات، دخلت في عالم من الفوضى، حتى قيل إن ما بلغته حالة العراق وسوريا هو المرض الميؤوس من علاجه، وتمكنت تونس بقليل من الخسائر من أن تتفادى مستنقع الضياع الذي سقطت فيه ليبيا ومصر.

والمدهش في هاته الانتخابات الرئاسية أن التونسيين، بدوا غير قلقين على بلادهم، سواء جلس في قصر قرطاج السبسي أم المرزوقي، وكأن خَراج سحابات الثورة عائد إليهم، أنى تحوّل شرقا أو غربا، وحتى الدول الأجنبية التي مازالت تهتم بالرئيس الجديد، وتحاول أن تصنعه في الكثير من البلاد بما فيها الجزائر، رفعت الراية البيضاء في تونس، واستسلمت لهذا المسار الحضاري، الذي من المفروض أن يكون مثلا يُقتدى به برغم الكثير من الكبوات العادية، لحصان انطلق بتونس ولا يريد أن يتوقف.

كثيرون يرون بأن اجتهاد التونسيين من أجل النجاح يعود إلى كون البلد غير بترولي، فتحوّل فقره الباطني إلى نعمة، وآخرون يرون بأن تونس انطلقت على أسس قوية، فمنع زعيمها الأول النزوح الريفي، وأسس لعلاقة أزلية بين فلاحيها والأرض، ونظم نسل التونسيين فمرت عقود وبقي تعدادهم بحجم أرضهم، وخيرات بلادهم، وبين هذا وذاك تجتاز تونس في صمت حواجز ثورتها بسلام، في الوقت الذي تحوّلت بقية الثورات إلى ما يشبه الكوابيس، وصار بعض المشتركين فيها يبكون زمن الديكتاتورية والاستبداد والرأي الواحد، بل ويحنون إلى التواجد الأجنبي كما يحدث في العراق ولبنان.

 

لقد ساد الاعتقاد على أن التجارب القادمة من الغرب هي الأولى بالاتباع، وأن ما يأتي من بلاد العرب والمسلمين، سينتهي إلى العنف والإرهاب، وتحوّل الاعتقاد إلى عقدة، وفقدت الكثير من الشعوب الأمل في أن تُصلح حالها الذي أفسده دهر من الضياع، إلا بالاستنجاد بالخارج، ولم تتوقف العقدة عند حاجز السياسة بل طالت جميع المجالات بما فيها الثقافية، فانقرضت اللغة العربية من لسان أهل المغرب والخليج العربيين، وبلغت العقدة تخوم الدين، وصار اليقين أن الشمس لا يمكنها سوى أن تشرق من الغرب، وما عدا ذلك فهو كسوف أو نار السعير، إلى أن ظهرت ومضات من الشرق قد تكون الشمس التي طال انتظارها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
7
  • Dr Mohna3li

    يبدو لي أنّ حكمة التّيار الاسلامي المتمثّل في حركة النّهضة و حنكة قادتها من طراز الأستاذ راشد الغنّوشي ساهما بالقسط الوفير في انجاح التّجربة الدّيموقراطية في تونس. فرغم الهجمات القويّة عليها من القوى العلمانية و القلاقل الكثيرة و المتراكمة التي واجهت النّهضة من قبل الخارج و الدّاخل (حتّى من بعض من يحسب على الحركة الاسلامية) استطاعت أن تخرج تونس بمعية الرّئيس المؤقّت (السيّد المرزوقي المحترم) من الأمواج الهائجة في بحرها الى برّ الأمان في شواطئها.

  • صمادي سفيان

    عندما يتقبل الرئي للرئي الآخر , حين يتقبل التعليقات مهما كانت أفكارهم و وجهاتهم سواء معلق يراود النهار معلق يراود الخبر لأجل إسمه مهما كان حينها نقول يمكننا أن نأتي بالجديد و لا ننتضر من الغرب ميلاد عهد جديد نصحت بذاك الكتاب لأنه من تأليف جزائري دكتور مات موتة قاصية معزول فقيرا لما تراه لا تعتقد أنه دكتور في الفلسفة خدم الدين الوطن لم يبالي بالشهرة و لا أجرة لكن أذرف دموعي باكيا على حال المفكرين و المبدعين الغائبين عن البناء مثلما كان أمثال نبهاني كوريبع إذا أردتم قرائة كتابه أرسله لكم بسرور

  • صمادي سفيان

    الموضوع ألهمني كثير و ما قلته حق وواقع مرير المنطق الشمس تشرق من الشرق لكن الغرب أرادها أن تكون من الغرب كأن الأفكار الجامحة لتغيير الذات و الحيزلا تولد إلى في الغرب ذكرتني في كتاب قرئته منذ 20 سنة بالفرنسية إسمه :الإنسان العالمي في الفلسفة الجمالية للكاتب نبهاني كوريبع من أولاد جلال بسكرة يتحدث عن إختلاف في الإنسانية دين لون لغة إييديولوجية و تصوره كيف يمكنها التلاقي في قمة الجمال في إنجاز ما يخدم الإنسان من حيث الدين العلوم الفلسفة إنه يتحدث عن العولمة أنصح بقرائته و تصفح ما أنجزه من كتب

  • zaid

    الثورة المضادة في تونس كانت أقوي ،ساعدها في ذالك بالخصوص انتكاسة الثورة في مصر فتمكن النظام القديم من التموقع من جديد ومسك بزمام الام بعد ان روض الغنوشي وامتطاه الي سدة الحكم فذهبت الثورة إدراج الرياح ،وما تراه أنت نموذجا عربيا فهو في الحقيقة إبقاء ما كان علي ماكان ،ولو تغير شيئا لرأيت كيف يتكالب الاعلام الغربي والمحلي ويجعل من الحبة قبة فتثار البلابل والقلاقل والفتن ويتحرك ألاذناب والعملاء فيولعونها ، فاليمقراطية تنجح إذا نجح من يرده الغرب فإن كان غير ذلك فلا.فالنعترف بأننا تبع ولامزايدة.

  • مسلم أمازيغي جزائري

    تصورون للناس أنهم بين أمرين: إما العلمانية وما تحمله من تفسخ وانحلال وهدم للثوابت الإسلامية، وإما نار التكفيريين الفاشيين الدمويين.
    هل هذا من الإنصاف؟؟
    وإن كنت أرى مقالك خاليا من الإنصاف وسطحيا جدا في توصيف الثورة التونسية بدعوى أنها البربئة من التدخل الأجنبي مع أن كثيرا من تكنوقراطييهم اقترحتهم مؤسسة (راند rand) الأميريكية المتخصصة في وضع الاستراتيجيات لدى الإدارة الأميريكية.
    فقمالك هذا نغمة نوستالجيكية إلى أيام العلمانية اللائيكية القاسية!!
    هذا منتهى عقلك وعلمك؟

  • بدون اسم

    "ونظم نسل التونسيين فمرت عقود وبقي تعدادهم بحجم أرضهم، وخيرات بلادهم"
    "وفي السماء رزقكم وما توعدون فو رب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون"
    يا أخي هذا الذي تشكر له سعيه هو من أوصل تونس إلى أن ثار أهلها و ليس فقط نظام بن علي الذي كان مجرد مكمل لافعال سيده

  • Marjolaine

    " وكأن خَراج سحابات الثورة عائد إليهم " ذكرني هذا الإقتباس البليغ بذلك الزمن الجميل الي ملكنا فيه الدنيا شرقا وغربا .. حينما رأى هارون الرشيد السحابة المثقلة بالمطر فقال لها :"أمطري حيث شئت فخراجك عائد إلي" لأن الدولة الإسلامية كانت في أوج اتساعها ورغم هذا فإنه متأكد من أن زكاة أي نبات سيعود في الأخير الى بيت مال المسلمين .
    ولهذا نقول لهذه الحضارات البائدة (آيلة للفناء) لو دامت لغيركم ما وصلت إليكم و " إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين".