الشروق العربي
"الشروق " تفتح أسرار شهيد المحراب

الشيخ رمضان البوطي ..عارض الارهاب فقتل في المحراب ودفن بجانب صلاح الدين الأيوبي

الشروق أونلاين
  • 10990
  • 104

يتمنى كل مسلم ان يختم الله له حياته كما ختمها سبحانه وتعالى للعالم الرباني وفقيه الامة الشهيد الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي انتقل الى الرفيق الاعلى في افضل حالة واطهر مكان واقدس مهمة ، فهل هناك اقدس من تعليم دين الله ؟؟ وهل هناك اطهر من المحراب ؟؟ وهل افضل من حالة ترتيل كتاب الله .

لن نأتي بجديد اذا تحدثنا عن سيرة هذا القبس المتلألئ لأنه علم في سماء الاسلام والمسلمين  ولكن لابد من ان يعرف القراء ان هذا العالم الرباني له خصوصيات لم تعطى الا لقلة من المسلمين في هذه الامة. هو عالم عصري مجدّد، غيور على شرع الله والأخلاق الإسلامية، جريء في الحق، ملأ حياته وحياة الناس بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة، والحكمة النافعة بالكتاب والسنة النبوية، متبع للسلف الصالح، محذر من البدع، وداعية إسلامي متفوق في كل ميدان.

ولادته ونشأته:

على ضفاف نهر دجلة عند  حدود سوريا والعراق وتركيا، وفي قرية جيلَكَا  جزيرة بوطان التركية وفي عام 1929 ولد علامة الامة محمد سعيد البوطي ولقد كان والده العلامة ملا رمضان ولشدّة حبه لأهل الصلاح وأئمّة التقوى، أحب أن يسميه باسم عَلَم من أعلامهم ، هو الفضيل بن عياض رضي الله عنه، فأسماه (محمد فضيل)

وحمله والده الى الشيخ سعيد(الشيخ سيدا ) وهو استاذ علماء البلاد في ذلك الزمان اخذه اليه ليدعو له، ولينال من بركته. فدعا له الشيخ سيدا وأسماه (سعيداً) وتقديرا من الملا رمضان لهذا العالم الجليل غير اسمه الى محمد سعيد. وقد كان بعض مشايخ الأكراد يسمُّون أولاد الخُلَّص من تلامذتهم، بأسماء أنفسهم، ويعدُّون ذلك علامة على شدَّة محبتهم لهم، ، وقد كان الآباء يسرُّون بذلك .

 هاجر الملا رمضان إلى دمشق عام 1933إثر الإجراءات التي اتخذها اتاتورك في محاربته للدين …وكان محمد سعيد هو الابن الذكر الوحيد للملا رمضان وعمره اربع سنوات وكان يعدُّه والده أعظم رأس مال له، فعكف على تربيته بجدّ،   أرسله- وهو في السادسة من عمره – إلى امرأة فاضلة كانت تعلِّم الصغار قراءة القرآن الكريم، فقرأ عليها، وشغف حبّاً بتلاوة القرآن في أول تلقِّيه له ، وحفظ القران خلال ستة اشهر0

كانت النشأة الأولى لفضيلة شيخنا ، تربية علمية ووجدانية تلقاها من والده المرحوم الشيخ ملا رمضان البوطي، ولقد كان لهذه النشأة الدور الأبرز في تكوين شخصيته العلمية والفكرية والروحية، فهو في الحقيقة امتداد للنهج الذي كان عليه والده في العلم والسلوك. فلما قارب سنَّ البلوغ، أخذ والده  إلى جامع منجك، الذي يقع في الجزماتية بحي الميدان في دمشق، حيث معهد الشيخ حسن حبنكة رحمه الله، الذي كان يسمّى معهد التوجيه الإسلامي.

* توفيت والدته وله من العمر ثلاثة عشر عاماً. فتزوج والده من  عاتكة بنت مصطفى اكبازلي زاده  من أسرة تركية فاضلة، فكانت سبباً في إلمامه باللغة التركية بالإضافة إلى اللغة الكردية والعربية .

يتحدث الدكتور عن فترة الطفولة فيقول: «كان رفاقه في الحارة يقولون له ان نهايتك، هو أن تصبح مغسلاً للموتى أو مؤذناً أمام الجنائز..  لكن هذه الكلمات لم تترك أي أثر في نفسي. ولم أكن أزيد على أن أقول لهم: “عهدٌ ألزمت نفسي به تجاه أبي، لن أنكثه ولن أحيد عنه

طلب العلم والدراسة

ـ أنهى دراسته الثانوية الشرعية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق، والتحق عام 1953 بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وحصل على شهادة العالمية منها عام 1955. والتحق في العام الذي يليه بكلية اللغة العربية من جامعة الأزهر، ونال دبلوم التربية في نهاية ذلك العام. في هذه الفترة أصبح مولعاً بقراءة الكتب الأدبية لأدباء معاصرين وغابرين مثل: مصطفى صادق الرافعي، والجاحظ، والعقاد والمازني، إضافة إلى مقامات الحريري، وفي عام 1952 ظهرت أولى أعماله وهي مقالة بعنوان أمام المرآة، نشرتها له مجلة التمدن الإسلامي، ثم تبعتها في الملجة ذاتها مقالات أخرى، لكن باكورة أعماله الأدبية بحق كانت قصة ترجمها من اللغة الكردية، وهي المعروفة باسمها الكردي (ممو زين)، وهي قصة تمثل الحب العفيف والعاطفة الملتهبة والوفاء النادر. وقد أفرغها المترجم في بيان عربي مشرق وبنيان قصصي جذاب، ولا تزال طبعاتها الكثيرة تتوالى.

ـ عين معيداً في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1960 وأوفد إلى كلية الشريعة في  جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة الإسلامية وحصل على هذه الشهادة عام 1965 زاصبح عميدا لكلية الشريعة بدمشق .

ـ كان يحاضر بشكل شبه يومي في مساجد دمشق وغيرها من المحافظات السورية ويحضُرُ محاضراتِه آلافٌ من الرجال والنساء.

ـ اشترك في مؤتمرات وندوات عالمية كثيرة  في عدد من الدول العربية والإسلامية والأوربية والأمريكية.

ـ عضو في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في عمّان، الأردن.

ـ وفي المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد في إنكلترا.

ـ وعضو المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة بأبو ظبي.

نال  لقب شخصية العالم الإسلامي في الدورة الـ 18 لجائزة دبي الدولية للقرآن الكريم.

خلال هذه الفترة وحتى عام 1981 كان بعيداً عن المحافل العامة، ومكتفياً بالحقل الأكاديمي بالإضافة إلى درسين أسبوعيين في مسجد السنجقدار يستقطب الكثير من شباب دمشق وما حولها، ثم انتقل بسبب ضيق المكان إلى مسجد دنكز فمسجد الإيمان .. واستمر فيه حتى استشد في محرابه ، ودروس أخرى في مسجد والده الشيخ ملا رمضان البوطي والجامع الأموي، ومن أبرز هذه الدروس شرحه للحكم العطائية.

يتقن اللغة التركية والكردية ويلمّ باللغة الإنجليزية.

وهو الذي قال:

–  التصوف اسم حادث لمسمى قديم .

علماء التصوف كعلماء الشريعة‏،‏ وكعلماء الأدب واللغة العربية ، فكما أن في هؤلاء العلماء من يخطئ في الفتوى وفي التعليم‏،‏ ،‏ فكذلك في علماء التصوف ‏،‏ بل ربما تجد فيهم دجاجلة كاذبين.

الطُّرق الصُّوفية يُحكم لها أو عليها حسب موافقتها أو مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية،

الحاكمية إنما هي لله وحده، هو المشرع لعباده في شتى شئونهم المتعلقة بدنياهم وآخرتهم0

–  صلاحية المجتمع وقفًا على صلاحية أفراده، قبل أن تكون وقفًا على صلاحية القوانين السارية في أنحائه.

زواجه

* تزوج وهو في الثامنة عشر ..من زوجته   لطيفة بنت مصطفى اكبازلي زاده – شقيقة زوجته ابيه الصغرى – وله منها  ستة اولاد ذكور هم الدكتور محمد توفيق والشيخ عبد السلام والصيدلاني  عبد الرحمن وانس والمهندس زاهر وابراهيم   ، اما زوجته الثانية السيدة ناديا عبد الجليل تخترونجي التي توفيت بعد وفاته بحدود سنة  فكانت له منها بنت واحدة.

كتبه :

له ما لا يقل عن ستين مؤلفًا في علوم الشريعة، والآداب، والتصوف، والفلسفة، والاجتماع، ومشكلات الحضارة، وغيرها، منها:

نقد أوهام المادية الجدلية.

الحكم العطائية: شرح وتحليل.

الجهاد فى الاسلام: كيف نفهمه وكيف نمارسه.

فقه السيرة النبوية.

الحب في القرآن ودور الحب في حياة الإنسان.

والعديد من مؤلفاته ترجم إلى لغات عدة: كالإنكليزية والفرنسية والألمانية والتركية والروسية والملاوية.

وكان له عدد من البرامج  الإذاعية والتلفزيونية

خطه الديني:

* يمثل التوجه المحافظ على مذاهب أهل السنة الأربعة وعقيدة أهل السنة وفق منهج الأشاعرة، إذ ينبذ  استعمال العنف في التغيير، ويحرم الخروج على ولي الأمر حتى ولو كان فاسدا، الا إذا ثبت كفره، ويعتبر أيضا من أهم من واجه الآراء السلفية ورد على الفلسفات المادية والإلحادية، كما يعتبر من أهم المرجعيات الدينية على مستوى العالم الإسلامي، ما أهله ليترأس اتحاد علماء الشام، ويصبح من أكثر الشخصيات تأثيرا في العام.

كان  يرى أن من واجبه و علماء المسلمين، أن يكونوا متيقِّظين لكل فكر جديد يطرح، وكلِّ تيّار جديد يفِد، من أجل أن يحصِّنوا عقيدة المسلمين، وذلك من خلال دراسة كلّ ما يفد ونقده بالمعايير العلمية، ليأخذ الناس ما يأخذون منها بعد ذلك عن بيِّنة، وليتركوا ما يتركون عن بيِّنة.

عدم الخروج على الحاكم

ينتمي شيخنا  إلى سلسلة علماء أهل السنة والجماعة في موقفهم من الحاكم، حيث النصح والمعارضة باللسان في أشد اللحظات مواجهة..ورفض الخروج على الحاكم بالسلاح واعتبار ذلك مدعاة الى الفتنة، ذلك ما لم يعلن الحاكم كفرا بواحا

بعد عام 1985م ربطت بينه وبين الرئيس الراحل حافظ الأسد علاقة شخصية عندما طلب الرئيس اللقاء بالدكتور البوطي إثر قراءته لبعض كتبه. وأصبح يجتمع معه بين الحين والآخر في جلسات طويلة، وقد كان من أبرز نتائج تلك اللقاءات استجابة الرئيس لطلبه إذ: أطلق سراح عدد كبير من المعتقلين على دفعات، وفتح المجال لعودة الذين خرجوا بسبب الأحداث الجارية 1982 في حماه آنذاك، بالإضافة إلى معالجة كثير من القضايا الأخرى المتعلقة بالمعاهد الشرعية والإعلام والكتب الإسلامية ..

كان للشيخ موقف متميز من الأحداث الدامية التي وقعت في الجزائر .. تعرض لحملات من الهجوم بسببه.. وخاصة بعد تأليفه كتاب الجهاد في الإسلام. وعقدت أكثر من ندوة لمناقشة مضمون الكتاب والرد عليه .. لكن معارضيه عادوا واتخذوا ذات الموقف الذي اتخذه هو مع بداية الأزمة في الجزائر0

بعد اندلاع  أحداث سوريا في 2011   ظل موقفه الرافض للعنف ثابتا، انطلاقا من قناعة شرعية وأخرى ميدانية تشير الى تورط الغرب في الحراك الشعبي 0 ما يعرف عن الشيخ البوطي تواضعه وإصراره طيلة حياته على ألا يجلس مع سلطان على مائدة طعام، فلم يسبق للشيخ أن لبى دعوة للرئيس الأسد الوالد والابن في إفطار يوم من رمضان معتذرا بالاعتكاف.

استشهاده

في محراب جامع الايمان في حي المزرعة الدمشقي  يوم الخميس 21 مارس 2013، انهت يد الغدر والاجرام مسيرة علم من اعلام الامة ، في تفجير ارهابي، أودى بحياته و حفيده ( احمد )  مع 45 شخصا آخر، ليتم دفن  صوت الشيخ البوطي ويبقى فكره ينير للعالم الطريق وبذلك يفقد العالم الإسلامي علما كبيرا في وقت هو في أمس الحاجة إليه والى أمثاله، حيث تشتت المذاهب وأصبحت الفتاوى تقدم تحت الطلب. فاستحق لقب شهيد المحراب بعد سيدنا عمر رضي الله عنه، ودفن إلى جوار سيدنا الناصر صلاح الدين الأيوبي.

مقالات ذات صلة