-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
تأبين في الذكرى الأولى لرحيل مربي الأجيال

الشيخ لطرش ثامر.. انتقلتَ من الوجود وبقيتَ في القلوب

بازة الحاج احمد
  • 538
  • 0
الشيخ لطرش ثامر.. انتقلتَ من الوجود وبقيتَ في القلوب

مضت سنة ونيف على رحيل الصديق المحب الشيخ لطرش ثامر، أحد شيوخ مدينة بوسعادة، الذي انتقل إلى جوار ربه يوم الأحد 11/07/2021 عن عمر يناهز 75 سنة. فهو الرجل المحسن الحامل لكتاب الله المتواضع والمبادر بالإعمال الخيرية. في أكثر من شأن من شؤون البر والإحسان. وسيم تعلو محياه الابتسامة دوما. فهو الإنسان المثابر من أجل التحصيل العلمي والمعرفي المدوام على العمل التطوعي. نال شهادة لسانس في اللغة العربية وآدابها سنة 1980 من جامعة الجزائر المركزية.
مارس مهنة التربية والتعليم لسنوات طوال – 1968/1999 في جميع مراحل التعليم بمدينة بوسعادة وببعض البلدات والمدن. عمل بكفاءة وإخلاص وتفان، ما مكنه من الفوز بوسام الاستحقاق التربوي الوطني سنة 1996.
انتخب عضوا بالمجلس الشعبي الولائي لولاية المسيلة لعهدة واحدة عن دائرة بوسعادة. الشيء الذي سمح له بنقل اهتمامات سكان الدائرة للمسؤولين رغبة في إيجاد الحلول لها ضمن مشاريع التنمية المحلية، كان مواظبا على حضور ملتقيات الفكر الإسلامي، حضر 22 منها من مجموع 26 ملتقى التي أقيمت على المستوى الوطني بالعديد من الولايات بإشراف وتنظيم وزارة الشؤون الدينية والأوقاف خلال الفترة الممتدة بين سنتي 1967 و1989، وكانت تسمى وقتها بوزارة التعليم الأصلي والشؤون الدينية.
شارك في تلك الملتقيات العديد من فطاحلة علماء العالم العربي والإسلامي والأكاديميين والذين يتناولون بالدراسة والتحليل لمواضع هامة تتصل على سبيل المثال لا الحصر- بموضوع النهضة -والانفتاح على العصرنة – صيانة الهوية – مقومات الشخصية الوطنية – الجاليات غير الإسلامية التي تقطن ببلاد الإسلام- التنصير وعلاقته بالاستعمار.
ولعل الهدف من هذه الملتقيـــات كان بلورة فكـــر يحقــق الانتصـــار على التخلف المادي والمعنوي للشعوب العربية الإسلامية وكيفية التعامل مع الإرهاصات المتجددة مع الحماية من الغزو الغربي بجميع مجالاته.
ومن حسن الصدف، أني التقيت بالشيخ ثامر لطرش بعد انقطاع دام سنوات سبعا بملتقى ولاية بجاية الذي احتضنته قاعة المسرح من 01 إلى 12 ربيع الأول 1384 الموافق لـ 25 مارس إلى 05 أفريل 1974، وهو الثامن من نوعه، حيث كلفت وقتها بتغطية أشغاله كصحافي لفائدة مجلة الجيش من قبل المحافظة السياسية للجيش الوطني الشعبي في إطار الخدمة الوطنية.
كان للشيخ ثامر لطرش مساهمات في مثل هذه التظاهرات الفكرية والثقافية تناولت مفهوم الأمة – الوسطية في الإسلام – وبحوث ودراسات أخرى بعث بها إلى وزارة التربية والتعليم ووزارة الشؤون الدينية والأوقاف وأسبوعية البصائر ويومية “الشروق” تحت عنوانين مختلفة كاللغة العربية، العدالة الاجتماعية في الإسلام، الصلاة وأثرها في تربية الفرد والمجتمع، الضمير المهني، الرئيس الراحل هواري بومدين، القصاص في الحياة، كما تناولت موضوع جواز قراءة القرآن على الميت بموافقة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف.
تناول نشأة وآثـــــار العلامة الشيخ الربيع بن عطية الحرزلي أحد أعلام مدينة بوسعادة والذكرى الأولى لوفاة شيخ الزاوية الحملاوية بمدينة برج بوعريريج التي عمل بها الشيخ لطرش ثامر كمقتصد لحوالي 3 سنوات. امتدت نشاطاته إلى إصلاح ذات البين والعمل التطوعي حيث ساهم في بناء 11 مسجدا بمدينة بوسعادة، وكان مواظبا على الحزب الراتب بمسجد النخلة العتيق ببوسعادة. لا يتغيب على السير وراء الجنائز ليترحم على الموتى ويعزي ويصبر ذويهم.
ربطني وإياه طلب العلم بالمعهد الإسلامي بمدينة بوسعادة خلال السنة الدراسية 1963/1964. ثانوية أبي مزراق حاليا. بعد تحويله من وصاية وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الى وزارة التربية الوطنية. وكان يشترط الالتحاق به حفظ عدة أحزاب من الذكر الحكيم. أغلب أساتذته من شيوخ الأزهر الشريف المشهود لهم بالكفاءة العلمية العالية والذين تشد اليهم الرحال للتحصيل العلمي والمعرفي ولحسن الحظ أن هؤلاء العلماء هم الذين شدوا الرحال الى مدينة بوسعادة تلقينا منهم ولمدة 4 سنوات متتالية دروسا في علوم الدين كالتوحيد والسيرة النبوية، الفقه الحديث، التفسير، علم الفرائض (الميراث)، وعلوم إنسانية كالرياضيات الإحياء -التاريخ الجغرافيا -اللغة العربية وآدابـــها.
احتك الشيخ ثامر لطرش بعالم الإعلام والاتصال، حيث مارس الكتابة بأسبوعية البصائر، لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وبيومية “الشروق”، بلغت كتاباته 153 موضوع، فاز بتكريم هذين النشريتين، وبتكريم المكتبة الوطنية بالحامة الجزائر العاصمة، وقدمت له شهادات التقدير والاعتراف من قبل العديد من الجمعيات المحلية، كنت أزوره بمدينة بوسعادة، قادما من مدينة الجلفة مقر إقامتي.
كان يجيئني عندما عالج بمستشفى الصداقة الجزائرية الكوبية لطب العيون مدة 3 سنوات والتي تمت بنجاح، يحمل معه دائما كمّا من النسخ لمواضيع نشرت له بأسبوعية البصائر ويومية “الشروق” ومراسلات ووثائق متنوعة. ومسائل في الميراث. وكأني به يقول إن هذه الأخيرة ستحتاج إليها يوما ما، وهذا ما حدث بالفعل حيث اعتمدتها كمصدر لكتابة هذه الذكرى.
ومن جهة أخرى، فإن لطرش ثامر لا يتأخر عن تقديم مساعدته حتى خارج مدينة بوسعادة، وبالمناسبة أذكر أن هاتفته ذات يوم للتعرف على حاله، فرد علي بأنه بدائرة بوغني ولاية تيزي وزو، لاستصدار وثيقة لفائدة امرأة ببوسعادة.
وفي صورة أخرى تضامنية جميلة، أصر الشيخ لطرش ثامر ذات مرة على العمل لمدة 6 أشهر مجانا لفائدة أحد أصحابه تقاعد خطأ عن العمل – بالمركز المالي لمدينة بوسعادة – وكان لزاما عليه أن يعود لقضاء المدة المشار إليها، الشيء الذي تعذر عليه بعدما فقد بصره، فحال دون تحقيق هذه الرغبة التي أرادها الشيخ لطرش ثامر وفق القوانين المنظمة للتقاعد.
واظب كذلك ولمدة طويلة على زيارة جمعية علماء المسلمين الجزائريين وشيوخ الزوايا العلمية كما يسجل حضوره بمؤسسة البصائر كل شهر ليسأل عن أحوال صحفييها ومسيريها وبيده اليمنى كما يقول احد الصحافيين حافظة أوراق يحمل فيها مجموعة جرائد أو كتاب أو قصاصات بها مواضيع لفتت انتباهه.
من خلال تلك الاتصالات الشهرية تمكن الشيخ ثامر ونظرا لبشاشته من نسج علاقات ودية مع الكثير من العلماء والإعلاميين وخاصة أثناء احتفالات التكريم التي كان يحضرها من تنظيم مجمع “الشروق” لفائدة شيوخ الجزائر، تدخل في إحداها بكلمة تحدث فيها عن علاقته بالجريدة التي بادلته وفاءا بوفاء، فكانت منبره الخاص عبّر من خلاله عن العديد من المواضيع التي رآها جديرة بالنشر.
جمع التكريمات تلك في مجلد من ثلاث أجزاء تطوعا منه، ليكون مرجعا للباحثين والطلاب والأساتذة فكان هذا العمل الجليل محل تنويه مطول من طرف الأستاذ عبد الحميد عثماني، عن يومية “الشروق” الصادرة بتاريخ 19/10/2019 جاء فيه: “إن الزيارة الأخيرة لشيخ ثامر لطرش لم تكن عادية، فالرجل وفد إلينا بحصيلة حضارية علمية ثقافية وتاريخية هي حصاد الشروق من الاحتفاء بأعلام الجزائر ورموزها، واصفا هذه الحصيلة بالشجرة المثمرة التي حان قطافها بتخليد 186 شخصية من أيقونات الجزائر، اجتهد المؤرخ لطرش ثامر في تنظيمها وتسفيرها لتكون مرجعا في متناول الباحثين”.
كما خصه من جهته الأستاذ عبد القادر قلاتي، عن أسبوعية البصائر المؤرخة بتاريخ 08/14 ذي الحجة 1442 الموافق لـ 18-24 جويلية 2021، بمرثية جاء فيها “فقدت أسرة جريدة البصائر أحد أعمدتها الثابتة على الحق والعمل الجاد والالتزام الدائم،ألا وهو أستاذنا الفاضل الشيخ ثامر لطرش الذي وافاه الأجل المحتوم يوم 11 جويلية 2021. وبموته فقدنا أستاذا كبيرا وأخا معطاء تشهد عليه خدماته الكثير لجريدة البصائر وحرصه المشهود على قراءتها والكتابة فيها فهو بحق صديق البصائر”.
وحذا حذوه الأستاذ التهامي ماجوري من نفس الأسبوعية بمرثية تحت عنوان: “الشيخ لطرش ثامر صديق البصائر والشروق”، جاء فيها: “قد يستغرب الإنسان صداقة بين الإنسان والجريدة، ولكن هذه هي الحقيقة، فقد كان الشيخ لطرش ثامر صديقا لهتين الجريدتين تحديدا، وكان يحبهما حب الصديق لصديقه… ذلك هو الشيخ ثامر لطرش بن الساسي البوسعادي”، أحب التربية والتعليم – العربية والعروبة – الإسلام العلم والعلماء، جميعهم بين جوانبه كما جمع بينهما حب أبنائه السبعة عشر.
نوه بما قام به من عمل جليل تمثل في جمع البصائر الصادرة بين سنتي 2006 و2020 وجلدها ضمن 16 جزء للمكتبة الوطنية بالحامة (الجزائر العاصمة) رتبها وجلدها بيده وذلك لذات الغرض الذي قام به عندما جمع احتفاءات العلماء. وبالإضافة إلى هذه الأعمال كان الشيخ لطرش ثامر يقتطع من منحة التقاعد 1000 دج يصبها في حساب جمعية العلماء المسلمين لصالح جريدة البصائر، دعما لها وتعبيرا عن حبه لها.
ومما يجدر ذكره من ناحية أخرى، فإن الشيخ لطرش ثامر لم يتوقف عند الكتابة بل اهتم ايضا بالتأليف، وله في هذا المجال كتاب في اصول الفقه وآخر حول تاريخ جمعية العلماء المسلمين بعد 90 سنة من تأسيسها منذ 5 ماي 1931 إلى 4 ماي 2020 الموافق لـ 27 ذي الحجة 1349 الى 11 رمضان 1441، تنازل عن حقه في التأليف لفائدة الجمعية مساهمة منه في التعريف بدورها وتاريخها في محاربة البدع وتطهير ديننا الحنيف منها وإعداد الشباب لخوض معركة التحرير لاحقا.
هذا هو درب الشيخ لطرش ثامر فهو نموذج في المثابرة على طلب العلم نقل ما نال منه إلى غيره. مثال في التطوع بجهده وماله في مختلف مجالات الخير، يقضي حاجات المحتاجين دون كلل لو ملل ولو كلفه السفر دائم العطاء تناول الكثير من المواضيع التي يراها جديرة بالنشر حيث فتحت له الصحافة أبوابها الواسعة فاتخذ منها وسيلته الإعلامية، خاطب القراء بلغة العقلاء بما فيه فائدة لهم فهو المهتم بالشأن العام يريد الإصلاح الديني والاجتماعي، نال بذلك تكريما كبيرا من قبل كل الذين عرفوه وبادلوه حبا بحب فهم يحملونه في قلوبهم ويدعون له بالرحمة والمغفرة الواسعة. رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!