“الصامطة الكبيرة”!
المعروف في كل دول العالم، كبيرها وصغيرها، قديمها وجديدها، أن “الصامتة الكبرى” توصيف إعلامي وسياسي يطلق عادة على مؤسسة الجيش، لكننا في الجزائر وجب اليوم أن نطلقه على وزارة الخارجية، التي صار شعارها في هذه المرحلة “نسكت دهرا ثم ننطق كفرا”.
-
أداء الدبلوماسية الجزائرية في الآونة الأخيرة تميز بصمت مخيف من قضايا غاية في الخطورة ترتبط عضويا بأمننا القومي وموقعنا الإقليمي والدولي، كما هو الشأن بالنسبة للأحداث في ليبيا، فلا موقف واضح من الثورة ولا تكذيب صارم وحازم لما راج أخيرا من إشاعات مغرضة وحقيرة تتهم الجزائر بنقل مرتزقة القذافي على متن طائراتها العسكرية، ويأتي التردد الغريب للدولة الجزائرية في تقديم الدعم الإنساني للشعب الليبي الشقيق ليمكٌن الأفاقين والمتربصين من فرصة لم يتصوروها حتى في أحلامهم الأكثر سريالية، فهل يعقل أن تدفع دول مثل قطر وفرنسا، لا حدود لها مع ليبيا، بطائرات الغوث إلى شعبها المطحون، وتتمنع الجزائر؟.. وهل يعقل أن تقيم دولتان مثل مصر وتونس، لم يغادر دوار الثورة رأسيهما بعد، مخيمات للاجئين الليبيين وتبقى الجزائر مكتوفة الأيدي؟
-
قد يقال أنه ليس من شيم الجزائريين التباهي بما يقدمونه للجيران، وذلك عذر أقبح من ذنب، لأن حديث الرسول، صلى الله عليه و سلم، الذي يقول في معناه “حتى لا تعلم يمينه ما قدمت شماله”، ليست الدبلوماسية مجاله.
-
أما ما ندر من الحالات التي خرج فيها وزير خارجيتنا أخيرا عن صمته فهي عبارة عن تصريحات قاتلة، ومنها تعليقه رده الساخر على اتهام بوتفليقة بالسعي إلى الرئاسة مدى الحياة، وإطلاقه مصطلح “الحرب الأهلية” على المأساة الوطنية، وهو التوصيف الذي بذلت الدولة الجزائرية النفس والنفيس لتفادي تكريسه وتداوله.
-
هذا الأداء الضحل للدبلوماسية الجزائرية له طبعا ما يبرره، بين وزير لا علاقة له بالقطاع، وبين مسؤولين لا يتحركون إلا بـ “دزة” من رئيس الجمهورية، لكن ذلك لن يقلل أبدا من خشيتنا اليوم على مكاسب حفرنا عقودا في الصخر ودفعنا العرق والدماء لتحقيقها.. خشيتنا أن نضيع نجما ساطعا وسمعة ناصعة ومناطق نفوذ ومساحات تأثير.. بسبب أن وزارة خارجيتنا أرادت أن تكون “صامتة كبيرة” فتحولت إلى “صامطة كبيرة”!