-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصراع بين أمريكا والصين على الهيمنة

خير الدين هني
  • 664
  • 1
الصراع بين أمريكا والصين على الهيمنة

ظنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها هيمنت على العالم ببطرها وجبروتها، وقهرها لأي حركة نهضوية أو تحررية تناهض غطرستها واستعلاءها في الأرض، وظلت تعمل على منع أيِّ دولة تنازعها الهيمنة على الأفكار والتقنية والتفوق والسيطرة على زعامة العالم، وهي تريد أن تبقى –وحدها- القوة المركزية في توجيه السياسة الدولية، معتمدة على قوتها المالية التي جعلتها مركزا اقتصاديا وسياسيا كبيرا، مكنها من الهيمنة على تسيير العالم وتوجيهه توجيها وظيفيا يخضع لإرادتها ومصالحا القومية والعقائدية.

بهذا المركز المتفرّد، سيطرت أمريكا على الهيئات الدولية التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، كمجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان والصحة العالمية والأغذية والزراعة والمناخ ومحكمة العدل الدولية.. والمؤسسات المالية كصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، والسندات والودائع التي تضعها الدول من فوائض أموالها في الخزينة الأمريكية، والصناديق السيادية للدول، وكذلك أحكمت قبضتها ورقابتها على كبريات البنوك والمصارف، وتحرّك رؤوس الأموال بين الهيئات الرسمية والشركات الكبرى، في حال فرض عقوبات على الدول والكيانات والتنظيمات التي تخرج عن طوعها.

وتفرّدت في تقنية شق الذرة، ونشرت قواعدها العسكرية في البر والبحر، وسيطرت على الفضاء بأقمارها التجسسية، وصار العالم كله تحت رحمتها ورقابتها، تنظر إلى ما يجري فيه من غرفة توجيهٍ تابعة لهيئاتها العسكرية والأمنية والتشريعية.

أصبحت أمريكا تشكل إمبراطورية بالمعاير العصرية، تسلطت بها على دول العالم، وأصبحت توجِّه سياساتها بما يخدم ما تسميه أمنها القومي، وتملي عليها شروطا قاسية في توجيه اقتصادياتها ومشاريعها التنموية والعسكرية والأمنية والإستراتيجية، وبخاصّة الدول العربية والإسلامية، ممن تحمل مشاريع إحيائية أو قومية، وتأبى الخضوع والخنوع والانحناء والعبودية السياسية والرقّ الثقافي والأيديولوجي، وهي العبودية التي تتسلط بها القوى الاستبدادية والاحتكارية على الإنسان الضعيف.

وزاد من بطرها واستعلائها في الأرض، أن جعلت الكونغرس برلمانا عالميا يشرّع لاستعمار الدول، ويوجِّه سياساتها ومشاريعها نحو الأهداف المحددة في مخططاتها الإستراتيجية والاستعمارية، يشرّع للاعتداء على سيادة الدول وفرض العقوبات الاقتصادية والمالية عليها، وشنّ الحروب المدمرة على ما تسميه “الدول المارقة” أو “محور الشر”، كما فعلته مع العراق وأفغانستان وحاولت فعله مع كوريا الشمالية، لولا تحديها لها -رغم صغر حجمها وكثافتها- فتجاوزت غطرستها بترسانتها النووية العابرة للقارات، أو بما أسمته “الفوضى الخلاقة” بالتحريض على الثورات، والثورات المضادة التي أوقد نارَها عملاؤُها من أعراب التطبيع والديانة الإبراهيمية ومزدوجي الجنسية من الحفتريين، والحال أن دول الصمود المغضوب عليها من تكتل الأحلاف، تحمل مشاريع تحررية قومية أو عقائدية، ترفض الخضوع للغطرسة والهيمنة لهذه الإمبراطورية التي تبيح لنفسها، امتلاك عوامل القوة والغلبة والمنعة والتفوق، وفي المقابل تمنع غيرها من الدول الإحيائية أو القومية والعقائدية، من وضع أي مشروع نهضوي يمكنها من امتلاك الأسلحة الإستراتيجية، من صواريخ عابرة وطائرات شبح نفاثة، وقنابل ذرية ومسيرات متطورة، وغواصات قاذفة وبوارج الكترونية مشوِّشة، وحاملات تجوب البحار والمضايق والمحيطات، وكأن هذه الدول ولاياتٌ تابعة لحكمها ونفوذها وقوانينها الفدرالية.

ولكن الزمن له حسابات مقدَّرة بمشيئة عليا قدَّرتها وفق حسابات أزلية، فإذا جرى على الأشياء والأجسام أفناها وجعلها نسيا منسيا، مثلما أفنى حمارَ عُزير وبقي على نبض حياته وحرارة طعامه، لحكمة مُرادة وخارجة عن قوانين الحركة والزمن، والكيّس من يتعظ بغيرة ويعتبر، والمغترّ من تنسيه نشوة الانتصار تغيّر الأحوال والحركة والزمن. أين الإمبراطوريات والممالك العظمى التي بنت وشيدت وعمّرت، وبطرت وبغت واستعلت في الأرض بغير حق؟ فما لبثت وهي سكْرَى بنشوتها وحماستها أن أتى عليها الزمن مُمسيا أو مُصبِحا، وطواها كما طوى من كان قبلها، وجعلها أحدوثة (أقصوصة) من أحاديث الأساطير القديمة.

لم تفق أمريكا من سكرتها المنتشية بالظفر حتى وجدت العملاق النائم، قد سحب البساط من تحتها، وسيطر على التقنية واستولى على أسواق العالم، بصنائعه وبضائعه ومنتجاته، بما فيها أمريكا نفسها وكدس من فوائض الأموال ما جعل ناتجه الإجمالي ينافس على المرتبة الأولى، وقد وضع لذلك خطة خماسية محكمة التنفيذ، ليبلغ الأهداف التي سطرها، كي يتربع على العالم بهيمنته الاقتصادية والمالية والسياسية، ثم يبدأ بفرض شروطه وسياسته على الدول، كما هو حال أي إمبراطورية مستبدّة ومهيمِنة.

سجلت الصين هذا السبق في غفلة من الولايات المتحدة، التي كانت غارقة في الحرب الباردة مع غريمها الأيديولوجي، فلما قضت عليه بالإنهاك الاقتصادي والمالي، تحت مسمى “حرب النجوم” التي اخترع خطتَها رونالد ريغان، وهي خدعة مبتكرة أنهكت السوفييت الذي كان يسابق الزمن للظفر بهذه الحرب، ثم انشغلت بالحرب الساخنة مع من أسمته “العدو الأخضر”، فحاربت في أفغانستان أصحاب المشروع الإحيائي من الطالبان، وأصحاب المشروع القومي في العراق من الصدَّاميين، ثم حشرت نفسها في كل بؤرة من بؤر التوتر التي اختلقتها وأزمّت أوضاعها في العالم، فكان لهذه السياسة الهوجاء أن أنهكت  كاهل الخزينة العمومية، وأثقلتها بالديون حتى بلغت 110% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020. وهي مرشحة للارتفاع إلى ما بين 150 و200%، إذا استمرت في سياسة الإنفاق العسكري بذات الوتيرة، وهذا ما أجبرها على الانسحاب من أفغانستان والعراق، وبدأت في عهد ترامب تعمل على إجبار المحميات في الخليج، على دفع التكلفة الكاملة لحمايتهم، بينما كانوا من قبل يدفعون لها أقساطا من التكلفة العامة.

ولما أحست بالخطر يداهمها من العملاق الناهض، أخذت تعيد حساباتها على قواعد سياسية وتقنية واقتصادية جديدة، فكانت استثماراتُها تتدفق على الصين وطايوان، وبلدان التنين الأسيوي والهند، لانخفاض تكلفة الإنتاج والضرائب، فلما رأت الصين تهيمن على العالم باستثماراتها، ومنتجاتها وتريد غزو طايوان وضمَّها إليها لما يوجد بها من استثمارات نوعية، أخذت في استعادة الاستثمار إلى بلادها، فأمرت طايوان بنقل مصنع الرقائق الإلكترونية إلى أمريكا، وخصص الكونغرس 50 مليار دولار للاستثمار في الرقائق، لأن الرقائق هي دماغ الصناعة الإلكترونية، ومن سيطر عليها بالإنتاج سيطر على العالم، لأن الحياة الإلكترونية كلها مبنية على الرقائق، (الذاكرة المخزِّنة) في حين خصصت الصين 150 مليار دولار للاستثمار في الرقائق، واستوردت ما قيمته 350 مليار دولار في عام 2020، تحسبا لحرب تقع بينها وبين الولايات المتحدة.

نشرت صحيفة (كوريا الاقتصادية) أن شركة (سامسونغ) تدرس إمكانية إنشاء مصنا للرقائق بولاية بوسطن بقيمة 17 مليار دولار، مع إعفاء ضريبي، وصرَّح وزير التجارة الأمريكي أن بلاده تواجه أزمة أمن قومي بسبب نقص الرقائق الإلكترونية، وتعتزم شركة (إنتل) إنشاء مصنعين لإنتاج الرقائق بقيمة 20 مليار دولار، وجاء في تصريح مسؤول أمريكي أن من يملك صناعة الرقائق الإلكترونية، سيسيطر على العالم.

والولايات المتحدة توجه الاتهام -دوما- إلى الصين، لكونها تتجسس على صناعتها لسرقة أسرارها، ونشرت صحيفة (كوريا الاقتصادية) أن شركة (سامسونغ) تدرس إمكانية إنشاء مصنا للرقائق بولاية بوسطن بقيمة 17 مليار دولار، مع إعفاء ضريبي، وصرَّح وزير التجارة الأمريكي أن بلاده تواجه أزمة أمن قومي بسبب نقص الرقائق الإلكترونية، وتعتزم شركة (إنتل) إنشاء مصنعين لإنتاج الرقائق بقيمة 20 مليار دولار، وجاء في تصريح مسؤول أمريكي أن من يملك صناعة الرقائق الإلكترونية، سيسيطر على العالم.

والصين حينما تريد الاستيلاء على طايوان، لأن طايوان هي مصنع العالم في الرقائق، فمرادُها هو الاستيلاء على المصنع، لكون طايوان متقدمة على الصين في صناعة الرقائق، لأنها صناعة أمريكية، فالسباق التكنولوجي في صناعة الرقائق يتجه نحو تصغير تقنية النانو، (النانو هو الجزيء المتناهي في الصغر، يسمى -أيضا- تقنية الصغائر، علم يعالج المادة على المقياس الذري)، الملمتر الواحد ينقسم إلى مليون نانو، والسنتيمتر فيه مليار نانو،  فالرقائق في طايوان مقدارها 5 نانوا، وفي الصين 25 نانو، يعنى أنَّ الميكروفون المصنع في الصين أكبر مما يصنَّع في طايوان بخمسة أضعاف، والولايات المتحدة تدرس إمكانية تحويل استثماراتها، من الصين وطايوان إلى الهند العدو التقليدي للصين.

ونشر المؤرخ الاسكتلندي (نايل فيرغسون) مقالا في مجلة (إيكونيميست) البريطانية، تناول فيها الأسباب التي يعتقد من خلالها أن “نهاية الإمبراطورية الأمريكية” لن تكون سلمية، بحسب تقديره. واستعرض فيرغسون في مقاله الذي ترجمته “عربي21” أبرز الأسباب التي جعلته يعتقد بذلك، متطرقا إلى هزيمة أمريكا في أفغانستان، وحربها مع الصين. ثم حلل عوامل انحلالها منها الارتفاع الكبير للمديونية، وأجرى مقارنة دقيقة بين عوامل انهيار الإمبراطورية البريطانية التي أثقلتها الديون المرتفعة، وكانت سببا في تراجع دورها الريادي في الهيمنة الدولية بعد الحرب الكونية، والمديونية العالية التي تسببت في سقوط الإمبراطورية الرومانية، هي ذاتها ما يحدث –اليوم- للولايات المتحدة، بسبب حروبها وإنفاقها العالي.

والتوتر بين الولايات المتحدة والصين، مردّه تنامي القوة الصناعية والتقنية للصين، إذ أخذ أبعادا مقلقة للمنطقة كلها، كشفت أقمار صناعية أمريكية، خطة صينية دربت قواتها العسكرية في الصحراء العميقة على محاكاة ضرب الحاملات والسفن والبوارج الأمريكية، في حال نشوب حرب بينهما، ولكي تشوش على الأجهزة الإلكترونية الموجِّهة للأسلحة المدمِّرة، أنتجت صواريخ بطول 33 مترا لضرب الأقمار الصناعية الأمريكية التي تتجسس على المواقع المستهدَفة للتدمير، وأعلنت روسيا منذ أيام قليلة أنها دمرت قمرا صناعيا روسيًّا قديما كتجربة لحرب الفضاء، ولذلك اعتزم الرئيس ترامب وضح خطة إستراتيجية لإنتاج صواريخ مضادة لحرب الفضاء، تعترض الصواريخ الصينية أو الروسية، وهناك أنباء غير مؤكدة، تقول: إن الولايات المتحدة وروسيا تضعان ترسانتهما النووية موقع الاستنفار، تحسبا لأي طارئ. وغير هذا كثير ولكن المساحة المخصصة للكتابة لا تسمح بأكثر مما أوردته.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • فتيحة

    موضوع جميل و شيق يا سيدي.