الرأي

الصقر والتنين والطيور الإمعة

حبيب راشدين
  • 1346
  • 4
ح.م

أجدني أميل رغم أنفي إلى التماس بعض الأعذار للقادة العرب وهم يتعاملون مع التحولات العميقة في العلاقات الدولية من حولهم مثل الحاطب بليل، لا يميز بين الرطب واليابس، ولا بين الميت من الأغصان والحي من الأفاعي، وقد جاءت قمتهم الأخيرة بالظهران (السعودية) لتؤكد افتقاد العرب للمعلومة الصحيحة والأداة السليمة القادرة على انجاز تحليل عقلاني، يجلي حقيقة ما يجري من حولهم من تغيير سريع في التحالفات وفي المواقف، يحجب عنهم بالضرورة الرؤية السليمة، ويمنع تمييز الصديق من العدو، ويعيق صياغة موقفٍ عربي موحد ولو في الحدود الدنيا.
ربما يكون بعضنا قد تنفس الصعداء حين فاجأنا ملك السعودية بتعميد القمة الأخيرة “قمة القدس”، فيما كانت معظم التحليلات السابقة تعِد بوجود نية عند الفريق المهيمِن داخل الجامعة العربية لبداية التسويق المكشوف لما سُمي بـ”صفقة القرن”، لأن تسارع الأحداث في المنطقة قد كسر الزخم الذي صنعته تصريحات ولي العهد السعودي، وقرارات مصر والأردن المهروِلة لتوسيع التطبيع الاقتصادي مع الكيان.
الحدث الأول الذي يكون قد أحبط سياق تعريب “صفقة القرن” يرجع الفضل فيه للفلسطينيين في غزة أولا، ثم في قلب سلطة محمود عباس المحبَطَ، بمساعدة مشكورة ندين بها للغطرسة الصهيونية التي حولت مسيرات “العودة الكبرى” إلى حمام دم مروِّع، وبمساعدة محمودة من ترامب الذي لم يكتفِ بقرار نقل السفارة حتى انتقل إلى الابتزاز الرخيص بوقف مساهمات الولايات المتحدة في تموين هيئة إغاثة اللاجئين، وندين له ولـ”جراه” في فرنسا وبريطانيا بتوقيت عدوان خارج الشرعية الدولية على سوريا تحت رايةٍ كاذبة، وكلها أحداث كانت ستمنع أي زعيم عربي من التطوع بطرح “صفقة القرن” على أقرانه ولو من باب الدراسة والتقدير ليس أكثر، فجاءت الخطة البديلة بإعادة تعميد القمة، وإبعاد التهمة عن البلد المضيف.
ومن باب التماس الأعذار للنُّخب العربية الحاكمة، يفترض أن نلتفت إلى ذلك التخبُّط الرهيب في سياسات ومواقف كثير من النخب الغربية التي فقدت بدورها السيطرة على الأحداث، ولم تعد تدري على أي قدم ينبغي أن ترقص، وقد تكشف لنا بوضوح “من يحكم من” في أكبر الدول الغربية، حيث لم يمض عام واحد على توليه الرئاسة ببرنامج كان يعد بـ”تطهير مستنقع الدولة العميقة بواشنطن” حتى رأيناه ينتكس خطوة بعد خطوة إلى بيت الطاعة، ويبدأ في تنفيذ ذات البرنامج الذي كانت ستقوده مرشحة الدولة العميقة هيلاري كلينتن، وينقلب من داعية مرجو لتقارب مع الروس وإخراج أمريكا من مستنقعاتها، إلى رئيس يدير أكبر قوة في العالم بتغريدات صباحية بهلوانية تغازل الخصوم بإرسال صواريخ جميلة وذكية.
وما لم نلتفت إلى أن العالم يعيش عملية عميقة ومعقدة لإعادة توزيع أوراق الهيمنة بين إمبراطورية متراجعة (أمريكا) وأخرى تكشر عن أنيابها (الصين) عبر حروبٍ مستدامة بالوكالة، تُسخَّر فيها قوى متوسطة مثل روسيا وأوروبا، وقوى إقليمية طفيلية، دائمة التحرُّك بين الأوكار مثل الطائر الإمعة على غرار إيران وتركيا والسعودية ومصر وإسرائيل، ما لم ندرك هذه الحقيقة، فإننا سنُفاجَأ كل يوم بمواقف غريبة متقلبة، فاقدة للحكمة وبُعد الرؤية، تصدر عن قادة عرب وعجم وعلوج ليسوا اليوم أكثر حظا من العامة من شعوبهم وهم يتصفحون صفحات السماء ترقبا لخروج المسيح الدجال، والمهدي المنقذ، وإعداد النفس لقيام ساعة ملحمة هرمجدون.

مقالات ذات صلة