-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" ترافق صيادين في جولات رماية بالذخيرة الحية

الصيد ليس “فنتازيا” بل هواية تراثية تحكمها قوانين أخلاقية صارمة

الطاهر حليسي
  • 485
  • 0
الصيد ليس “فنتازيا” بل هواية تراثية تحكمها قوانين أخلاقية صارمة
أرشيف

تحصي ولاية باتنة ما يناهز 45.000 صياد، لكن عدد الحاصلين على الرخصة لا يتعدى 1200 صياد، تؤطرهم الفدرالية الولائية للصيادين، عبر 27 جمعية محلية، تنظم بين الفينة والأخرى تظاهرات للرمي لتطوير فعاليتهم التقنية، وأهم من ذلك تبادل الأفكار والمعارف التي تتجاوز مجرد القنص، بل للحفاظ على البيئة وتثبيت أخلاقيات الصيد، والحفاظ على الثروة الحيوانية والنباتية التي تزخر بها منطقة الأوراس والجزائر قاطبة.
لاحظنا خلال مرافقتنا لعدد منهم أنهم يحملون البنادق على أكتافهم مثنية ومفتوحة فيما يحرص مؤطرون بمراقبة هذا الالتزام المقدس، فيقول لـ”الشروق اليومي”، رئيس الفدرالية الولائية للصيادين خليل جبران قرفي: “غلق البندقية والتجول بها يؤدي حتما إلى إقصاء المشارك من المنافسة طبقا لإجراءات السلامة الأمنية، أما خلال الرمي فيقوم مراقبون بمراقبة الرماة والتأكد من انطلاق الطلقات حسب الصوت، فمثلا وخلال منافسة للرمي على الهدف الثابت بأولاد سلام، أشير لمتنافس بأن طلقته لم تسدد فقمنا بفتح البندقية لنعثر عليها محصورة في الوسط، طبعا لو قام الرامي بتعمير طلقة أخرى، ليرمي على الهدف من جديد فستفجر البندقية في وجهه جراء التقاء الطلقتين المتفجرتين”.

الصيادون يتلقون تكوينا تقنيا وأخلاقيا لممارسة هوايتهم
وخلال صعودنا لجبل متليلي الواقع ببلدية تيلاطو جنوب ولاية باتنة، كان عدد من الصيادين والرماة يمشطون الجبل ليس من أجل الصيد، لأن موسمه مغلق منذ سنوات، بل للتأكد من وضع مشارب للطيور والحيوانات كي لا تهلك عطشا في ظل الجفاف، فيخبرنا أحدهم وهو من جمعية بوليليد للصيد البري: “يعتقد كثيرون أننا لا نحسن سوى ضرب البارود لكن مهمتنا تقع في مكان آخر، هي الحفاظ على الثروة الحيوانية النادرة، وصيانة تكاثرها، وأهم من ذلك نتعاون مع السلطات الأمنية والغابية في حراسة الجبال والغابات من أعمال الصيد الجائر والمحظور، ومن الحرائق وترك النفايات وعمليات الصيد العشوائي والمحرمة والمُجرّمة قانونا”.
يخضع الانتماء لسلك الصيادين لشروط ومبادئ، منها وهو الأهم حسبما يؤكده خليل جبران “التكوين، فنحن نقدم للراغبين تكوينا عبر تربصات عن كيفية وشروط استعمال السلاح، وقوانين الصيد والمبادئ الأخلاقية التي تحكمه، وينتهي التربص بمنح المستفيد إجازة الصيد والتأمين للانخراط في الجمعية شريطة ملكيته لسلاح مرخص”.

لماذا يحمل الصيادون أوراق جرائد وأعواد ثقاب وجافيل؟
تشترط القوانين الصارمة أن يرتدي الصياد قبعة وسترة برتقاليتين، وأن ينتعل حذاء ملائما للتضاريس الجبلية والغابية، من نوع “بروتكا”، كما يمنع الصيد من وسيلة متحركة مثل السيارة، بل تجري دائما من موضع ثبات، ذلك أن السلاح يترك إجباريا في صندوق السيارة مخبأ في الحافظة وغير معمر، تفاديا لكل ما من شأنه التسبب في حوادث عرضية مكلفة، كانفلات طلقة طائشة، وعلى الصياد أن يحمل معه في جرابه المسماة بالعامية “الموزيطة” أعواد ثقاب وأوراق جرائد وكمية من ماء الجافيل، حيث تساعده هذه المقتنيات في إشعال النار في حال البرد، وأما ماء الجافيل فيستعمل في حال التعرض للسعات الحشرات لتطهير الجرح ومنع التعفن وتعقد الإصابة.
يحرص مراقبو الرماة على منع التدخين، حيث قام عضو بأمر متنافس على أهبة دخول رواق القنص برمي السيجارة، ذلك أن كل متنافس يحمل معه خمس خراطيش معمرة، ويغدو من الخطر اللهو بالشظايا والنار وسط أكثر من 800 صياد يحملون 4000 خرطوشة عيار 12 ملم، هي بمثابة قراطيس بارود متفجرة.
واضح أن لجوء الفدرالية لمسابقات الرمي وتنظيم جولات مراقبة للغابات والجبال هي بمثابة متنفس لآلاف الصيادين من هواة القنص وهي عادة ترادف إدمان التبغ على سبيل المثال، بل أكثر من ذلك هو تقليد متوارث لدى العائلات والأعراش، حيث لا يجد هؤلاء المجال لتصريف نشاطهم بعد غلق الصيد الذي تلا موجة حرائق الغابات المرعبة.

خمس سنوات نافذة ضد صائدي الحيوانات المهددة بالانقراض
وأما الصيد فهو لا يقع جزافا بل يخضع في العادة لقانون ورزنامة زمنية محددة وجدول سنوي، فصيد طائر السمان يمتد من 16 جويلية إلى 20 أوت، فيما يسمج بصيد البط “الكولفار” من 20 أوت إلى 6 أكتوبر، أما الصيد الأكثر انتشارا فهو صيد الأرانب والحجل البري والذي يمتد من 6 أكتوبر حتى نهاية ديسمبر، ليتوقف بعدها خلال جانفي لأنه موسم التوالد والتكاثر.
وأما مخالفة الرزنامة والإخلال بها فغالبا ما تنتهي بسحب الرخصة من صاحبها، وأما إذا كان الجرم جسيما مثل صيد الحيوانات النادرة والمحمية مثل الغزال والضبع المخطط والفنك، فهو غليظ العقوبة حيث يؤكد رئيس الفيدرالية للشروق اليومي: “يتم توقيف المعني عن النشاط وسحب بندقيته لمدة تتراوح بين سنة وثلاث سنوات مع غرامة تقع بين 3 ملايين سنتيم إلى30مليون سنتيم، ويمكن في حالة تقدير فداحة الخطأ على غرار صيد الغزال، بالتأسس ضده من طرف مصالح الغابات أو من طرف الفيدرالية، لتتم ملاحقته أمام العدالة طبقا للمواد المنصوص عليها في قانون العقوبات بعقوبة جزائية وحبسية، تبدأ من 6 أشهر إلى غاية 5 سنوات.

الضباع والخنازير مسالمة ومفيدة لاستمرار التوازن البيئي
ومنذ فترة تشن جمعيات الصيادين حملات تحسيس لحماية الضباع المخططة والخنازير من الصيد أو حتى القتل من طرف المواطنين نتيجة أفكار مغلوطة، وفي هذا الصدد يقول قرفي للشروق: “الضبع المخطط حيوان مسالم لا يُؤذي أحدا ولا يهاجم البشر، علاوة على أنه منظف للطبيعة من الجيف والنفاية، وأما الخنزير المحرم تناول لحمه في ديننا فليس محللا قتله، قال لنا الله لا تأكلوه ولم يقل اقتلوه، حيث أنه مقلب للأرض ويتناول بذور يطرحها ببرازه الذي يعد سمادا ثمينا يساهم في إعادة إنتاج أنواع نباتية جديدة محافظا على دورتها الطبيعية”.
من الواجب محاربة الأفكار السيئة والمغلوطة التي تؤدي إلى تخريب البيئة بقتل الضباع والخنازير البريئة، وهي أفكار تخلف الشر بنية مشوهة لفعل الخير حسبما يؤكده رئيس الفيدرالية التي ما فتئت تشكر الجمعيات المحلية على جهودها، وتطالب في ذات الوقت، السلطات العليا بالفتح الجزئي للصيد، حتى يتسنى للصيادين ممارسة هوايتهم وفقا للقوانين سارية المفعول، وتنص هذه القوانين على كراء مساحة غابية من مصالح الغابات وجرد الحجل والأرانب المنتشرة بها، والاكتفاء بصيد نسبة منها، حيث يرخص لكل صائد ثلاث حجلات وأرنب واحد في الخرجة الواحدة على سبيل المثال، ضمانا لاستمرار أنواعها والحفاظ على وجودها وتكاثرها بما يضمن استمرار الرياضة والثروة الحيوانية والبيئة معا.
وفي هذا الصدد أوضح عادل بوهنتالة، محام معتمد لدى المحكمة العليا ومجلس الدولة، بأن الصيد يخضع للقانون رقم 04/07 المؤرخ في 14 أوت 2004، والمنظم بموجب مرسومين تنفيذيين رقم 06/386 و06/387، الذي حدد شروط الممارسة والفترات المسموح بها، مثل منع الصيد في المحميات الطبيعية وخلال تساقط الثلوج وفترة تكاثر الطيور والحيوانات، كما نبّه الأستاذ على أن رخصة الصيد شخصية ولا يجوز التنازل عنها أو منح السلاح المرخص أو تأجيره لشخص آخر، كما أن هناك حالات خاصة يمكن فيها فتح فترة الصيد إذا ثبت تكاثر غير طبيعي للحيوانات داخل المحمية أو خارجها، من شأنه أن يشكل خطرا على الثروة الغابية أو الحيوانات النادرة والمواطنين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!