الرأي

الصيرفة الإسلامية.. البديل الناجع للبنوك الربوية

محمد بوالروايح
  • 5075
  • 33

كان الحديث عن البدائل الإسلامية عند بعض المتخصصين في مجال المالية والاقتصاد ضربا من “الدجل” بناءً على نظرتهم الضيقة إلى الشريعة الإسلامية بأنها لا تصلح إلا لإقامة الصلوات وتنظيم العبادات، ولا شأن لها بالحياة الاقتصادية التي تحتاج إلى تشريعات قانونية أكثر تكيُّفا مع الواقع وأكثر استجابة لحاجيات الإنسان التي يمليها عصر التطوّر الذي لا مكان فيه للأفكار الدينية الطوباوية على حد وصفهم.

سار العالم وفق هذا التصوّر الواهم، وقدّم النظام الاقتصادي الرأسمالي على أنه النموذج الأوحد لتسيير شؤون المال والاقتصاد، ولكن دار الزمان دورته واتجه العالم راغما تحت وطأة الأزمة الاقتصادية إلى البحث عن بدائل اقتصادية أخرى كفيلة بإنقاذ الاقتصاد العالمي الذي دمرته المعاملات المالية الربوية وما نتج عنها من آثار اقتصادية خطيرة، ولم يجد الاقتصاديون بديلا اقتصاديا أفضل من البديل الإسلامي لحل المعضلة الاقتصادية العالمية التي وصلت إلى حد الانهيار الاقتصادي والإفلاس المالي وما تبعه من تدهور اجتماعي، ورأينا دولا رأسمالية تقرر في خطوة غير منتظرة اللجوء إلى الصيرفة الإسلامية ولو في نطاقٍ محدود على غرار ما فعلته بريطانيا عملا ببعض الاستشارات المالية التي أثبتت جدوى البديل المالي الإسلامي بفعل النتائج الإيجابية التي حققها في بعض الدول الإسلامية الرائدة في هذا المجال وعلى رأسها ماليزيا وتجارب أخرى محدودة في بعض الدول العربية والإسلامية.

ولم يتوقف الاعتماد على الصيرفة الإسلامية عند هذه الدول بل انتشر واشتهر في السنوات الأخيرة ليكون بديلا ماليا في أكثر من بقعة في العالم، ولم تكن الجزائر بدعا من الدول التي سارت في هذا الاتجاه، ومن الموضوعي القول بأن تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر بدأت قبل حدوث الأزمة المالية العالمية التي مستها مثلما مست دولا كثيرة، فتجربة “بنك البركة” وغيره في الجزائر على محدوديتها كانت تصب في هذا الاتجاه، وقد ازداد الاهتمام بنظام الصيرفة الإسلامية في الجزائر في عزّ الأزمة المالية وذلك بإعلان الوزير الأول في رده على أسئلة نواب الغرفة الأولى للبرلمان خلال جلسة المصادقة على مخطط عمل الحكومة الشروع العملي في تطبيق هذا النظام الذي سيمس في المرحلة الأولى وقبل نهاية السنة الحالية بنكين اثنين على أن تتوسع العملية مستقبلا لتشمل أربعة بنوك أخرى مع حلول سنة 2018.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد بأن قرار الحكومة الجزائرية باعتماد الصيرفة الإسلامية كان نابعا من ثلاثة مبادئ أساسية: المبدأ الأول وهو أن الدستور الجزائري ينصّ في بعض مواده على اعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا ثانيا للتشريع، والمبدأ الثاني ويتمثل في استجابة الدولة الجزائرية لهذا البديل الإسلامي بكونه يمثل مطلبا شعبيا ملحا ومتزايدا، والمبدأ الثالث وهو أن الجزائر اتجهت كما أسلفت ومنذ مدة إلى اعتماد نظام الصيرفة الإسلامية، وتمثل هذا في سعيها المبكر لتشجيع الاهتمام بالمالية الإسلامية وما تبع ذلك من سلسلة الندوات والمؤتمرات والدورات العلمية المتخصصة، التي كانت بداية نظرية مهمة وأساسية من أجل تهيئة وتكريس العمل بنظام الصيرفة الإسلامية.

“المصارف الإسلامية تحقّق التكافل الاجتماعي وتجعله هدفا من أهدافها، وهي الإستراتجية الاجتماعية التي لا تحققها المصارف التقليدية الربوية، حيث تعمل المصارف الإسلامية على استخدام عوائد الزكاة وعوائد “القرض الحسن” في التكفل بالفئات الاجتماعية الهشة والفقيرة وفق قواعد الاستحقاق المتعارف عليها.”

لا يمكن الحديث عن الصيرفة الإسلامية من حيث كونها بديلا للنظام المصرفي إلا بإبراز مزايا هذا النظام الإسلامي، والتي يمكن أن ألخصها في النقاط الآتية:

1- الصيرفة الإسلامية كما يعرفها المتخصّصون في المعاملات المالية هي جزء من النظام الاقتصادي الإسلامي، الذي يقوم في جميع معاملاته المصرفية والاستثمارية وغيرها على مبدأ الوساطة المالية المرتبط بمبدأ المشاركة والمرابحة الذي يناقض مبدأ المقارضة والمديونية الذي لا يحقق العدل في التعامل المالي، ويكاد يستحوذ فيه البنك الربوي بكل عوائد المعاملة المالية عدا ما يحرزه الطرف الآخر من فوائد بنكية محدودة.

2- توفّر المصارف الإسلامية مجموعة من الأنشطة لا توفّرها المصارف التقليدية الربوية، ومنها “القرض الحسن”، وصناديق الزكاة والأنشطة المصرفية ذات الطابع الثقافي، ولا بد من الإشارة في هذا السياق إلى أن وزارة الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر قد اعتمدت منذ مدة على هذا النظام، حيث تشير بعض الإحصاءات الرسمية أن عمليات “القرض الحسن” قد مست شرائح كبيرة من المجتمع الجزائري من تشجيعها على إنشاء مشاريع استثمارية محدودة عملت ولو بشكل محدود على امتصاص نسبة البطالة، وهو ما شكل متنفسا للدولة الجزائرية أسهم في تخفيف بعض الأعباء المالية عنها، كما أسهمت صناديق الزكاة في اتجاه آخر وحققت نتائج باهرة، وهذا يجعلنا نقرُّ بأن إيجاد هذه الصيغ الاستثمارية الإسلامية كان بداية موفقة من شأنها أن تضمن نسبة كبيرة من نجاح تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر.

3- النظام الاستثماري في النظام المصرفي الإسلامي أوسعُ منه في النظام المصرفي التقليدي الربوي، ويؤكد الخبراء في هذا المجال بأن النظام المصرفي الإسلامي يعتمد على تعدُّد أشكال الاستثمار والتمويل في المجالات العقارية والزراعية وغيرها، في حين يقتصر النظام المصرفي التقليدي على نمط واحد منها، وهو ما نلحظه مما يسمى “الاختصاص البنكي” بوجود بنوكٍ تجارية أو زراعية أو صناعية أو عقارية.

4- المصارف الإسلامية تحقق التكافل الاجتماعي وتجعله هدفا من أهدافها، وهي الإستراتجية الاجتماعية التي لا تحققها المصارف التقليدية الربوية، حيث تعمل المصارف الإسلامية على استخدام عوائد الزكاة وعوائد “القرض الحسن” في التكفل بالفئات الاجتماعية الهشة والفقيرة وفق قواعد الاستحقاق المتعارف عليها.

5- الصيرفة الإسلامية هي تجسيدٌ حقيقي لمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية، وهو حفظ المال؛ فالإسلام يعد المال عصب الحياة، ويشدّد على حفظ الملكية المالية وكذا على تنمية هذه الملكية بالطريقة المشروعة من خلال اعتماد مبدأ المرابحة الذي هو شكل من أشكال حفظ المال.     

6- الصيرفة الإسلامية تشجع الاستثمار وتحرِّم الاكتناز، وهذا من شأنه أن يضمن تدفق وتداول الأموال، ومن المعروف أن الإسلام يحرِّم اكتناز المال بكل صوره، وهذا بناء على النهي القرآني الصريح: “إن الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم، يوم يُحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباهُهم وجنوبُهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون”.

للموضوع مراجع

مقالات ذات صلة