-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصين، من سلطة المال إلى سلطة الآداب

أمين الزاوي
  • 3255
  • 9
الصين، من سلطة المال إلى سلطة الآداب

مو يان روائي صيني، ومعناها في الصينية: الذي لا يتكلم، مو يان الرجل الصامت، اسم جديد يسقط على القارئ الغربي كبيرا، كبيرا بحجم أكبر جائزة في تاريخ الجوائز الأدبية العالمية، يسقط جاهزا من على سور الصين العظيم ليتوج بجائزة نوبل، ويسقط علينا نحن في العالم العربي والمغاربي بالتبعية والولاء لذوق الآخر ولاختياراته.

الروائي مو يان ليس معارضا لنظام بلده ولا مهاجرا ولا منفيا ولا محجورا عليه، إنه روائي الشاي الصيني والجلسة الصينية والغناء الصيني واللباس الصيني والمزاج الصيني، ومع ذلك يتوج بجائزة نوبل للآداب لهذه السنة 2012، فلماذا يا ترى يتوج صيني بهذه المواصفات وفي مثل هذا الوقت بجائزة نوبل الغربية؟

مع كل هذا العداء التقليدي الذي تحتفظ به الجائزة ولجنة تحكيمها على اختلاف المتتالين عليها من رموز الثقافة الأورو-أمريكية، وعلى الرغم من هذا النفور والاستخفاف بالأدب الصيني، وأساسا ذلك الذي يكتب تحت سماء تحكمها سلطة الحزب الشيوعي، مع كل هذا فقد حاز مو يان على جائزة نوبل للآداب.

أخيرا ركع الغرب السياسي ومعه الغرب الأدبي، أخيرا ها هو الغرب يعود ربما ليقرأ الشرق الأقصى، شرق مطلع الشمس، دون خلفية سياسية وربما دون حكم مسبق، أو ها هو يقرأ بعين جديدة أملتها ظروف القرن الجديد بكل زلازله الحربية والطبيعية والاقتصادية.

أخيرا ها هو الذوق الجمالي الغربي الأورو- أمريكي يتغير فيتيمم شطر آداب آسيا البعيدة، بعيدا ربما عن سلطة الأيديولوجيا وقريبا ربما من سلطة المال!! قريبا من المصلحة!! فالصين التي كانت قبل ربع قرن في عين الغرب بلد الطوابير والتخلف والفقر والأمراض والأزمات كلها أصبحت بلد المال والسيارات الفاخرة والتكنولوجيا الخارقة وأخلاق العمل وثقافة المنافسة الرأسمالية المعاصرة، بطبيعة الحال على الطريقة الصينية. لقد أضحت الصين منقذ الغرب الذي يتخبط في أزماته المالية والاقتصادية المتلاحقة منذ بداية هذا القرن، غرب غارق في حروب لا يدرك آفاقها ولا عواقبها.

أخيرا ها هو الغرب الذي ولمدة قرن وأكثر من الكتابة الروائية الصينية المعاصرة ، ها هو هذا الغرب الأدبي يعود ليعترف بأنه الخاطئ المخطئ، فيتوج الرواية الصينية بجائزة نوبل للآداب وكأنه بذلك يطلب السماح من شرق لطالما همش ولطالما عزل وأبعد عن المشاركة في النقاش العالمي حول مصير الإنسان ومصير الأرض التي عليها يقيم هذا المخلوق العجيب.

هل سيكون الإبداع الصيني الصاعد في الرواية كما في السينما وفي الموسيقى بكل أصالته وروحه الشرقية بكل ما فيها من حكمة ورؤيا هو البديل القادم لتخليص الإبداعية الغربية الأورو-أمريكية من النمطية؟ ربما!!

هل بدأ مفهوم المركز والهامش يتغير؟

هل تتويج مو يان بجائزة نوبل للآداب لهذه السنة 2012 هو قبل كل شيء البحث عن طريق آخر للوصول إلى جيب الصين، كونها المسيح الجديد المنقذ المالي وربما السياسي أيضا، هل تتويج مو يان هو محاباة للسلطة الصينية وشراء ودها عن طريق يسمى طريق القلب، طريق الرواية، طريق الفن؟ ربما!!

حدثني قبل أسبوع الوكيل الأدبي الفرنسي لمويان وهو وكيلي الأدبي أيضا السيد بيير أستيي Pierre Astier بأن وكالته بكل موظفيها تعيش حالة من الاستنفار إذ لا تكاد تنتهي الطلبات على كتب مو يان، إذ أن الناشرين في أوروبا وأمريكا يتسابقون على شراء حقوق الترجمة والاقتباس والنشر لروايات وكتب مو يان الذي كان قبل سنة كاتبا عاديا بل أكثر من عادي إذا ما قارنا بينه وبين الاستقبال الذي يحظى به أدب الكاتب الياباني هاروكي موراكامي الذي أصبح ظاهرة أدبية في الغرب.

ولكن إذا كان الغرب الأمريكو-أوروبي يتسابق على شراء حقوق الترجمة والنشر، وله في ذلك مآرب، فإن العرب من مشارق الأرض ومغاربها تابعون ونائمون وربما يكونون قد نزلوا ساحة القرصنة، وبعد أيام ستنزل بعض كتب مو يان في القاهرة أو في بيروت مترجمة بتشويهات كما هي العادة وستكون حاضرة في معارض الكتاب العربية؟

لكن الأكيد هو أن الغرب وهو يمنح جائزة نوبل للآداب لمو يان وهو يقرأ هاروكي موراكامي بكل هذا العشق والوله يعلن عن قلب صفحة في ذوقه الجمالي والدخول في كتابة صفحة جديدة لتاريخ قارئ جديد وإمتاع جديد.

هل سيكون طريق الحرير إلى الصين الذي هو طريق الرواية فرصة لهذا الغرب الأدبي الأمريكو-أوروبي أن ينتبه إلى الأدب العربي، أن ينتبه إلى روائي مثل حيدر حيدر أو أمير تاج السر أو نبيل سليمان أو الميلودي شغموم أو… ويخرجنا من كذبة ترشيح كل من أدونيس وآسيا جبار كذبة دامت عشر سنوات وفي كل موعد سنوي للجائزة نلوكها ونصدقها ثم نسكت وتمر الجائزة لاسم آخر في لغة أخرى؟

هل الأزمة المالية في الغرب نعمة على الأدب في الشرق؟ هل هو إعلان عن بداية زمن أورو-أمريكي جديد أساسه البحث عن منظومة قيم جديدة يكون الأدب والرواية أساسا هو حاملها. ربما!!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • كوكو

    تابع..أما حيدر حيدر فمع أنه أديب بارع وقامة فارهة لكنه صنع الحدث
    بتخطيه الحدودالحمراءوهي ضئيلة ودخوله المنطقةالمحرمة وهي
    ضحلة يوم كتب روايته المثيرة"وليمة لأعشاب البحر"سنة1983 ثم أعاد طبعها سنة2000،أحدثت جدلاواسعا في الأوساط الثقافية الإسلامية حين تطاول فيها على الدين الإسلامي من خلال عبارات وردت في صميم أحداثها،مما حدى بالأزهر الشريف إلى منعها من التداول،وكان يمكن له أن يعتذر ويقرر حرقها انتصارا لله و الإسلام ولكنه فضل الإنتصارلنفسه كما يفعل غالبيةالكتاب حين يكسرون الطابو كما صاحب هذا القوس

  • كوكو

    تابع..و خدموا الغرب أكثر مما خدمه أهله،وباعوا دينهم(الإسلام) بعرض من الدنيا قليل،ربما هو نوبل أو الشهرة أو شيئ آخر لا أدري(فآسيا تلك القارة في الأدب والشعر و القصة تحولت إلى أوربا ولم تكتب خلال مسيرتها الطويلة و لارواية واحدةبلغة أمها وأبيها،خدمت فرنسا بوفاء فكافأتها بتعيينها عضوة في أكاديميتها الشهيرة،وأدونيس ذلك الشاعرالعربي المثير للجدل تحول إلى فيلسوف فنيقي يخدم آلهة الظلام من خلال آرائه العلمانية و أفكاره الوجودية و أطروحاته الإقصائية الغريبة،أما حيدر حيدر فمع أنه أديب بارع وقامة فارهة لكن

  • كوكو

    تابع..فكاتب هذا القوس صاحب"حادي التيوس"(رواية غريبة الأطوار مليئة بالتناقضات والوحشية،يمزج فيها صاحبها بين العفاف و مجتمع الجفاف"جفاف الأخلاق"،بين الفضيلة و الرذيلة،بل قمة الرذيلة تمثل في جريمة..........لا أستطيع كتابتها خوفا من الله ثم من مقص الشروق وخجلا من نطقها)يرى أن الأكاديمية السويدية قد غمطت "آسيا جبار"و"أدونيس"و"حيدر حيدر"حقهم في نوبل،فهم قد بلغوا من الكبر عِتيا ومن الكتابة الأدبية في الشعروالقصة والرواية إتيا،و خدموا الغرب أكثر مما خدمه أهله،وباعوا دينهم(الإسلام) بعرض من الدنيا قليل...

  • عبد الرحمان

    مواضيع الاستاد امين قل نظيرتها من حيث جمالية مخيلتها و يدخلك في عالم المقارنات الفكرية حتى يتخيل القارئ انه انه شطر في المعادلة وانه فرد من افرادها وان صراع داتي يوشك ان يقع وانه لا فرق بين غربة الدات وغربة الوطن مقارنات تسمح لعامل بناء مثلي ان يصنف برغم الثقل الدي احمل كل يوم ادوات البناء و البعد عن الدار واني لا احمل اسمي معي يا استاد انك تمد نا بافكار تاخدنا اخدا الى التعبير و الكتابة شكرا لك

  • Sara M.M

    لكن دعني أخالفك الرأي سيدي، لم علينا أن ننتظر منهم بأن يمنوا علينا بثنائهم بجائزتهم التي هي لهم؟ أوليس هذا أكبر دليل على ضعفنا وقوتهم فحتى فكريا نحن لا نساوي شيئا الا اذا اعترفوا لنا هم بذلك أما تحن فلا نملك عليهم أدنى سلطة.
    أما ان الأوان لنتخذ الصين قدوة؟ بدأت بتخلف وعجز ومجاعة وديكتاتورية -فلا حجة لنا- وأصبحت بلدا متطورا -على طريقتهم- مهيبا يتسارع القوي قبل الضعيف لكسب وده.
    فان أردت جائزة نوبل، سيدي، فلا مفر لك من دخول معادلة المصلحة ... والا تفرج من بعيد.

  • Sara M.M

    صراحة أنا لم أقرأ لهذا الكاتب ولا أدري ان كان يستحق هذه الجائزة الغربية المنشأ والفكر ورغم قناعتي الشديدة بأن ثقافة الشرق الأقصى وبالخصوص الصين وحكمتها تستحق الثناء الا أني أرى أن هذه الجائزة توضح جليا فكر الشعوب الغربية المبني مطلقا على المصلحة وحتى الثقافة، الفن الأدب .... تترجم هذا الفكر الذي -صراحة- لا أرى فيه عيبا هعلى قسوته، هم فيما هم فيه من تطور بفضله رغم أزماتهم.

  • كوكو

    هل فنيت جعبتك سيد زاوي من الأقواس فأعدت قوسا كنتَ قد كتبته قبل شهرين(نهاية أكتوبر 2012)،عن أديب الصين(مويان)الحائز على نوبل للآداب،أم أن مديرنسخة الشروق الإلكترونية أعاد نشرها بعد أن أطلت عليه في إرسال موضوع جديد؟(آخر قوس لك كان يوم 29نوفمبر 2012،يعني شهراكاملا)،ربمالأهمية الموضوع و شدة وقعه في بعض النفوس أو ربما لغرابته في كون أديب صيني مغمور يُفلح في الظفر بماعجزعنه عتاة الأدب والثقافة واللغة في أمصار عدة منها القطر العربي،فكاتب هذه القوس يرى أن الأكاديمية السويدية قد غمطت"آسيا جبار"و "أدونيس"

  • bicha

    يبهرنا دائما استاذنا الرائع امين و الذي لا زال يمثل شعلة الادب في الجزائر و بدون مقدمات حيث تكمن ميزة مقالته الرائعة في ابتعاده عن الصرعات الايديولوجيةو السياسية مهتما بالادب المجرد ناضرابعين المنتقد البناء و المحقق للادب العربي

  • اسماعيل

    سي الزاوي .أودأن أشكرك على هذه النصوص والمقالات المتنوعة المواضيع والمجالات التي تفيد بها قراءك وأنا من متتبعي نشاطك الأدبي التثقفي من زمن الأقواس والتي أغلقت فجأةالى برنا مجك الأسبوعي في إحدي القنوات الفضائية الوطنيةوفي هذاالمقام أودأن أتسأ ل لماذا لم ينشئ الكتاب الجزائريين هيئة أومنظمة ما ترشح كاتبا جزائريا أوحتى مغاربيالهذه ا لجائزة (نوبل) ولاتهم في راي اللغةالتي يكتب بها ولماذالم تدعموآ سياجبار والتي حسب علمي رشحت أكثر من مرة وأخفقت ألا يستحق الادباء الجزائريين أوالمغاربيين هذه الجائزة ؟