-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصّلاح في هذا الزّمان ليس مستحيلا

سلطان بركاني
  • 765
  • 1
الصّلاح في هذا الزّمان ليس مستحيلا

يحصل كثيرا أن نتعلّل بـ”صعوبة الزّمان” وكثرة الفتن، لنبرّر لأنفسنا غفلتها عن الدّار الباقية وتقصيرها في حقّ خالقها، ويذهب بعضنا بعيدا في التعلّل إلى الحدّ الذي يجعله يجزم بأنّ الاستقامة أضحت مطلبا قريبا من المستحيل! وأنّ مقاومة المغريات لم تعن سهلة، وتقوى دوافع التّبرير حينما ننظر من حولنا فلا نكاد نرى إلا المقصّرين والمفرّطين أمثالنا، المتنافسين على حطام الدّنيا.. ونظنّ أنّ ما نحن عليه من غفلة وتقصير أصبح واقعا لكلّ المسلمين من دون استثناء! وننسى أنّ الله تعالى قضى أن يغرس في كلّ زمان وكلّ مكان عبادا صالحين تقوم بهم الحجّة وتنقطع الأعذار؛ يتقون الله ويستمسكون بدينهم ويحرصون على الصّالحات ويثبُتون أمام المغريات، منهم الشّيب والشّباب، ومنهم الرّجال والنّساء.

كثيرة هي أحوال الصّالحين والصّالحات التي نراها ونسمع عنها من حولنا وتجعلنا نوقن بأنّ الخير لن ينقطع من هذه الأمّة، وأنّ الصّلاح ليس علامة مسجّلة باسم السّلف الأوائل، فهناك في زماننا من يخاطبون الأوّلين بلسان الحال، كما خاطب التّابعيّ أبو مسلم الخولانيّ -رحمه الله- الصّحابة بلسان المقال، حين قال: “أيظنّ أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنّهم عليه زحاماً حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم رجالاً”.

لعلّنا في مقالنا هذا نكتفي بسرد قصّتين مؤثّرتين؛ أولاهما لعجوز من أهل زماننا نحسبها من الصّالحات، وثانيهما لشابّ في ريعان الشّباب نحسبه كذلك من الصّالحين.. أمّا العجوز فليست من العلماء ولا من الدّعاة ولا من المشاهير، إنّما هي من عامّة المسلمين، ولعلّها من الأخفياء الذين لا يعرفهم أكثر النّاس ولكن يكفيها أنّ الله يعرفها.. يتحدّث عنها أحد الدّعاة فيقول: “قلتُ لها قبل موتها-رحمها الله- وكانت قد أصيبت بخمسة سرطانات آخرها سرطان الجلد: كيف حالك مع القرآن يا خالة؟ هل تختمين كلّ يوم؟ فقالت: هدَّني المرض -والله- يا بُني، فلم أعد أختم إلا كل أسبوعين! رغم البلاء الذي نزل بها وهدّ قوتها لم تترك وردها من القرآن، فهي تختم مرّتين كلّ شهر. فيا الله! لكأنّها بحالها تخاطبنا نحن الأصحّاء الذين نُمتّع بالصحّة ونتقلّب في العافية، ونجد الأوقات لكلّ المشاغل والشّواغل، ولا نجد الوقت لتلاوة كلام ربّنا.. نحن الذين ننفق السّاعات في تصفّح الفايسبوك ونبخل ببعض الدّقائق نثني فيها الرّكب لتصفّح كتاب ربّنا.. ((وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا)) (الفرقان: 30). يقول الشّيخ المعصراوي -حفظه الله-: “كنت أعجب من السلف كيف يعكفون على القرآن طويلاً بلا ملل، فلما رأيت العاكفين على الهاتف زال العجب! وعلمت أن القلب إذا أحب شيئاً عكف عليه”.

القصّة الثانية، قصّة شابّ صالح، نحسبه كذلك، من بلاد يراد سلخها من دينها، شابّ يعطي بقصّته نموذجا من أروع النّماذج الدالّة على أنّ الصّلاح في زمن الفتن ممكن وميسّر لمن استعان بالله وسك الطّريق الموصلة إلى رضوانه. شاب في الثلاثينات من عمره، تروي إحدى الطبيبات قصّته مع أمّه فتقول: دخل علي شابّ في الـثلاثين من عمره، معه عجوز يحضنها لأنها تريد أن تهرب منه. كانت ترمي خمارها فيعدله، وتعض يده وتخدشها وتبصق في وجهه، وهو يتبسم.. دخلتِ العجوز مكان الفحص فرمت بخمارها وبدأت تضحك ضحك المجنون الذي لا عقل له، وتدور حول الطاولة.. تقول الطبيبة: سألت الشابّ: من هذه؟ قال: أمي. قلتُ: ما بالها؟ قال: وُلدت هكذا من دون عقل. قلتُ: كيف أنجبتك؟ قال: زوّجها جدي لأبي عسى أن ترزق بولد. تزوجها أبي وطلقها في العام الأول بعد أن حملت بي وأنجبتني.. ومنذ أن بلغتُ العاشرة من عمري وأنا الذي أخدمها، وإذا أردت أن أنام أربط قدمي مع قدمها، أخشى أن تهرب ولا أجدها.. قلتُ: لماذا أحضرتها؟ قال: عندها السكري والضغط.. كلّ هذا والأم تضحك وتقول: أعطني بطاطس، فيعطيها، وتبصق في وجهه فيضحك ويمسح بصقتها.. قلتُ له: هذه أمك لا تعرفك؟ قال: لا والله لا تعرف أني ابنها، لكنّ الذي خلقني يعرف أنها أمي.. ثم قالت الأمّ تخاطب ابنها: أنت كذاب! لماذا لا تأخذني إلى مكة؟ قال: الخميس يا أمي، أما قلتُ لك إني سأذهب بك يوم الخميس؟ قالت الطبيبة: أ تذهب بها وقد زال عنها التكليف؟ قال: كلما أرادت مكة أذهب بها، لا أريد أن تتمنى شيئا وأنا قادر على تحقيقه فلا أحقّقه لها.. ثم خرج مع أمه، وأغلقت الطبيبة الباب وبكت بكاءً مريرا. قالت: سمعت كثيرا عن البر، لكن أن أرى شابا أمه لا تعرفه، وهو يسخّر حياته تحت قدميها يخدمها حتى يقضي الله بينه وبينها صفحة بر جميلة؛ هذا لم يسبق أنّي سمعت عنه! كان قادرا على أن يتركها في مصحة الأمراض العقلية، لكنه أراد رفقتها ليبقى باب الجنة مفتوحا في حياته. ا.هـ

ينبغي لشبابنا أن يحفظوا هذه القصّة ولا ينسوها.. هي ليست قصّة من كتاب “سير أعلام النبلاء” لرجل من الزّمان الأوّل، إنّما هي قصّة شابّ يعيش زماننا هذا بفتنه ومغرياته وشواغله؛ فتح الله له بابا إلى الجنّة فحافظ عليه الشابّ ولم يغلقه.. قصّته هذه رسالة إلى شبابنا الذين يتبرّم الواحد منهم من أبيه المريض، ويتأفّف من أمّه المسكينة إن هي أكثرت عليه من المطالب، وربّما يزجرها إن هي شكت إليه سوء معاملة زوجته.. يرى أمّه حسيرة كسيرة حزينة، فلا يأبه لأمرها ولا يسألها عمّا ألمّ بها، بل ربّما يرى دموعها الغالية تسيل على خدّيها فلا يتحرّك قلبه.. يتمنّى لو تموت أو تنتقل للعيش مع إخوته الآخرين حتّى يرتاح منها.. باب إلى الجنّة يفتح له، فيأبى إلا أن يغلقه، ليفسد دنياه وأخراه.. ألا فليعلم كلّ شابّ هذه حاله أنّ الله -جلّ وعلا- لا ينتقم من ظالم أشدّ من انتقامه ممّن يظلم والديه ويعقّهما؛ فمن عقّ أمّه طلبا لمرضاة زوجته عاقبه الله بنشوز زوجته وسوء خلقها، ومن بخل عن أمّه لأجل أبنائه، سلّط الله عليه أبناه وأراه منهم ما لم يكن متوقّعا.. يقول النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم-: “اثنان يعجّلهما الله في الدنيا: البغي وعقوق الوالدين” (رواه الطبراني).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جلال

    يجب الإتفاق أولا على معنى ومبنى الصلاح وهل نحن في زماننا هذا كلنا مخطؤن ومن كان قبلنا نساك؟ لا نقرأ التاريخ مع الأسف أو نقرأ ما يتماشى مع ما نعتقد إنه صحيح : نحن في رحمة ونعمة مما صار مثلا من فتن وانتشار التهتك وازدهاره أواخر العصر العباسي والعصر المملوكي ، والتردي الخلقي والتحرش بالنساء وعبادة الأشخاص (ما يسمى بأولياء الله كذبا كالبدوي وبومدين الغوث مما يزال البعض يؤمن بهم ويقدم لهم القربان) , قال عبد القادر الكيلاني في إحدى مواعظه: "هذا زمان الرياء والنفاق وأخذ الأموال بغير حق، قد كثر من يصلي ويصوم ويحج ويزكي، ويفعل أفعال الخير للخلق لا للخالق، فقد صار معظم الناس بلا خالق. كلكم موتى القلوب أحياء النفوس والأهوية طالبون الدنيا", كان على كاتب المقال التأكد من "متن" إن شيئت المثالين , هناك بعض المشايخ يؤلفون قصص مثل هذه لكنها تسيئ الى الدين مع الأسف لبعدها عن الواقع, هجرة القرآن هو عدم العمل بمقتضاه والعمل بما يتلوه المشايخ قال فلان وثنى فلان