-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
"الشروق" تستطلع آراء أكاديميين حول حادثة باتنة

الطعنة التي اخترقت قدسية المدرسة والمعلم

صالح سعودي
  • 1279
  • 0
الطعنة التي اخترقت قدسية المدرسة والمعلم
ح.م
الأستاذة ريحانة بن شية

خلّف الاعتداء الخطير والغادر الذي تعرضت له الأستاذة ريحانة بن شية، أستاذة اللغة العربية بإحدى متوسطات بلدية تاكسلانت (باتنة) استياء واسعا من هذه الفعلة التي قام بها تلميذ تجاه أستاذته كاد يودي بحياتها بضربة خنجر على مستوى الظهر من طرف القاصر (ع.هـ)، ما جعل وكيل الجمهورية لدى محكمة نقاوس بمجلس قضاء باتنة يوضح في بيان له بعض خيوط القضية التي تعود إلى استقبال الضحية لولي التلميذ، ما خلف رد فعل سلبي من هذا الأخير الذي لم يستسغ الأمر أثناء فترة الراحة معتديا على أستاذته بساحة المؤسسة.

الاعتداء على ريحانة.. الوجه البشع لعنف مدرسي منتشر

عبّر الدكتور مقلاتي صحراوي من قسم الشريعة بجامعة باتنة عن ارتياحه بعد أن تماثلت الأستاذة للشفاء وحقنت -حسب قوله – الدماء بين عرشين (أولاد أحمد وأولاد سيدي سليمان)، مضيفا أن ما حدث يصنّف في خانة العنف المدرسي ،ثم أخذت في شكلها غير المادي معنى التنمر، لكن الثقافات تنفرد بتفسير الظاهرة، فهناك حسب محدثنا من يعتبر كل ذلك عنفا كالعنف اللفظي والجسدي والعنف الجنسي والعنف الرمزي وغيره من الأشكال بأسباب قد تعود للمستوى المادي أو اللون أو العرق أو المستوى الطبقى والمكانة الاجتماعية والعلمية وسواها، مضيفا أن هذه الظاهرة كانت تسمّى في حالاتها القصوى بالعنف المدرسي الذي يعني كل سلوك يؤدي إلى اضطراب المنظومة التربوية كليا أو جزئيا كما يحدث في أمريكا وأوروبا من رمي بالرصاص.

ووصف الدكتور مقلاتي صحراوي هذه الظاهرة بالغريبة على مجتمعنا “فنحن مازلنا نقدس مكانة المعلم في نظام قيمنا الإسلامي المنصوص والموروث. أما الدكتور سليمان بوراس من جامعة المسيلة فأكد بأن هذه الحادثة يجب أن تقرع طبول الحرب في عدة جبهات، في ظل تهاوي رمزية الأستاذ والمعلم بصفة عامة.

الطعنة التي اخترقت قدسية المدرسة والمعلم والضمير الجمعي

أوضح الأستاذ الدكتور يوسف بن يزة، في حديثه للشروق، بأن ما حدث أمر مؤسف جدا ويستدعي الوقوف طويلا عنده، ليس فقط بتحديد المسؤوليات ولكن في البحث عن المسبّبات، فأن يتجرأ تلميذ قاصر على طعن أستاذته التي هي بمثابة أمه، أكيد أنه كان تحت تأثير إكراهات قوية وهذا ما ستكشفه التحقيقات.. مضيفا بأن الطعنة التي اخترقت ظهر الأستاذة اخترقت أيضا قدسية المدرسة والمعلم والضمير الجمعي الذي تأخر كثيرا في إدراك الانهيار الأخلاقي الذي تعاني منه المدرسة والمجتمع ككل.

رمزية المعلم ورمزية التلميذ في خطر

من جانب آخر، يعتبر الدكتور إبراهيم بوزيد من قسم علم الاجتماع بجامعة أم البواقي بأن التربية والتعليم هي تغيير للسلوك بناء للفرد من الناحية النفسية الشخصية وكذا المعرفية ليكون فردا ناجحا من جميع النواحي، كما يكون فاعلا وفعالا ليمارس روح المدنية، ويتمثل كل ما له علاقة بالتحضر، كل هذا يتم في إطار رمزية متبادلة، رمزية التلميذ المتعلم طالب العلم والأخلاق ورمزية المعلم المربى الذي يحتضن التلميذ بعلمه وحرصه على جعله ناجحا.

ويرى الدكتور إبراهيم بن عرفة من قسم علم الاجتماع والأنثروبولوجيا بجامعة باتنة بأنّ ظاهرة الاعتداءات والجريمة في الوسط التربوي والتعليمي أصبحت مستفحلة بقوة، مرجعا ذلك إلى أسباب عديدة، منها سقوط القدوات في المحيط الاجتماعي، إذ ربطت شخصية الأستاذ والمعلم في المخيال الاجتماعي حاليا بالبخل والطمع والسوء والقهر وجملة من الصفات يندى لها الجبين في الحكايات والنكت ومواقع التواصل الاجتماعي، كما تغوّل الأنا لدى بعض العائلات في الدفاع عن أبنائها وتدليلهم لغاية حفظ كل النّصوص التشريعية والتنظيمية التي تحدد وظيفة المعلم وتخرجه في ثوب الجاني دوما، ولكن الحقيقة مخالفة تماما حسب محدثنا بحكم أننا نعيش في بيئة ذات ثقافات متنوعة في الأصل، بالإضافة إلى التنوع الذي فرضته التكنولوجيا والعولمة مع مناهج وأساليب تربوية تعليمية مازالت رهينة الماضي.

فاتورة الاهتمام بالإصلاحات الهيكلية على حساب القيمية

ويذهب الأستاذ الدكتور نور الصباح عكنوش من جامعة بسكرة إلى القول بأنّ ما حدث هزة قوية في وعينا وفهمنا للمجتمع في تحولاته وأحواله مع العولمة ومع الذات، مضيفا أن الإصلاحات على صعيد المنظومة التربوية كانت إصلاحات مادية هيكلية وليست إصلاحات قيمية معنوية تمس جوهر التنمية والنهضة (أي الإنسان)، معتبرا أن التربية والتعليم قضايا إستراتيجية لا يجب مقاربتها إداريا، بل حضاريا في إطار مشروع أمة يبنى عليه فرد صالح تكون علاقته بالعلم والمعلم والقيم والرموز.. علاقة سوية على المستوى البيداغوجي الأخلاقي والتنموي الشامل، وهو ما يتطلب، حسب قوله، يقظة إستراتيجية، لأن الخنجر الذي كاد يودي بحياة المعلمة هو إنذار مبكر للمجتمع والدولة.

من جانب آخر، يرى الدكتور محمد سماير بأنّ الظاهرة ليست جديدة وإنما تفاقمت، وأنتنت ففاح نتنها، مضيفا بالقول “كثيرا ما عانى الأستاذ من الاعتداء اللفظي والنفسي والمادي من طرف الولي والتلميذ، داخل الحرم المدرسي وخارجه تحرشا وقذفا بالحجارة والبيض، غير أنّ هذه المرة كانت أقذر”.

فيما يؤكد الدكتور عبد اللطيف بورمل بأنّ هذه الحادثة المؤسفة مؤشر على مشكل قائم؛ من بين مشكلات متراكمة، منها الاجتماعيّ والتربويّ والثقافيّ والاقتصاديّ والنفسيّ، مضيفا أن البلد يعيش احتقانا وخطرا بسبب عدّة مشكلات مثل الآفات والجرائم الاجتماعية، ومنها حيازة الأسلحة غير المرخصة والتزوير والاعتداء والغش والسرقة والسطو والقتل العمد واستهلاك الممنوعات بأنواعها؛ من المخدرات والمسكرات والمهلوسات.. وكذلك مستوى المعيشة؛ فالفقر، حسب محدثنا، أدخل الناس في دوامة مغرقة؛ فشعور أفراد المجتمع بعدم الأمن والاستقرار المعيشيّ؛ بسبب الغلاء، والأسعار المرتفعة للخدمات والمواد الاستهلاكية الضرورية اليومية للمواطن الجزائريّ؛ هذا الشعور بالتيه والضياع، والتفكير المجهد من أجل (الخبزة) و(شكارة لحليب)… جعله يهمل الدور التربويّ في الأسرة والمجتمع.

ويؤكد الدكتور رمزي بوبشيش، في حديثه للشروق، بأنه من خلال هذه الحادثة الخطيرة التي اهتز لها الرأي العام يتبين لنا أن مكانة المربي عند التلميذ لم تعد لها قيمة بتاتا، أين يتجرأ التلميذ على غرس خنجر في ظهر أستاذه بعد ما كان بالأمس المعلم والمربي بمرتبة الرسول.

أما الأستاذ غزران محمد العيد فيتساءل بالقول: “هل نحن أمام أزمة أخلاقية تعصف بالمجتمع طالت كل المجالات والتربية ما هي إلا حلقة ومجال فقط؟ أم أن القضية تربوية بحتة نتيجة أخطاء وتراكمات هي ثمرة ونتيجة لمنظومة تربوية فاشلة لحكومات متعاقبة؟”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!