الرأي

العالم‮ ‬ينتظر‮ ‬الانتخابات‮ ‬الإيرانية‮ ‬

صالح عوض
  • 3440
  • 14

لم يكن كثير من السياسيين العرب والدوليين خلال أكثر من ثلاثين سنة يظنون أن النظام السياسي الغريب في المنطقة – النظام الإيراني – سيستطيع مواجهة تحديات نظرية وواقعية، وظن الكثيرون أن تنازلات جوهرية سيبديها هذا النظام على صعيد النظرية والممارسة كما حدث لكثير من‮ ‬التجارب‮ ‬الثورية‮ ‬في‮ ‬العالم‮.. ‬وعلى‮ ‬أهون‮ ‬الاحتمالات‮ ‬كان‮ ‬يظن‮ ‬بإيران‮ ‬أن‮ ‬تفرض‮ ‬عليها‮ ‬عزلة‮ ‬قومية‮ ‬وطائفية‮ ‬تقتل‮ ‬تجربتها‮ ‬في‮ ‬الداخل‮.‬

كان الرفض لوجود إسرائيل هو موقف النظام السياسي الإيراني المعاصر وليد الثورة المليونية التي كانت فرصة تاريخية لإسقاط الهيمنة الأمريكية على الخليج.. وتجمع جهات التحليل والسياسة العالمية أن نظام شاه إيران مارس قهرا للمنطقة العربية للخليج والعراق، كما لفلسطين وللعرب‮ ‬جملة،‮ ‬حيث‮ ‬تحالفاته‮ ‬مع‮ ‬الأجهزة‮ ‬الإسرائيلية‮ ‬المتعددة‮.‬

الآن تنظر الجهات المسئولة في العالم للانتخابات الإيرانية ليس فقط على اعتبار أنها ستقدم مرشحا على حساب آخر أو أنها ستقدم تيارا على حساب آخر إنما على اعتبار أنها دم جديد يتدفق في النظام السياسي الغريب عن حس النظريات السياسية الغربية الاستبدادية.. ومن هنا يصار إلى التشويش على الانتخابات وعلى فكرتها وعلى حراكها، ولم يتردد الأمريكان والإسرائيليين في بث العملاء لصنع البلبلة والفوضى في البلاد لقتل عملية الانتخابات وجعلها دائرة نار يكون من الخطر الاقتراب منها.

إن إيران استطاعت أن تحقق في العشريات الثلاث السابقة مرتكزات لنهضة، وبناء دولة إقليمية فاعلة ذات نفوذ، أول هذه المرتكزات تطوير بنيتها العسكرية والأمنية واعتمادها على الذات في قطاعات كبيرة من التصنيع كان ملف النووي أحد تجلياته الإستراتيجية.. وثانيها قدرتها على بناء محور سياسي يشمل حركات وأحزاب ودول في المنطقة يمثل المنطلقات السياسية والإستراتيجية مجالا حيويا فعادت امتداداتها في سوريا ولبنان والعراق وفلسطين هي الجبهة الأكثر انتظاما في المنطقة والتي تحمل مشروعا ورؤية وتدخل معارك طاحنة مع الكيان الصهيوني ومن خلفه الإدارة الأمريكية والغرب، وهي في ذلك كله تعيد صياغة التحالفات الإستراتيجية الدولية في اتجاه الاتحاد الروسي والصين وكوريا الشمالية.. والمرتكز الثالث هو تمتين النظام السياسي الذي أصبحت نظريته واحدة من النظريات القادرة على اقتحام المجال النظري في العلوم السياسية‮ ‬المعاصرة‮ ‬باقتدار‮ ‬وأبدى‮ ‬النظام‮ ‬قدرته‮ ‬بمرونة‮ ‬عالية‮ ‬للمواءمة‮ ‬بين‮ ‬الثورة‮ ‬والدولة‮ ‬وفض‮ ‬الاشتباك‮ ‬بين‮ ‬ملفاتهما‮ ‬وظلت‮ ‬الدولة‮ ‬هي‮ ‬أداة‮ ‬الثورة،‮ ‬كما‮ ‬أن‮ ‬الثورة‮ ‬ظلت‮ ‬هي‮ ‬معين‮ ‬الدولة‮ ‬وحاميتها‮.‬

تأتي الانتخابات الإيرانية هذه المرة فيما أصبحت إيران دولة إقليمية ينتظر رأيها في شأن ترتيب الإقليم، بل على مستوى علاقات القوى الدولية الكبرى، ومن هنا يصبح مجرد حدوث الانتخابات الرئاسية بسلاسة إنما هو انجاز كبير في مواجهة حملات التخريب الأمريكي لها.. وغني عن القول إن المرشحين من عدة توجهات واجتهادات يجمعون على أن فلسطين هي الملف الأول والأساس للثورة الإسمية في إيران.. وسيكون هذا مع الزمن القريب الإسمنت المسلح لوحدة الأمة كما قال هواري بومدين رحمه الله.

 

مقالات ذات صلة