-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العالم يتحول لِصالحنا: هل نعرف لحظة الإنعتاق الثانية؟

العالم يتحول لِصالحنا: هل نعرف لحظة الإنعتاق الثانية؟

يبدو أن المتغيرات الدولية اليوم تتبدل لصالح  الشعوب الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا اللاتينية التي ما فتئت تدفع الثمن لوحدها جراء تَحَكُّم الغرب وحده في مجريات الأحداث وتَبَدُّلِها. أُتيحت هذه الفرصة مرة واحدة في منتصف القرن العشرين لَمَّا خَرَج الاتحاد السوفيتي مُنتصِرا على النازية وشَكَّل قوة موازية للغرب الاستعماري الذي كان يُهيمِن على كل العالم تقريبا. تَمكَّنت الشعوب الإفريقية والآسيوية وفي أمريكا اللاتينية من الانتفاضة على هذه الهيمنة التي دامت قرونا من الزمن منذ سقوط غرناطة 1492. حقَّقت هذه الشعوب، أول انتصار لها على الهيمنة الغربية في هذه الفترة من خلال ثورات التحرير والتضحية من أجل الاستقلال. وكانت الجزائر الرمز الحي لذلك. وبات الجنوب على وشك تحقيق نهضة جديدة يستعيد من خلالها أمجاده، لولا تَكيُّف الغرب الاستعماري السريع والعودة من النافذة بعد أن أُخرِج من الباب من خلال طابوره الخامس من العملاء والأذناب الذين تم تجنيدهم لخدمة مصالحه في غمرة فرحة الشعوب بدخولها عهدا جديدا…

وتَتكرر اليوم الفرصة من خلال عودة روسيا إلى لعب الدور الاستراتيجي الذي لعبه الاتحاد السوفيتي بعد الحرب العالمي الثانية. إنها تقف نِدًّا للغرب وتُذله. لم يعد يتجرأ على الإسراع بإرسال قواته بقيادة المارينز لمواجهة أي حاكم يتجرأ للخروج على هيمتنه، كما فعل مع العراق أو مع ليبيا أو مع دول أخرى أصغر كاليمن والصومال وكوسوفو… هذه المرة تقف في الطرف الآخر، في مواجهة الغرب، دولة نووية وليست تسعى لأن تكون نووية أو تُعِدُّ نفسها لتُصبح كذلك. دولة أمَّنَت ظهرها بأكبر اقتصاد عالمي، الاقتصاد الصيني، ولم تتركه عاريا من كل حماية كما فعلت محاولات أخرى صغرى وفشلت لحد الآن. دولة تَأْسَر الغرب الأوروبي من خلال تَحَكُّمها في مصدره الأساسي للطاقة، وتَأْسَر أمريكا من خلال تَحَكُّمها في سوق اليورانيوم الذي بدونه ستبيت أكبر دولة في العالم في ظلام أو على الأقل يَبيت نصفها كذلك.

وهذه هي لحظة الإنعتاق الثانية لبقية الشعوب المستضعَفة، التي أريد لها أن تَعرِف التغريب عُنوة، وأن تُغَيِّر قوانينها وأعرافها وتقاليدها عُنوة حتى تتأمرك باسم العولمة وحقوق الإنسان بالمنظور الغربي، التي أريد لثقافتها المحلية أن تزول، ولأخلاقها أن تُصبح من تقاليد الماضي البالية، ولقيمها أن توضَع في متحف التاريخ.. فلنعي لحظة الإنعتاق الثانية هذه من هيمنة الغرب العنصري المتغطرس، ونبدأ مرحلة تحرر جديدة كالتي عرفناها غداة الحرب العالمية الثانية، وهذه المرة من غير السَّماح للطابور الخامس بأن يَحكُم من جديد، ولا لأذناب الغرب بأن يُكرِّروا تجربة الاستعمار بالنيابة مرة أخرى.

لقد بات واضحا أن الأمريكيين أضعف مما نتصور والأوروبيين أضعف من الأمريكيين. لم يمر شهران على تجميد الأصول الروسية في الولايات المتحدة حتى أعلنت الخزانة الأمريكية السماح لموسكو باستخدام جزء من احتياطاتها لتسديد سندات أجنبية، وفي أقل من شهرين رضخ الأوروبيون للشراء بالروبل الروسي وتخلوا عن الدولار، وأعلنت الهند هي الأخرى إعادة القيمة لعملتها الروبية، ناهيك عن الصين التي تحولت إلى استباق هجومات غربية محتملة في جنوب المحيط الهادي بربط اتفاقيات أمنية واسعة مع جزر سليمان وإلى الشروع في إعادة إبرام اتفاقياتها مع العالم بعملة الرنمينبي.

كل هذا الزخم أعاد الأمل للفلسطينيين فتحركوا بالآلاف في الأقصى وها هم اليوم يتحولون تدريجيا إلى موقع أقوى، وأضعف جبهة العقوبات ضد الإيرانيين، وعزَّز من قوة الموقف الجزائري في التعامل مع  أوروبا… هل نُحسِن، مع هذا التحول الجديد في العالم، التعامل مع لحظة الإنعتاق الثانية؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!