-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العباية تصاميم شرقية تجمع بين الجرأة والاحتشام

نادية شريف
  • 4555
  • 1
العباية تصاميم شرقية تجمع بين الجرأة والاحتشام
ح.م

ألبسة تتدلى من الأسقف وداخل الواجهات الزجاجية، أو من على إحدى الدمى الأنثوية، تجمع بين الحس الديني والصفة الجمالية للمرأة. إنها العباية أو الملاية، التي قد لا يخطر للمرء أن تكون بشكلها البسيط حصيلة جهود كثيرة تداولت عليها أياد عديدة قبل أن تصل إلى السوق وتنافس الألبسة العصرية لتتحول بذلك من مجرد ثوب تقليدي، إلى لوحة فنية من حيث الفخامة والحرفية.

بحلتها الأنيقة وقد وضعت في تناسق في محلات بهية، قد لا يذهب ذهن المتفرج كثيرا في دلالات الجودة والأبهة التي تحملها خامات تلك العباءات.هذه الأخيرة لا يستطع أحد أن يحدد زمنا معينا لظهورها ولكن جذورها قديمة جدا، إذ ارتبط معنى  العباية في دمشق بالسلطة، ففي أواسط القرن الـ 19 اعتاد أحدهم وهو مأمور في الدرك العثماني على ارتداء عباءة سوداء أثناء تجواله في السوق، فأطلق عليه الناس لقب “عباية” للتنبيه عن جولاته المفاجئة، فكان ما إن يخرج إلى الشارع حتى يبدأ الناس بالصياح: “عباية عباية” حتى يصل الخبر إلى كافة تجار السوق ليحتاطوا من جولته. كما كانت المرأة ترتدي ثوباً شبيهاً بالعباية فوق ملابسها بألوان مختلفة.

وكانت العباية البيضاء معروفة لدى نساء المسلمين الأوائل، أما الألوان الغامقة منها فقد عرفت في المناطق الصحراوية، وإن تباين ألوانها جاء بسبب تباين تقاليد الشعوب، وثقافاتها وطبيعة الزمان والمكان الذي جمعها.

وهناك الكثير من أنواع العبايات، أهمها المصرية والخليجية والإيرانية، والعراقية وهي الأكثر انتشارا، فالعباية المصرية تعرف باسم الملاية، وهي في العموم قصيرة وطريقة ارتدائها تختلف، إذ يتم وضعها على الكتفين لقصرها، فيظهر ساقا المرأة منها. أما الخليجية فهي أنواع كثيرة أهمها المسماة بـ”الإسلامية” والتي تُلبس فوق الثياب، وهي قطعة واحدة. وأخيراً الإيرانية المعروفة بـ”الشادور”، حيث تكون عريضة وعلى شكل قطعة واحدة. أما العباية العراقية فتكون عريضة جداً ومن قطعتين وفيها كُم طويل، كما يجب أن يكون طولها معادلاً لطول المرأة من رأسها حتى قدميها.

وأهم هذه الأنواع انتشارا في الجزائر، السورية والفلسطينية وخاصة الإماراتية، التي تطلب بكثرة في السوق الجزائرية رغم سعرها المرتفع. ويعود الفضل في ذلك للقنوات التلفزيونية وخاصة الخليجية التي تظهر أنواعا وأشكالا من الموديلات مختلفة التصاميم. فضلا عن جلبها من طرف الجزائريين أنفسهم بعد زيارة لتلك الدول.

*بين الخياطة الرفيعة واللباس البسيط المحتشم

شكل عامل اللون أول ثورة حداثية في عالم العبايات. فبعد أن كانت في السابق تعتمد على الألوان الداكنة أي الأسود والبني والرمادي، اقتحم هذا المجال ألوانا أكثر جرأة على غرار الفوشيا والأصفر والأزرق والفيروزي والأحمر، وما لبثت أن أدخلت على القماش الزخرفات والتطريزات. وبعد ما كان مقتصرا على الكتان، بدأنا في استعمال الحرير والجينز والفرو والجلد.

 ناهيك عن طريقة تفصيلها، إذ كانت تعتمد على قصات بسيطة جدا عبارة عن ثوب يلف الجسم، أصبحت اليوم قصات متنوعة تحدد أنوثة المرأة مع المحافظة على الحشمة. لطالما ارتبطت العبايات بالمفهوم الديني، أي العباءات الشرعية، التي تمتاز بطولها الذي يصل إلى الأرض، وأكمامها التي تغطي الإبهام جدا، وتقتصر على الألوان الداكنة، وفي حالات نادرة تضاف إليها الزخرفات الخفيفة، على العكس من عباءات الأفراح والمناسبات السعيدة التي تتميز بألوانها الفرحة. كما يقسمها أهل الاختصاص إلى أنواع أهمها “الدراعة” وهي العباءة المقفلة و”البشت” (العباءة المفتوحة)، وهذه يتفرع منها الجلباب والثوب العربي.

العباءة لم تفقد وهجها مع تغير طبيعة الحياة وإيقاعها، بل يتجه الكثير من المصممين للإطلاع على هذه الأزياء الكثيرة التي تتنوع هويتها بين بداوة وحضارة وصحراء، مع جرأة في اللون والشكل والتطريز واستخدام الأحجار الكريمة الغالية، فباتت قواعد “الهوت كوتير” وأحدث التقنيات العالمية للخياطة وتطويع الأقمشة ومفاهيم الأناقة العصرية، أساسية في صناعة العبايات. فبعدما ارتبطت منذ بداياتها بالأسواق والأزقة الشعبية، وجاءت كلها ترتكز على مبدأ الرداء المحتشم، أصبحت اليوم تستقطب اهتمام عشرات المصممين الذين انصبت أعمالهم على كيفية المزاوجة بين التقليدي والعصري ومحاكاة عبايات الفخامة الشرقية التي تعبق من عمق التراث، خاصة من ناحية اختيار الأقمشة والتطريز والمحافظة على اللون الأسود، الذي يعتبر أساساً في هوية العباية الشرقية.

  ارتداء العباية في الجزائر بين الاحتشام والتقليد والبرستيج

اقتصر ارتداء العباية أو الملاية في الجزائر حتى وقت قريب على كبار السن والمحجبات، ثم أصبحت ترتديها النسوة في الأحياء الشعبية، حتى من كانت لا تطبق اللباس الشرعي فتكتفي بالملاية لوحدها أو رمي شال فوق شعرها، لكننا نجد اليوم أن كل العائلات تقبل على ارتداء هذه الأنواع من الألبسة كبرستيج خاصة في شهر رمضان أو في مواسم الأعراس والأفراح، خاصة أن هذه الصناعة قد تطورت وواكبت العصر، إذ نجد الكثير من الفنانات الجزائريات على غرار فلة عبابسة، أسماء جرمون، نعيمة عبابسة اللائي يفضلن الظهور بالعباية أو الملاية في بعض المناسبات الخاصة أو في شهر رمضان، كرمز للحشمة والوقار من جهة وكصرع من الموضة من جهة أخرى.  

ولقد انتشرت الكثير من المحلات المختصة في هذا النوع من السلع، التي خلقت لنفسها في ظرف وجيز مكانة بين الألبسة الفاخرة، وزبائن أوفياء في حركة دؤوبة للبحث عن آخر الابتكارات والتصاميم الشرقية، التي يؤكد أصحابها أنها مطلوبة بكثرة في السوق الحزائرية، خاصة في الآونة الأخيرة لارتفاع عدد النساء والفتيات اللائي يرتدين الحجاب، ومن ثمة باتت مثل هذه المحلات أكثر من ضرورية في عصرنا الحالي حتى تغطي طلب الزبائن على مثل هذه الألبسة، والمتجول في هذه المحلات يجدها تعج بمختلف الأزياء المحتشمة بتصاميم حديثة، تقوم بإنجازها شركات ومؤسسات أزياء شرقية، سورية وفلسطينية واماراتية، تقدم تصاميم مشبعة بالذوق والاحتراف التي تلقى ترحيبا كبيرا لدى النساء والفتيات الجزائريات، وبالتالي فإن الطلب عليها في تزايد مستمر. وتقول “سامية” واحدة من المحجبات اللواتي يفضلن اللباس المحتشم الفلسطيني المطرز كونها تراه الأنسب لها، لأنه يجمع بين الأناقة والاحتشام، كما تتوفر فيه ميزتان أساسيتان في اللباس الشرعي وهي أن يكون طويلا وفضفاضا زيادة على أنه يحتوى على أكمام طويلة وتطريز متناسق يزيد من جماله، في حين ترى “خديجة” أن العباية الخليجية هي الأمثل والأجمل كلباس في الشارع، كونها خفيفة وجد عملية، فضلا على أنها لا تظهر تفاصيل الجسم، لأنها تغلق من خلال زرِّين اثنين في الغالب، أحدهما عند العنق والثاني عند الركبة وهذا ما يسمح بارتداء أي نوع من الألبسة تحت هذه العباية والسير بكل حرية. كما أكدت إحدى السيدات أنها تقصد هذه المحلات للبحث عن لباس يكون محتشما وأنيقا في الوقت نفسه، كما يكون مسايرا للموضة، وذلك لحضور الحفلات والأعراس والمناسبات السعيدة. ورغم أن سعر “الملاية” الإماراتية قد يجاوز مبلغ  الثلاثين ألف دينار، ورغم أن المبلغ كبير، إلاّ أنّ الفتيات يقبلن عليها بكثرة، حتى أن الكثير منهن من تقصد هذه المحلات، وهي محملة بتصميم أو شكل جديد تطالب البائع بجلبه مهما كان سعرها، لكن ليس كل جديد مرغوب دائما، إذ هناك من يرفض التعليق على هذا الموضوع ويرى أن تلك “العبايات” مبالغ في زينتها، أي أنها تخرج عن الحجاب الشرعي، لتتحول إلى لباس مثير، فبدل السترة والاحتشام يفتح الباب على مصرعيه للابتذال والتكلف.

نقلا عن مجلة الشروق العربي  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • assma

    ya3tikoum saha