الرأي

العدل أساس الملك

سلطان بركاني
  • 2910
  • 22

من مفارقات هذا الزّمان، أنّ حكّام الأمّة الإسلاميّة أصبحوا يخوّفون شعوبهم بالفتن والقلاقل، كلّما عبّرت عن توْقها للعدل والحرية، وطالبت بحقوقها التي أقرّتها الشّرائع السّماوية والقوانين الأرضية، أو أرادت أن تكون لها كلمة مسموعة في القضايا المصيريّة التي يكون لها الأثر البالغ في حاضر الأمّة ومستقبلها، على النّقيض تماما ممّا كان عليه الأمر في زمان العزّة، يوم كان قادة الأمّة يتواصون بالعدل، ويَأمنون به على أنفسهم وينشرون الأمن بين رعيتهم ويكسبون ودّها وولاءها.

لقد سادت هذه الأمّة أمم الأرض حينما انتشر العدل بين المسلمين، وكان بإمكان الفقير أن يعترض على الأمير ويحاسبه، ويقف معه الندّ للندّ أمام القضاء، ويحكم بينهما القاضي كما يحكم بين سائر النّاس، فإذا كان الحقّ للفقير أخذه كاملا من دون أن يحتاج إلى محامٍ أو واسطة ومن دون أن يخشى تسلّط الأمير أو انتقامه. عرف الرّاعي أنّه خادم لرعيته مسؤول عن كلّ فرد من أفرادها، يخشى أن تنفَقَ سخلة لأحدهم فيسأله الله عنها، يشارك النّاس أفراحهم وأتراحهم، ويغشى مجالسهم ويسأل عن أحوالهم ويتلمّس حاجاتهم، لا يحتاج إلى حرّاس أو حجّاب ولا يغلق دون رعيته الأبواب.

لقد سجّل التّاريخ أنّ رسول كسرى حينما جاء إلى المدينة النبويّة في خلافة الفاروق عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وسأل عن خليفة المسلمين، دُلّ على رجل متوسّد ثوبا مرقّعا في ظلّ نخلة من نخل المدينة، من دون حرس ولا حجّاب، فلمّا رآه قال قولته المشهورة: “عدَلت فأمنت فنمت يا عمر“.

وقد روى التّاريخ أيضا أنّ أحد الولاة كتب إلى الخليفة الرّاشد عمر بن عبد العزيزعليه رحمة اللهيطلب إليه أن يُقطعه مالا ليرمّم مدينته ويبني حولها سورا يحصّنها. فكتب إليه عمر بن عبد العزيز يقول: “إذا أردت أن تحصّن مدينتك فحصّنها بالعدل، ورمّمها بتنقية طرقها من الظّلم“.

بل وأعظم من هذا وذاك، سجّل التاريخ بأحرف من ذهب أنّ سيّد البشريّة جميعا محمّداصلّى الله عليه وآله وسلّمقال: (إنّما أهلك الذين قبلكم أنّهم كانوا إذا سرق فيهم الشّريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضّعيف أقاموا عليه الحدّ)، ثمّ أعلنها مدوية لتسمعها البشرية جميعا فقال: (وأيْم الله، لو أنّ فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).. الصدّيقة فاطمة رضي الله عنها، التي عاشت كما تعيش نساء المسلمين، بل قد كانت من أفقر أهل زمانها، لا تكاد تجد قوت يومها، وهي ابنة من دانت له جزيرة العرب، نبيّ الهدى عليه الصّلاة والسّلام.

وفي زماننا هذا، وقع الفصام بين الحكّام والمحكومين، وصارت الرعية تتجرّع ظلم الرّعاة، والرّعاة يخشون نقمة الرعية، فيحتجبون عنها بحرس وحجّاب ومحميات وأبواب، لأنّهم علَوا في الأرض وتخلّوا عن العدل، ونشروا الإقطاعيّة والطبقيّة، وجعلوا الشّعوب شيعا وطوائف، يستضعفون طائفة ويكْرمون أخرى؛ طائفة لها الأموال والامتيازات، وأخرى لها الفقر والأزمات، طائفة لا تُسأل عمّا تفعل وأخرى لا يُسأل عنها.. لا يطمع الفقير في أن يأخذ حقّه من مسؤول صغير فضلا عن أن يحلم بمحاسبة مسؤول كبير.. إذا سرق الفقير عاقبوه وعنّفوه، وإذا سرق الغنيّ وصاحب المنصب والجاه والحظوة تركوه وربّما أكرموه؛ فازداد الأغنياء غنى، وازداد الفقراء فقرا، وأصبحت أموال الأمّة وثرواتها وخيراتها حكرا على فئة قليلة من أصحاب المناصب والمقرّبين.

 

أكثر من 80  % من احتياطي النّفط العالمي في أرض المسلمين، الأراضي الزّراعية القابلة للإصلاح في الوطن العربيّ تتجاوز مساحتها 1400 مليون هكتار. الأموال العربية المكدّسة في البنوك قاربت 3 تريليون دولار أي ما يفوق 29 مليون مليار سنتيم. كلّ هذا وفقراء العالم أكثرهم من المسلمين، كلّ هذا وشباب المسلمين يفكّرون في الانتحار وركوب البحار وتجشّم الأخطار بحثا عن لقمة العيش بعيدا عن الأوطان والديار!. 

مقالات ذات صلة