الرأي

العرب في محلِّ إعراب

عمار يزلي
  • 926
  • 5
ح.م

الهرولة الأخيرة نحو التطبيع، هي تجسيدٌ لآخر مسمار يُدقُّ في نعش الأنظمة الخائفة على عروشها وقروشها من شعوبها وعيوبها، والقادم سيكون أسوأ، عبر الخطأ الاستراتيجي المتمثل في التقارب والتحالف مع العدو ضد الأخ، كون ذلك يمثل آخر رصاصة رحمة تُطلق على نظام ما بعد سايكس وبيكو…

في الواقع، أنَّ العرب ممثلين في “جامعتهم” المفرِّقة بين جمع الجموع، قد تأسست لتجمع شتات العرب غير المجتمعين على إجماع.. كان ذلك بوحي بريطاني أجنبي بالأساس لحاجة في نفس “جاكوب”.

بنفس الذهنية والإستراتيجية الغربية للقضاء على “الإمبراطورية الإسلامية” العثمانية، التي كانت تقضي بتجميع العرب لمناهضة العجم ممثلين في الخلافة العثمانية التي كان الغرب يعمل على الانقضاض على إرثها، خاصة بعد حروب البلقان.. تركيا التي تعود اليوم لاسترجاع إرثها الضائع..

رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط في بداية القرن التاسع العشر، بتوريث فلسطين لليهود وتقليم أظافر الرجل المريض قبل توزيع إرثه بين القبائل الأوروبية ضمن اتفاقية سايكس بيكو 1916، قد بدأ بنذر بقروب تقلص الخارطة العربية والخليجية وعبر تداعي أنظمة الطوائف، لصالح توسُّع مشروعين إسلاميين في المنطقة: تركيا وإيران.

والآن، وقد أنجِزت المهمة وقضي على الخلافة الإسلامية العثمانية وعاد العرب كما كانوا قبائل في شكل دول.. متصارعة على زعامات مزعومة، تحت مظلة الغرب الأمريكي الأوروبي، وعودة الأمور إلى مجاريها التاريخية البعيدة.. تبدو تركيا اليوم أكثر ما تكون توَّاقة لاسترجاع تاريخها العربي الإسلامي السني.. بل وتاريخها الأوروبي. إيران على نفس الوتيرة تسير نحو إمبراطورية فارسية شيعية.. تنافس مع الجيران العرب على ممرات الماء وشرايين الاقتصاد التجاري البحري النفطي.. تماما كما كان الصراع قبل الإسلام بين فارس والعرب على الممرات التجارية البحرية: البحر الأحمر والخليج الفارسي.. الذي عربه العرب بالاسم دون أن يتمكنوا من تعريبه سيادة وملاحة واقتصادا.. والدليل أن إيران تهدد اليوم بغلق مضيق هرمز إذا ما مُنعت من تصدير نفطها عبره.. بذهنية “عليَّ وعلى أعدائي”، على اعتبار أن إيران لا تزال تعتبر في وجدانها الإيديولوجي والعقائدي أن الخليج هو خليجٌ فارسي وليس خليجا عربيا. ذلك أن العرب لم يكن لهم لا نفوذ ولا دولة بالمنطقة فيما خلا اليمن في الجنوب الشرقي من الخليج.

الغربُ الاستعماري القديم والحديث.. يلعب دور المفرِّق بين “المرء وزوجه”، لنفس حاجة جاكوب في القرن 19، غير أن هذه المرة، ليس بضرب الإسلام بالعروبة، كما كان الحال مع البعثية، ولا بضرب الأعاجم بالعرب كما كان الحال مع بريطانيا، خاصة في شبه الجزيرة العربية، أو البربر بالعرب في الشمال الإفريقي.. ولا حتى بضرب التخلف الطرقي بالإصلاح الوهابي، بل باستعمال كل هذه الشراك والحبال جميعا بنفس الصيغة والعقيدة، يعمل اليوم الغرب الأوروبي الأمريكي على صهْيَنة المنطقة وتفريق شمل العرب ونسف جامعتهم وأنديتهم من أساسها.. بدليل أن النادي الخليجي هو الآخر يتعرَّض للتآكل والنخر كما نُخرت من قبلها أندية اتحادية كالاتحاد المغاربي وسابقا مشروع الاتحاد بين مصر والسودان، وبين مصر وسوريا والعراق، ومشروع الوحدة بين الجزائر وليبيا.. ووو.. كلُّ هذا لصالح مشروع اتحاد بين دول حوض المتوسط.. وإسرائيل طبعا.. تكون فيه دولُ الشمال المهيمنة، فيما دول الجنوب دركي وشرطي لمحاربة الإرهاب والهجرة الإفريقية نحو القارة العجوز وأمريكا.. وسوق استهلاك.

لهذا، إصلاح الجامعة العربية، يتطلب إصلاحا داخليا في كل دولة على حدة. وهذا ليس بالأمر السَّهل في ظل الانقسام وحبِّ الزَّعامات وترأس الكتل وضعف الثقة بالنفس والولاء المطلق لوليِّ النعمة والحامي لغير الملّة ولغير الدين.. الحالب للذهب والنفط والدم.

مقالات ذات صلة