الشروق العربي

العرب في محل إعراب

عمار يزلي
  • 1830
  • 0

يعود زمن الإمارات وملوك الطوائف المتحالفة مؤقتا، المتناحرة أسريا وعشائريا كما كان الحال في نهاية العهد الأندلسي عندما تقوى القوط بفعل تنامي المد الصليبي! هذا العهد يبدو أنه عاد بقوة مع ضعف الدول العربية والإسلامية التي شاخ الحكم فيها بسبب طول بقاء أنظمتها الحاكمة وتهربها من الإصلاحات والاستحقاقات الدورية المطلوبة لمواكبة النمو والتطور لمسايرة التغيرات الهيكلية والسياسية والاقتصادي في العالم بأسره.

شاخت الأسر الحاكمة وتهلهلت الإمارات سياسيا مع الانفجار الربيعي الذي هز أركان هذه الأسر، فسارعت إلى إخمادها في مهدها قبل أن تنتقل من الدفاع إلى الهجوم على هذه الحركات في بلدانها بدعم الأنظمة القديمة لكي تسترجع أمجادها! حدث هذا مع مصر ومع تونس وليبيا واليمن وسيحدث في كثير من الدول الأخرى: العراق وسوريا بالأساس! وسنسمع عن تمويل خليجي لعودة نظام الأسد بعد أن تطيح به المعارضة في شكل نقل سلطة سلسلة مرنة من نظام بشار إلى نظام يبشر بكل شيء إلا الديمقراطية! وسنجد أنفسنا أمام أنظمة ريعية تعمل على استعادة السلطة كما فعلت وتفعل مع المؤسسات الأممية والدولية لعودة “الثورة المضادة”! نرى ذلك جليا في دعم مصر ودول الخليج لتونس، لكي تقطع مع النظام الإسلامي ممثلا في النهضة وتحويل النظام إلى نظام لائكي علماني.

هذه الدويلات والإمارات النفطية التي  خرجت من تحت الأرض بفعل اكتشاف النفط، سرعان ما تجد نفسها تعود إلى الخلف ألف مرة، بل وإلى ما قبل الجاهلية عندما يزول النفط..! والأزمة النفطية الحالية، والتي قد تعمر سنين عددا.. على الأقل، ستجعل هذه الإمارات والأسر الحاكمة وهذه القبائل التي تسكن ناطحات السحاب في البيداء، تدخل رؤوسها في الرمل كأية نعامة، عندما تستشعر أنه لم يعد في مقدورها تمويل الأنظمة الفاسدة في العالم العربي من أجل استعادة السلطة والحكم المفقود بفعل ثورة الشعب والإسلاميين على رأس الأشهاد! ستجد أمريكا تدير ظهرا لهم والغرب بكامله بعد أن يجف ضرع البقرة الحلوب! عندها ستكون تهديداتهم وتحديهم لإيران الشيعية الفارسية الصفوية، خرافة وضحكة! لأن الأمة العربية والإسلامية يكون عليها أن تتحد حول القوة لا حول الضعف! غير أن إيران دولة قوية وخرجت أقوى بعد الحصار، بل أقوى دولة إسلامية في المنطقة على الإطلاق، ولا ينبغي أن تترك لتنهش دوليا أمريكيا وإسرائليا ، فيما نحن لا نكتفي بالتفرج، بل نتآمر ضدها ونطالب العالم بالتصدي لها بكل الوسائل التي، حتى الغرب لا يريدها، وكأننا صرنا ملكيين أكثر من الملك، ونكره إيران أكثر مما تكرهها إسرائيل!

هذا ما لا يمكن فهمه إلا بالجبن والضعف والخذلان الذي يدفع الرجل أن يضرب أخته لأنها لم تسكت عن العار الذي ألحقه بها الجار القوي الظالم، وعوض أن يقتص الأخ من الجار، يقتص من أخته، ويطالبها بالسكوت مخافة انتشار الفضيحة! هذا هو حال عالمنا الإسلامي.. بلا إسلام والعربي.. بلا عروبة!

نمت على هذا الحال.. الذي دوامه من المحال، لأجد نفسي…أعيش زمن ملوك الطوائف وقد ولى هذا الزمن وذهب المال والجاه بعدما شفط النفط وبقي فقط الرمل واليباب وشعراء يكتبون “المعلكات” بمقدمات طلالية رديئة وتافهة المبنى والمعنى، برطانة لغوية الإنجليزية والهندية والأوردو والفلبينية فيها تمثل 90 في المائة فيما بقية الكلمات هي بعربية مكسرة!

دول الخليج، لم تعد دولا، بعد أن ذهب المال الذي كان “دولة بين الأغنياء منهم”!، وعادت قبائل رعوية ترعى ما تبقى من الإبل في شكل دراجات نارية وسيارات مستعملة، أكل عليها الدهر ولم يشرب! ذهبت الإبل والمواشي وعاد السادة والأمراء والأسر الحاكمة إلى خيمة الوبر، بعد أن ذهب الوبر والبعر، والبعير وحلت محله خيم من مواد بلاستيكية ممزقة ومرفية من كل الجهات! صارت كل قبيلة كبيرة (إمارة أو دولة سابقا) تضم مجموعة من القبائل والعشائر والأسر التي “حتى واحد ما يعاشرها!”..متخاصمين متقاتلين متنافرين  يغزو بعضهم بعضا لأسر النساء وأخذ ما وجد من حديد راشي عند الغاشي بالسلاح الأوتوماتكي والأباتشي، والذي تففن الناس في تهريبه وشرائه وصناعته لمحاربة الجالس والماشي، عوض مقارعة العدو الرئيسي الذي هو الجهل والنظام الصهيوني الفاشي!

في المقابل، تقوت إسرائيل وصارت تغير على هذه القبائل وتأسر منهم العشرات، بعد أن امتد نفوذها من دجلة إلى الفرات..خاصة وأن مصر منحت أرضها للشركات اليهودية الإسرائيلية التي ذهبت حسرات! أما باقي أراضي شبه الجزيرة فقد التهمت بين الغرب وإسرائيل! إيران وحدها صارت قادرة على تحدي هذا المد وهذا العدوان الصليبي الغربي الصهيوني! لكن إيران بحاجة إلى حلفاء في المنطقة، لكن “الحلاليف” بالمنطق، كثير منهم رفض هذا التحالف عير المنطقي، واعتبروه تحلفا وحلفوا أن يتعاونوا مع أمريكا وإسرائيل ومصر ضد إيران بمنطق أن إيران يجب ألا تفيق ولا تنطق! حتى الجزائر التي وقفت ضد هذا “التحلف”، صار يحفر لها تحتها أقدامها على الحدود وداخل السدود حتى تسقط!

مع ذلك، تمكنت الجزائر من الخروج من الأزمة التي مستها نتيجة انهيار سوق النفط، فاتجهت نحو الاتكال على النفس والاكتفاء الذاتي! نجحت بعد سنوات من الجفاف والكفاف والانغلاق على الذات والتشناف،  والتصنيع والزراعة المحلية وتربية المواشي وتطوير الأعلاف، وتطوير العلم والإبداع والابتكار الجامعي والتعليمي والطبي والفيزيقي والعمل بعرض الأكتاف! الأزمة ولدت الهمة، لأن الطاقة البشرية موجودة وعناصر التطور والنمو متواجدة، كان علنيا فقط أن نقضي على الفساد ولا نفسد القضاء وأن نعطي للعمل قيمته أهدرها مال النفط! انتهى العمل بسياسة الريع بعد أن ذهب النفط أدراج الريح، وعاد عمل الأرض والفلاحة والرعي المتطور والزراعة الممكننة والإنتاج الصناعي والغذائي وحده مصدرا للرزق والرفاهية والتراكم المالي والسلعي.


نظام الحكم، انتقل إلى جمهورية ثانية بعد نحو 15 سنة وثانية، ليصير المجتمع الجزائري مجتمعا سياسيا مدنيا ديمقراطيا تعدديا شابا بعد أن ذهب نزار ومن معه ليزوروا سابقيهم ممن التحقوا بالرفيق الأعلى انطلاقا من غياهب السجون والقتل خارج القانون والاختطاف والاعتقال في ظلمة الليل! انتهت المحنة بعد أن أسدل الستار على حياة رئيس كرس جهده لنقل البلد من الفساد والظلم والقوة إلى بلد يحكمه المال وأرباب العمل ..إلى نظام من لا يعمل فيها لا يعيش، ومن لا يتعلم لا يعمل..! من بلد مبني على ريع النفط وقوة القوة واللوبيات المصلحية التي اتخذت من البلد ملكا خاصا بها، إلى بلد لك الحق أن تقول كل شيء ولكن ليس لك الحق في أن تأكل بدون عمل، ولا أن تعمل بدون علم!

 

عندما أفقت، وجدت نفسي أقرا “قسما”: فاشهدوا فاشهدوا..

مقالات ذات صلة