الشروق العربي
الشيء إن زاد عن حده انقلب إلى ضده

العقاب والدلال يفسدان أطفالنا!

الشروق أونلاين
  • 7069
  • 5

الأطفال أمانة في أعناقنا، لذلك يتحرى الأهل الأسلوب الأمثل لتربيتهم وتهيئتهم وبعثهم للمجتمع بواقعه الحلو والمر، وخوفا عليهم من عدم اندماجهم فيه قد ينحرفون عن أسس التربية السليمة باعتماد إما الضرب الذي في اعتقادهم أنه الوسيلة السريعة لتقويم سلوكهم، فيبتعدون بذلك عن الصبر والحوار والتفتيش عن ماهية الخطأ المرتكب وسببه، أو ترك الطفل في هواه مع تلبية رغباته في إطار تدليله، وبين هذا وذاك يبقى هذا الأخير في تصارع بيت الليونة تارة والقسوة والحزم تارة أخرى.

العصا لمن عصى !

تعتبر تربية الطفل مسؤولية كبيرة تقع على عاتق الوالدين عبر مراحل حياته العمرية، لما فيها من صعوبة في كيفية التعامل معه وتوجيهه إلى بر الأمان، خاصة إن صاحبه سلوك غير مرغوب فيه، فنجد الأهل حائرين في فرض العقاب المناسب، ومنهم من يترجمه إلى الضرب والتوبيخ باعتباره أجدى طريقة للتأديب، وفي خضم هذا نجد أناسا يؤمنون بأن الضرب هو وسيلة للتربية، وهو ما يلخصه لنا كمال 36 سنة، وهو أب لطفلين الذي التقينا به أمام محطة الترامواي بحسين داي الذي ذهب ليؤكد ما سبق ذكره فيما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم “مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعا واضربوهم إذا بلغو عشرا”، فهو يفضل الأسلوب الصارم في التعامل مع هذا الجيل الصاعد، حيث يرى أن على الوالدين أن يكونا صارمين وحازمين تجاه أطفالهما لكي يقوّما سلوكاتهم.. إلى ذلك ذهبت سميرة 40 سنة إلى حد الشكوى من أبنائها الثلاثة الذين لا ينفكون يبدلون من تصرفاتهم حتى يتعرضوا إلى الضرب الشديد من طرف الأب والأم معا، ليحدّوهم عن القيام بكوارث غير محمودة العواقب.

لكن هذا الأسلوب قد يؤدي بالوالدين إلى نشوز في تأدية دورهما المنوط لهما، وهو التربية فيدخلان في حيز الحكم والجلاد معا، ويصدران الأحكام والعقوبات دون تردد أو تأن.

تقول خالتي نادية 60 سنة أنها لم تكن تضرب أبناءها بل كان النظر في أعينهم بحزم يكفي للعودة عما هم عليه، والآن الأولياء يعتمدون على الضرب حتى لا نقول العنف، فكثيرا ما نسمع عن آباء ضربوا أبناءهم بل وصلوا إلى درجة إراقة دمائهم ولأتفه الأسباب ولا يمنحوهم ولو فرصة لتبرير أفعالهم أو محاولة تصحيح أخطائهم،وهنا يكون غياب تام للحوار بينهم .

الحوار والصبر أسلوب التنشئة السليمة

و بعيدا عن القسوة والحزم بسلوك درب الجلادين، نجد عكسهم تماما ينتهجون أسلوب اللين والمرونة المفرطة بالحوار والصبر عن أخطاء أبنائهم إلى أبعد الحدود ظنا منهم أن الطفل يحتاج إلى رعاية وحنان ليكون عنصرا صالحا في المجتمع، وفي هذا نجد أمينة 28 سنة، التي التقينا بها ونحن في طريقنا إلى “رويسو” فتقول أنه يجب عدم ضرب الأطفال أقل من ست سنوات، لأن درجة استيعابهم وأجسامهم ضعيفة لا حول لهم ولا قوة، وعوضا عن العقاب الجسماني نعاقبهم بطرق أخرى مثل حرمانهم من مشاهدة التلفاز يوم أو يومين، أو عدم الحديث معهم حتى يعترفوا بأخطائهم ويطلبوا مسامحتهم.

و بهذا نجعل الضرب آخر الحلول لما فيه من أضرار نفسية تعود بالسلب على نفسية الطفل تظهر عليهم مع مرور الوقت.. إلى ذلك ذهبت سليمة 32 سنة، إلى القول أنها لاحظت على أبنائها تغييرات واضحةجراء ضربها لهم وأول شيء تذكره هو الخوف والعزلة والانطواء على أنفسهم بالإضافة إلى التبول ليلا، واستنتجت في الأخير أن الضرب قد يؤدي إلى التمادي في الخطأ وعدم الانصياع لأوامر الوالدين ولهذا غيرت من أسلوبها إلى الحوار.

في حين يرى عمي الطاهر 75 سنة أن عدم معاقبة الطفل على أخطائه والإفراط في الدلال وعدم رفض طلباته غالبا ما يؤدي إلى تدهور كبير في سلوكياته خاصة أن الطفل من جهته يستعمل البكاء وحتى الصراخ لنيل مراده.

الروضة والمدرسة مرحلتان ضروريتان لتربية الأطفال

شتان بين الأم ومن هم غرباء بالنسبة للطفل سواء المربية في الروضة أو المعلمة في المدرسة، لأنه لا يمكن أن نقول أن للمعلمة او المربية نفس الدور الذي تقوم به الأم، فهنا يأتي دور الرابط البيولوجي والعاطفي بين الأم وطفلها، لكن يمكن القول أن دورهما هو دور تكميلي للتربية الأسرية التي يتلقاها الطفل في المنزل من طرف الوالدين، ويمكن أن يكون لدور المربية أو المعلمة دور إيجابي في حالة ما إذا كانت سلوكيات الطفل سيئة، فإن المعلمة أو المربية تقومان بتقويم سلوكياته، فيعتاد على السلوك الصحيح ويدع السلوك السيئ مع الوقت، وهذا ما أكدته لنا سامية 36 سنة، في قولها أنه لا بديل عن الأم في كل مراحل نمو الطفل العمرية، فلا شيء يضاهي حنانها وحرصها على فلذات كبدها، لكن اليوم مع الحياة وتطورها وفرض الواقع نفسه، أصبح للطفل مكان محجوز في الروضة والمدرسة وأضحت المربية والمعلمة تتقاسم أدوار التربية مع الأم، وتتابع أنها واحدة من بين الأمهات اللواتي يحرصن على إدخال أبنائهن الى الروضة قبل المدرسة رغم أنها ماكثة في البيت .

لكن قد يسلك دور الحضانة والمدرسة منعرجا آخر ويخرج عن مساره بفرض أسلوب الضرب والعقاب على الأطفال، لذلك ارتأينا التقصي على هذا، وذلك بالتقرب من وهيبة، وهي مربية بدار للحضانة بالكاليتوس حيث تقول أن الطفل هو كائن مرهف الإحساس وذكي لذلك نحتار أسلوبا مناسبا للتعامل معه، ليساعده على الاندماج وإخراج طاقاته ومكبوتاته في إطار الجماعة، والعقاب يكون حسب الحاجة لتهذيب سلوكه وبعلم من الأولياء ولا يتعدى ترهيبه بحرمانه من اللمجة أو حرمانه من المشاركة في النشاطات الترفيهية، أو الضرب في اليدين او الرجلين، وأضافت وهيبة أنها لا تجزم بعدم تعرض الطفل إلى العقاب والضرب المبرح من طرف المربية في دور الحضانة، فحسب ما روت لها إحدى الأمهات التي جاءت مهرولة لإعادة تسجيل ابنها في الروضة التي تشتغل فيها بعدما اشتكت من تدهور في سلوكات ابنها الذي أصبح يخاف كثيرا ولا ينام الليل بسبب الضرب المبرح الذي كان يتعرض له.

و من جهة أخرى تقول إن الضرب في المراحل التقدمية بعد الحضانة ضروري، وهي ضد قانون الذي يمنع ذلك في المتوسط،ل أنه الآن أصبح الطفل يتجرأ على الأستاذ دون حياء أو خجل.

بوعلام قاصب أخصائي نفساني: “ الضرب أحد الاساليب غير السوية في تربية الطفل”

و لأن الأسرة هي المؤسسة التربوية الأولى التي يترعرع فيها الطفل وتتشكل فيها شخصيته يجب اتباع أساليب تربوية صحية لتنميتها، ولكن قد يتبع في ذلك بعض الطرق الخاطئة والتي قد تسبب له آثارا نفسية جانبية، وللتعمق أكثر في هذا قررنا التقرب من بوعلام قاصب وهو أخصائي نفساني حيث يقول “لأب أو الأم يتحكمان في نشاط الطفل ومنعه من القيام بسلوك معين لتحقيق رغباته التي يريدها حتى ولو كانت مشروعة، أو الزام الطفل بالقيام بمهام وواجبات تفوق قدراته وإمكاناته حيث لا يسمح له بالقيام بسلوك غير مرغوب فيه ويكلفه ذلك استخدام العنف أو الضرب أو الحرمان أحيانا وتكون قائمة الممنوعات أكثر من قائمة المسموحات، ونتيجة لذلك ينشأ الطفل بشخصية قلقة خائفة دائما من السلطة تتسم بالخجل والحساسية الزائدة وتفقده ثقته بنفسه، وقد ينتج عن ذلك أيضا طفل عدواني يخرب ويكسر أشياء الآخرين .

 ومن جهة أخرى قد يترك الوالدان الطفل دون تشجيع على سلوك مرغوب فيه أو الاستجابة له وتركه دون محاسبته على قيامه بسلوك غير مرغوب بسبب الانشغال الدائم عن الأبناء وإهمالهم المستمر لهم، والأبناء يفسرون ذلك على أنه نوع من النبذ والكراهية والإهمال، فتنعكس بآثارها سلبا على نموهم النفسي ويصاحب ذلك أحيانا السخرية والتحقير للطفل ويؤدي ذلك إلى اضطرابات سلوكية لديه كالعدوان أو العناد وعدم الاكتراث بالأوامر والنواهي التي يصدرها الوالدان.

 والكارثة الكبرى هي تدليل الطفل وتشجيعه على تحقيق معظم رغباته وعدم كفه عن ممارسة بعض السلوكيات الغير مقبولة سواء دينيا أو خلقيا أو اجتماعيا والتساهل معه، لذلك فخير الأمور أوسطها فلا إفراط ولا تفريط

مقالات ذات صلة