-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مدريد تستنجد بالغاز الروسي رغم عقوبات بروكسل

العقوبات الجزائرية على إسبانيا تهدد انسجام الاتحاد الأوروبي

محمد مسلم
  • 30423
  • 0
العقوبات الجزائرية على إسبانيا تهدد انسجام الاتحاد الأوروبي
أرشيف

لا تزال العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الجزائر على إسبانيا في أعقاب الانقلاب الذي طرأ على موقف مدريد من القضية الصحراوية، تلقي بتداعياتها على الداخل الإسباني وفي علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي، بشكل بات يهدد انسجام الاتحاد، وكذا التزام الدول الأعضاء فيه بالتحرك ككتلة واحدة، وفق مواثيق تأسيسه.

أحدث ما باحت به العقوبات الجزائرية على إسبانيا، تراجع صادرات الغاز الجزائري إلى هذا البلد خلال شهر جوان المنقضي، ليحتل المرتبة الثالثة، وراء الغاز الأمريكي والروسي. وهو المعطى الذي يتزامن وتهديدات جزائرية برفع أسعار الغاز المصدر نحو إسبانيا، وكذا احتمال الذهاب إلى فسخ العقود المبرمة بين سوناطراك وشريكها الإسباني، إيناغاز، في حال أقدمت مدريد على تصدير الغاز الجزائري نحو المغرب.

فماذا يعني هذا من حيث البعدين السياسي والاقتصادي؟

تراجع صادرات الغاز الجزائري نحو إسبانيا جاء بإرادة جزائرية ويندرج في سياق العقوبات التي فرضت على مدريد، أما الكميات التي نقصت، فهي تلك التي تزيد عن الكميات المؤشر عليها في العقود المبرمة بين الطرفين، لأن السلطات الجزائرية وعلى لسان أسمى مسؤول فيها، ممثلا في الرئيس عبد المجيد تبون، كانت قد أكدت التزامها الحرفي باتفاقيات التوريد.

الخاسر الأكبر في تراجع صادرات الغاز الجزائري نحو إسبانيا هو الطرف الإسباني، لأن هذا الأخير أصبح مضطرا للبحث عن تعويض الغاز الجزائري من وجهات أخرى، لا يمكن أن تكون أفضل من الغاز الجزائري. فالغاز القادم من أمريكا أو روسيا أو نيجيريا أو قطر، يشترى بأضعاف مضاعفة مقارنة بأسعار الغاز الجزائري، لكون هذا الأخير ينقل في الأنابيب في حالته الأصلية (غاز) على مسافة لا تتعدى بضع مئات من الكيلومترات فقط، وهذا يوفر تكاليف النقل وتكاليف تحويله إلى سائل ثم بعد ذلك تكاليف تحويله إلى غاز مرة أخرى، قبل أن يتم استهلاكه، وهو ما يجعل الغاز الجزائري ينفرد بميزة يفتقد إليها الغاز الذي تستورده مدريد من أي دولة مهما كانت.

لكن ما مصير كميات الغاز التي سحبتها الجزائر من شحناتها نحو إسبانيا؟

كما لا يخفى على أحد، فالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، قلبت الكثير من المعطيات، وبات الطلب على الغاز الجزائري أوروبيا ملحا بشكل غير مسبوق للاعتبارات السالف ذكرها، وقد واجهت الجزائر في هذا الصدد طلبات من هذا القبيل لتعويض الغاز الروسي، غير أنها ردت بأن ما تنتجه لا يمكنه تعويض الغاز الروسي، وبالمقابل أبرمت اتفاقا مع إيطاليا، يقضي بزيادة الصادرات من الغاز بـ9 ملايير متر مكعب، ليصل الإجمالي، إلى 33 مليار متر مكعب.

وعليه، فالكميات التي سحبتها الجزائر من إسبانيا خارج الاتفاقيات المبرمة، توجه إلى إيطاليا وما زاد عن ذلك يوجه إلى فرنسا التي رفعت حصتها أيضا من الغاز الجزائري مؤخرا، أما ما زاد عن ذلك، فالطلبات تتهافت والجزائر أمامها خيارات عدة. إذن من الناحية الاقتصادية فإسبانيا هي الخاسر الأكبر، وهو معطى كشف بأن دبلوماسية الغاز التي انتهجتها الجزائر، كانت جد مؤلمة بالنسبة لحكومة بيدرو سانشيز.

من الناحية الجيوسياسية، يمكن القول إن الأزمة بين الجزائر ومدريد والتي تزامنت والأزمة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بسبب الحرب في أوكرانيا، كانت وبالا على هذا الأخير، الذي بات مهددا بالتفكك بسبب جري بعض الدول الأعضاء وراء مصالحهم على حساب القرارات الصادرة عن بروكسل.

وفي ظل الأزمة المحتدمة بين موسكو وبروكسل، تتمرد إسبانيا على القرار الأوروبي القاضي بتخفيض الاعتماد على الغاز الروسي، وذلك بالرفع من كميات الغاز الروسي المستورد، لتحتل المرتبة الثانية بعد أمريكا، وهذا مؤشر على بداية الانشقاق في الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي حاولت وزيرة التحول البيئي، تيريزا ريبيرا، تبريره بالقول إن ذلك راجع إلى “اتفاقيات التجارة السابقة وأوقات التسليم المتفق عليها مسبقًا”.

تبرير لم يقتنع به الكثيرون، لأن مدريد كانت قد أبدت تذمرها من محاولة عمالقة أوروبا، مثل إيطاليا وألمانيا وفرنسا، استغلال العقوبات الجزائرية على إسبانيا، للاستئثار بما كانت تتمتع به هذه الأخيرة من امتيازات في الجزائر، وهو الأمر الذي اعتبر من قبل الإعلام الإسباني خيانة للتضامن والوحدة الأوروبية المهددة بالضياع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!