الرأي

الفاهم يتكلـّم!

جمال لعلامي
  • 4716
  • 7

قال لي أحد المخضرمين، تعليقا على تطورات الساحة السياسية: إن الصامتين والساكتين والمضربين عن الكلام والتصريح والثرثرة و”الهدرة” و”الهردة”، هم نوعان، أو إنهم: إما فاهمون جيّدا.. ولذلك فإنهم يضعون “السكوتش” على أفواههم! وإمّا، إنهم “ما فاهمين فيها والو”، ولذلك فإنهم يربطون ألسنتهم من باب أن الكلام من فضة والسكوت من ذهب!

نعم، إن كلّ القرائن والمعطيات والمؤشرات والتصريحات والتخندقات والولاءات، تؤكد إلى ما لا نهاية، أن هناك نوعين من السياسيين: نوع فاهم كلّ شيء جيّدا، وبالطول والعرض، ووجها وظهرا. ونوع “ما فاهم فيها والو”، أو يبحث عن الفهم بين السرايا والكواليس، لكنه لم يعثر على “حبّة الفهامة” فظل بلا فهم ينتظر هل من فاهم يُفهمه!

صدق من قال: لن يتعلم من لا رغبة له في التعلم، وقد تتحوّل هذه الحكمة الشائعة والمشاعة والمشعـّة، إلى: لن يفهم من لا رغبة له في الفهم (..)، ولذلك غاب الفهم عند هؤلاء وأولئك، في كثير من الأحيان، وغيّب التفهم في أكثر من موقف، وهذا أخطر ما في الموضوع!

من الطبيعي أن لا تصل حبّة الفهامة إلى المواطن البسيط، طالما أن أطياف الطبقة السياسية، أنهكهم عدم الفهم، ومنهم من استقال نهائيا من محاولة الفهم، طالما أن كلّ طرف يتصل بالطرف الآخر، وكلّ فرد يتصل بالفرد الآخر، وكلّ جماعة تتصل بالجماعة الأخرى، بحثا عن فهم يُفهمهم أو يُوصلهم إلى بذرة الفهامة حتى وإن ضاعت الشهامة أو باستعمال الحجامة!

من يُفهم من؟ ومن لم يفهم من؟ ولماذا غاب أو غيّب الفهم؟ ومن يبيع حبّة الفهامة لمن؟ ومن يشتريها ممن؟ وهل هناك فهم يستحقّ الفهم؟ ولماذا لا يُريد هؤلاء فهم أولئك؟

يرى بعض الفاهمين وغير الفاهمين والذين لا يريدون أن يفهموا، بأن الحكاية لا تعدو أن تكون مجرّد “سوء فهم” فقط، ولذلك غابت الفهامة واختلط الفهم بين الفاهم والحالم، وبين العالم والجاهل!

أحيانا لا داعي للفهم، أو لا داعي للتظاهر بالفهم أو حتى عدم الفهم. ولهذا، ابتعد الجميع عن خطوط الفهم، لكن هناك فئات ادعت زورا وبهتانا أنها “فاهمة”، فروّجت مع هذا وسوّقت ضد ذاك، ليتضح في آخر المطاف أنها كانت بعيدة أو على الأقل غير قريبة من دوائر الفهم والفهامة!

لم يعد الفهم وعدم الفهم، حكرا أو شكرا أو فكرا، ولذلك اتفقت كلّ الفرق للنجاة من “الغرق” على عدم الفهم أو التفاهم، وبين الخطين المتوازيين، تفهـّم وتعلـّم وتألـّم.. وصدق من قال: فاهم والله لا قرا!

مقالات ذات صلة