الشروق العربي
أصلها هندي ويلبسها اليهود

 الفوطة… تبناها البربر وعشقتها العروس

فاروق كداش
  • 6656
  • 8
ح.م

 الفوطة، أو الفوظة، أو الفوتة.. أيّا كان اسمها، هي قصة قماش، جاء من الهند، وترعرع في السند، وتبناه البربر، ليصبح جزءا من تراثه.. لبسته العزباء، فكان لها وجاء، ولبسته المرتبطة، كي توثق وثاق الزواج المقدس… الشروق العربي، تلبس فوطة الفضول، لتكتشف أسرار قطعة عبرت القارات.

الفوطة.. من لا يعرف تلك القطعة من القماش، مربعة الشكل، الطويلة، التي تحمل في ألوانها وزڤزاڤها الثقافة الأمازيغية العريقة، تُلف حول خصر المرأة، لتعطيها الأمان، وتعقد ويتم تثبيتها بواسطة حزام من الصوف بألوان كل الفصول، فللألوان رمزية كبيرة عند البربر والأمازيغ.. فالأصفر يرمز إلى الشمس، والأخضر، هو لون النبات، والأزرق السماوي، يرمز إلى الحرية، والبرتقالي، نار مضرمة.. أما الأحمر، فلون الدم، الذي يجري في العروق.

وتحتل الفوطة في اللباس التقليدي القبائلي مكانة مهمة جدا، فهي بالإضافة إلى كونها إكسسوارا ضروريا لاكتمال طلة أي امرأة قبائلية، فهي تلعب دورا اجتماعيا مهما جدا، يجعل أيا كان يفرق بين المرأة المتزوجة، والعزباء، التي تنتظر عريسها.. فالمرأة المتزوجة، تشد الفوطة على خصرها. أما العزباء، فتشدها في الجانب الأيمن أو الأيسر، فلا لغط ولا جدل.

فوطة ومصطلحات

الفوطة ثلاث في الثقافة الأمازيغية، “تيمحرمت لفوطة”، وهي الأطول، وتكون مصنوعة من خيوط حرير رفيعة جدا، و”تيمحرمت ثاكلاتين”، مصنوعة من الصوف الأسود بقاعدة قطنية، التي كانت رائجة قبل الخمسينيات، واندثرت مع السنين. وأخيرا، “تيمحرمت لحرير”، المصنوعة من الحريرالطبيعي، التي عادة ما يدثر فيها الطفل في الختان، وإن تضرجت بقطرات من الدم، فتحرص الأم على الاحتفاظ بها كذكرى يوم أصبح ولدها رجلا.

والفوطة ليست مجرد غطاء للخصر أو الرأس أو الكتفين، فهي عملية أيضا، فهي تحمي من البرد والحر؛ كما تستعمل كقفة لجمع الخضار والفواكه والزيتون، وقد تستعملها الأم في حمل ابنها الصغير.. الفوطة واحدة واستعمالاتها متعددة.

 أصول الفوطة القبائلية

يعود أصل الفوطة، حسب ابن خلدون، إلى الهند.. فلم يكن الناس في بلاد المهراجا يلبسون السراويل الداخلية، وكانوا يستعيضون عنها بفوطة عريضة تسترهم، يطلقون عليها اسم “فوته”. ويقول ابن خلدون في مذكراته: “سكان الهند كسوتهم فوطة خّز، يشدونها في وسطهم، عوض السروايل، فإنهم لا يعرفونها”. وكانت الفوطة تستعمل في الحمامات العامة في بغداد، عاصمة الدولة العباسية. وتعطى للمستحم ثلاث فوط، إحداها يأتزر بها عند الدخول، والثانية عند الخروج، والثالثة للتجفيف.

ويرتدي اليهود فوطة أيضا من نوع خاص، تدعى الطليت، وهي شال الصلاة، وهو عبارة عن رداء مستطيل الشكل، تتدلى من أركانه أهداب، تدعى تصيتصيت، ويكون الطليت عادةً أبيض اللون، من الصوف أو القطن أو الحرير. وفي كثير من الأحيان، يكون مخططا، إما بخطوط سوداء أو زرقاء. والطليت هذا لا يسمح للعزاب بارتدائه، بل هو للمتزوجين فقط.

خطوط على طريق الحرير

أما القماش المخطط المميز للفوطة القبائلية، فيؤكد بعض المؤرخين أنه استقدم من الشرق، مع مصطلح فوطة في بدايات الألفية الثانية، وتعزز مع التبادلات التجارية مع الحضارة الأندلسية، واستبدل الصوف بالحرير في كثير من القطع. ومن هذا القماش المخطط، القادم من حضارات الهند والشرق الأوسط، جاء استعمال كلمة فوطة عند الأمازيغ.

في القرن الخامس عشر، عندما أصبحت الجزائر عاصمة للبلاد، تجسد دور الفوطة بشكل أفضل، خاصة مع تغير اللباس التقليدي، وكان من المهم ستر خصر المرأة، حين ترتدي القفطان أو الفريملات وغيرها من البدعيات، التي كانت ترتدي معها العاصميات أقمصة طويلة خفيفة، ولم تكن الفوطة العاصمية كثيرة الألوان، بل كانت مصنوعة من أترف الأقمشة ومن أجود أنواع الحرير، ولكنها اختفت مع تطور السروال العاصمي، الذي أخذ مكان الفوطة.. وهذا في بداية القرن العشرين . وانتقلت بفضل النازحات الجزائريات إلى تونس، بعد الاحتلال الفرنسي، وأثرت في اللباس التونسي المعروف بفوطته.

ولا تخلو الشدة التلمسانية من الفوطة، التي يطلق عليها “المتقلة”، التي تعد مع الملحفة الأقدم في تاريخ اللباس الجزائري، ويعود تاريخ صنعها إلى العهد الروماني.

مقالات ذات صلة