الرأي

القابلية للفساد!

قادة بن عمار
  • 4118
  • 7
ح.م

وقف الوزير الأول الأسبق أحمد أويحيى أمام رئيس المحكمة، مدافعا عن نفسه واسمه ومساره، ليقول بفخر شديد وغريب: لو عاد الزمن بي إلى الوراء وتولّيت منصبي مرة أخرى، لاتخذت القرارات نفسها والإجراءات ذاتها؟!

أويحيى كان يتحدّث عن فضيحة تركيب السيارات، أو “نفخ العجلات” التي يُحاكَم عنها للمرة الثالثة، بمناسبة فتح ملف رجل الأعمال محيي الدين طحكوت هذا الأسبوع، فما السبب الذي جعل “صاحب المهمّات القذرة” مثلما وصف نفسه يوما ما، فخورا بما قام به وعلى استعداد لتكراره؟!

الجواب يتعلّق هنا بالقوانين التي تحكم الملف، وتلك المرتبطة بالمنظومة البنكية وبالاستثمار عموما، والواقع أن أويحيى ومعه عبد المالك سلال ومنذ محاكمتهما الأولى قالا إن تلك القوانين ما تزال سارية المفعول حتى الآن، رغم أنها كلفت الخزينة العمومية الملايير وأرهقت الاقتصاد، وضيّعت على البلاد والعباد فرصا كبيرة للتطوّر والخروج من الأزمة.

وطبعا، فإنَّ مسلسل الهروب إلى الأمام الذي نشاهد حلقاته في المحكمة هذه الأيام، لن يكتمل إلا بالعثور على شخص مناسب يُرمى على كاهله الجمل بما حمل، سواء تعلق الأمر بوضع القوانين الجائرة أو بصياغة دفتر الشروط بشكل انتقائي. وفي هذا الصدد، لن يجدوا أفضل من وزير الصناعة الهارب عبد السلام بوشوارب، أو رجل السعيد بوتفليقة في الحكومة، الوزير واسع النفوذ المدعوم من العصابة، والذي جاء في المحاكمة أن صلاحياته تجاوزت الجميع، بمن في ذلك، من هم أعلى منه منصبا ونفوذا!

لكن أويحيى ومن سار على دربه خلال المحاكمات، وبقدر ما حاولوا الاختفاء خلف القوانين الضعيفة والانتقائية، فإنّ حساباتهم أسقطت عمدا وليس سهوا، أحد العناصر المهمّة في القضية، إن لم يكن أهمّها على الإطلاق، ويتمثل في “القابلية للفساد” لدى هؤلاء المسؤولين الذين تعاقبوا على مناصبهم فمرّروا الصفقات وأمضوا بالموافقة على المشاريع، ذلك أن القوانين وحدها لن تكون كافية لصناعة هذا الحجم الكبير من الفساد والمفسدين.

ليست القوانين وحدها فقط، من منح رجل أعمال واحد كعلي حداد مثلا، 125 صفقة و452 قرضا بنكيا دون أن يُقدِّم ضمانات كافية أو منطقية؟

ليست القوانين وحدها التي فتحت حسابات بنكية لهؤلاء في الداخل والخارج، ومنحت أبناءهم وأشقّاءهم الصفقات، وأدخلت بعض زوجاتهم وبناتهم في مشاريع مريحة ومربحة للاستفادة من قطع أرضية، تبيّن خلال المحكمة أن مساحتها تتجاوز أحيانا مساحة بلدان برمتها!

ليست القوانين وحدها، وإن صُنعت على المقاس، من يخلق الفاسدين، إن لم يمتلك هؤلاء النية للعبث بالمال العام، وتكونت لديهم “القابلية للفساد”، والرغبة في السطو على الصفقات، وزيادة الأرباح بالطرق الملتوية. لقد تم خنق الاستثمار بتلك القوانين، وتطويع البنوك لصالح حفنة محددة من رجال الأعمال وفي الوقت الذي كنا ننتظر فيه اعترافا من هؤلاء المسؤولين المتورطين، خرج بعضُهم للتفاخر بما قام به، بل ومتقمِّصا دور الضحية لمنظومة قانونية خاطئة وغير سليمة.

لابد من تغيير القوانين التي سمحت بتأسيس هذه الجمهورية الكاملة من اللصوص بالملابس الرسمية، وتغيير تلك التي يُحاكَمون على أساسها وكأنهم ارتكبوا جنحة بسيطة، فالعبث بالمال العام جناية حقيقية، وإذا تورَّط فيها مسؤولٌ كبير فهي تقترب من الخيانة، ألا يُقال قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق!؟

ثمّ إن القابلية للفساد مثل القابلية للاستعمار -والتعبير للمفكر مالك بن نبي – بل هما وجهان لعملة واحدة، فالمرض الأول ينخر الاقتصاد ويخدش الأخلاق، والثاني يهدّد الاستقلال ويُقوّض السيادة الوطنية.

مقالات ذات صلة