-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القارة الإفريقية تنتفض على الهيمنة الغربية

خير الدين هني
  • 360
  • 0
القارة الإفريقية تنتفض على الهيمنة الغربية

حينما يشعر الإنسان بالظلم والذل والهوان والاستغلال والانكسار، يخرج في الليل شاهرا سيفه على من ظلمه وقهره، ويكسر قيود الخوف والحرج والعبودية، ويتحرر من  أغلاله الآسرة عاجلا أم آجلا، وهذا ما شعر به أبناء القارة الإفريقية المقتّر عليهم في رزقهم، وقد تلقوا ألوانا من العذاب النفسي والبدني والمالي، من جبروت الإنسان الغربي الذي طغى في الأرض واستكبر بغير حق.

فبعد أن خرج المواطن الغربي من بلاده مزهوًّا بما حققه من سبق في ثوراته الصناعية والعلمية والتكنولوجية.. خرج يبحث عن موطئ قدم له في أراضي غيره، ليحتلها ويستعبد أهلها ويسلبهم حرياتهم وإرادتهم، ويجرّدهم من هوياتهم الدينية واللغوية والثقافية والتاريخية، ويجعلهم تُبّعا له يأتمرون بأمره ويخضعون لإرادته، ويسيرون في الوجهة التي رسم لهم فيها خطّ السير على هواه.

وقد عاث في هذه القارة فسادا وظلما وقهرا، انطلاقا من أخذ أهلها الأحرار إلى بلدانه وتحويلهم إلى قطيع من الرقيق يباعون في أسواق النخاسة والعبيد، بعد الاستكشافات الجغرافية الكبرى التي غامروا بها في عرض المحيطات وأدغال القارات، كيما يشتغلون في مزارعه ويرعون حيواناته وخنازيره، مقابل شَربة من الماء وزِقٍّ من الخمر وكَسْرة من الخبز اليابس، من غير جواز إظهار زَفرة أو شكاة أو أناة أو أنين من فرط المظالم والمناكر التي ساموه بها.

ولما حانت الدورة التاريخية في التغيير والوعي والارتقاء، وهي الدورة  التي تتساوق مع قوانين الطبيعة ونواميسها في تغيير أحوال الناس، فإذا حانت لحظة التغيير تهيأت الظروف العقلية والنفسية والاجتماعية، وجعلت الإنسان محلّ التغيير يخرج من شَرنقة الجهل والتخلف والانحطاط والاستغفال، وتنتابه لحظة استفاقة ويقظة ضمير، ويرتفع لديه الوعيُ والحس بالمسئولية، ويشعر بواجب النهوض لمقاومة من اعتدوا عليه واستغلوا ضعفه وفاقته، واسترقوه وسلبوا منه حريته وإرادته وحقوقه، واغتصبوا أرضه ونهبوا موارد بلاده وشعبه.

وهذا ما حدث للشعوب الإفريقية، حين انتفضوا في ثورات عارمة في أمريكا التي استعبدتهم قرونا عديدة، وحدث لهم -أيضا- حين ثاروا على الاستعمار الأوروبي بثورة السلاح والنار وطردوه شر طردة.

ولكن الإنسان الغربي المستعمِر، استعذب حياة الاستعباد والاستبداد والاستغلال والنهب، فلما طُرد كاستعمار شرهٍ ومباشر، وكان قد استولى على كل جامد ومتحرك في هذه المستعمرات عقودا طويلة، ولم يكتف بذلك فحسب، بل تمادى فاستحوذ على العقول والثقافات، ونظم الأخلاق والعادات والأعراف، وزرع بذور الشك والارتياب في عقول النخبة السياسية والثقافية، ففرّخوا جيلا  متعلّما بلغة الغرب ومواليا له في التوجه والعقيدة والثقافة فحوّلهم إلى رقيق سياسي، يأتمرون بأمره وينصاعون لإرادته، ببيع مصالح أوطانهم وشعوبهم وقضايا شعوبهم، وهم الذين أصبحوا يسمون في الأدب السياسي الرسمي وغير الرسمي “الطابور الخامس”.

ولكن الحياة البشرية لا تثبت على خط سير واحد، لأنها مبنية على سنن التغيير، وخونة أوطانهم لا تدوم لهم حياة الثبات، فسرعان ما يظهر لنقض سياستهم جيل جديد واعٍ متوثّب، متشبّع برموزه وأصوله وأصالته، بعد الاستفاقة لما فعله أئمَّة الفساد والعمالة من عصابة الطابور الخامس ببلدانهم، واستشعر هذا الجيل مرارة الظلم والطغيان والنهب والاستغلال، وهبّ لنصرة مصالح بلدانه وقضايا أمته، فانتفض مما فعله  المستعمِر الغربي الجديد، الذي نهب ثروات أوطانه وخيراتها ومواردها المالية، بتواطؤ مع عصابة الطابور الخامس وعملاء العمل بالوكالة، ممن فقدوا الحس بالانتماء الوطني والقومي، وباعوا ضمائرهم وذممهم مقابل حماية امتيازاتهم ومصالحهم الخاصة.

والقارة الإفريقية رغم تخلُّصها من الاستعمار المباشر، إلا أنها لم تسلم من هيمنة مستعمِر الأمس واستغلاله لثرواتها، ولتحقيق مصالح بلدانه لاستنزاف خيرات هذه القارة المغلوبة على أمرها، اتّخذ بطانة من الوكلاء الأهالي، ويسّر لهم سُبل الوصول إلى الحكم من طريق الانتخابات المزوَّرة، وما إن يصلوا إلى الحكم  حتى يسخّروا أنفسهم وموارد بلدانهم وشعوبهم إلى خدمة المستعمِر الجديد، وهذا ما جعل نخبة الضباط الشباب من الذين تشبعوا بالروح الوطنية، تضيق صدورهم من عمالة رؤسائهم وخيانتهم لشعوبهم وأوطانهم، فانقلبوا عليهم لقطع الطريق على المستعمِر، لمواصلة سياسة النهب والسلب والاستغلال، على نحو ما قامت به النخبة العسكرية في غينيا وإفريقيا الوسطى ومالي وبوركينافاسو والنيجر، حينما انقلبوا على رؤسائهم المنتخبين صوريا، وطردوا فرنسا من بلدانهم خاسئة ذليلة مدحورة، ولم يستطع الخائب ماكرون فعل أي شيء، لأنه كُسِر جناح كبر بلاده الإمبراطوري، وأصبح رئيسا ضعيفا بضعف بلاده التي تقهقرت مكانتُها وتراجع دورها في تأثير السياسة الدولية وأصبحت ضعيفة مهينة، وقد أعلن ماكرون استسلامه للأمر الواقع، وقرر عودة سفيره إلى فرنسا وسحب قواته العسكرية من النيجر، وهي اليوم ضعيفة التأثير وأصبحت مثل إسبانيا وإيطاليا اللتين غاب دورهما في تقرير السياسة الدولية، بعد أن كانتا إمبراطوريتين عظيمتين، والانقلاب على الرئيس محمد بازوم في النيجر، له أسرارٌ مخفية ما زالت في طيِّ السر والكتمان، وقد ذهب المحللون مذاهب شتى في بيان أسبابه وكشف الأيدي الضالعة فيه، وليس هذا محل الخوض في تفاصيله، لأن ذلك يُخرجنا عن الخطة التي رسمناها في هذه المقالة.

في انتقاد لاذع لماكرون من رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية، جورجا ميلوني، اتَّهمته مباشرة في خطاب مباشر موجَّه للأمة الإيطالية، أن فرنسا هي من حوّل القارة الإفريقية إلى الفقر والجهل والتسول في البلدان، بسبب نهب خيرات هذه القارة وتحويلها إلى خدمة اقتصاد فرنسا، وأن 30 في المائة من اليورانيوم النَّيْجَري تستغله فرنسا بأثمان بخسة، والشعب النَّيْجَري يعيش حياة الفقر والجوع والفاقة والحرمان، ويهاجر عبر فيافي الصحراء المحرقة، وفي قوارب الموت إلى أوروبا طلبا للارتزاق.

ومع أن فرنسا وقفت بقضِّها وقضيضها من أجل إرجاع المخلوع، دفاعا عن الديمقراطية المزعومة التي طالما خدعوا بها البسطاء من الناس، وضلّلوا بها الشعوب المسحوقة، بيد أن الحقيقة  المخفية توحي بأنها لا تدافع عن هذا المخلوع، إلا لكونه عميلا حوّل بلاده إلى قواعد عسكرية للغربيين، ورهن خيرات شعبه بتوريد معدن اليورانيوم إلى المحطات النووية الفرنسية لتشغيلها، وحسبما أفادت به الرابطة النووية العالمية، فإنَّ النيجر تحتل المرتبة السابعة بين أكبر موردي اليورانيوم في العالم، وهي ثالثُ أكبر مورِّد لليورانيوم لفرنسا، وتؤمّن ربع حاجة الاتحاد الأوروبي.

وفي انتقاد لاذع لماكرون من رئيسة الوزراء الإيطالية الحالية، جورجا ميلوني، التي اتَّهمته مباشرة في خطاب مباشر موجَّه للأمة الإيطالية، أن فرنسا هي من حوّل القارة الإفريقية إلى الفقر والجهل والتسول في البلدان، بسبب نهب خيرات هذه القارة وتحويلها إلى خدمة اقتصاد فرنسا، وأن 30 في المائة من اليورانيوم النَّيْجَري تستغله فرنسا بأثمان بخسة، والشعب النَّيْجَري يعيش حياة الفقر والجوع والفاقة والحرمان، ويهاجر عبر فيافي الصحراء المحرقة، وفي قوارب الموت إلى أوروبا طلبا للارتزاق والحياة المُنعّمة، وإيطاليا في مقدمة من  يعاني من هذه الهجرة غير النّظامية، بسبب سياسة ماكرون المتسلطة والناهبة لثروات إفريقيا.

والانقلاب عملٌ سياسي غير شرعي، لأنه يُخلّ بالاستقرار الدستوري والقانوني والسياسي والأمني والمؤسساتي، ويُفقد الشعوب الثقة في نخبهم السياسية والعسكرية، ولكنه في حالة الاستثناء حينما يتحوّل الرؤساء المنتخَبون إلى مخبرين برتب رؤساء دول، ويخدمون المصالح الاستعمارية الجديدة، يصبح الانقلاب من لوازم العمل الدفاعي الذي يحمي الدولة من العبث بمصالحها الحيوية والإستراتيجية، شريطة ألا يحكم المنقلبون أو يحولوا بلدانهم إلى نار ملتهبة بالفتن والاقتتال والحروب الأهلية، مثلما هو الأمر في السودان مثلا.

والقارة الإفريقية بفضل نخبتها الشابة، التي تلقت تعليما أكاديميا عاليا، وعرفت أصول الحكم الراشد، والمصالح الحيوية لأوطانها وشعوبها، أخذت في إعلان تحررها من الإرث الاستعماري القديم والجديد، وتصدع بثورات عارمة على الأساليب الاستعمارية الجديدة، وعلى رأسها الاستعمار الفرنسي، فطردته شر طردة، وجعلته مَهيض الجناح لا يقدر على فعل شيء، ومما زاد نخبة الشباب الإفريقي الناهض وعيا وحسا وإدراكا للمشكلات، أن رأت ماكرون وحلفاءه من اليمين المتطرف، يعلنون حربا شعواء على الإسلام والمسلمين في فرنسا، ويضيّقون عليهم سبل الحركة والنشاط وممارسة شعائرهم الدينية.

هذه السياسة الحمقاء التي تفرّدت بها فرنسا من غير سائر بلدان الغرب، أوغرت صدور المسلمين الأفارقة، وجعلت بلدانهم تنتفض مما فعلته زمرة الخائب ماكرون، وبعض الأفارقة أعلنوا تحررهم من الثقافة الفرنسية، باستبدال الفرنسية التي كانت لغة رسمية بالإنجليزية، كما أخذت البلدان الإفريقية تشكّل تكتلات اقتصادية وسياسية جهوية، من أجل تعزيز قوتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مثل المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا، (إيكواس)، التي تضم أربع عشرة دولة، ومجموعة شرق إفريقيا EAC)‏)، التي تضم سبع دول، ومنطقة القرن الإفريقي وهي منطقة حيوية، ومحلّ تنافس دولي وإقليمي بين الكبار تضم أربع دول،  والاتحاد الإفريقي يضم 55 دولة، وهو يتطور يوميا مع تطور بلدانه.

وهذه التكتلات والانتفاضات كلها علامات خير وبركة ويُمْنٍ على أبناء القارة، كي يتحرروا من كابوس الاستعمار الفرنسي والغربي بشكل عامّ، ولكن المشكلة أن بلدان هذه القارة، يريدون أن يستبدلوا النار بالرمضاء، فبسبب ضعف اقتصاداتهم ومشاريعهم العلمية والتكنولوجية، وتسليحهم بالمعدات العسكرية الضرورية، لذلك اتجهوا نحو روسيا والصين، لعلهم يجدون عندهم الخلاص من الكابوس الغربي، ولكن الاستعمار ملة واحدة وهو تلميذ غبي، وما إن تُطلق يده ويتمّكن في الأرض حتى يأخذ الجرة بعسلها.

لقد حطّم الأفارقة جدار الخوف من الغرب، حين التفوا حول بوتين في قمة سان بطرسبرغ، ليعلنوا للعالم أن إفريقيا سئمت من الهيمنة الغربية، واستغلاله لثرواتها ومقدّراتها، واتفق الجميع على وجوب التحرر من القطبية الواحدة، وتأسيس نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب، وقد شجعتهم زيارة الرئيس الجزائري تبون إلى موسكو، الذي تحدى الغرب وقام بالزيارة من غير أن يأبه لتحذيرهم، مبينا لهم أن التحدي يخيف الظالمين والمعتدين والمستكبرين ويردعهم عن غيهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!