-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“القاضي”.. دليل قاطع على أن القفطان أصله جزائري

فاروق كداش
  • 7005
  • 0
“القاضي”.. دليل قاطع على أن القفطان أصله جزائري

لا نحتاج إلى أن نبرهن لأحد على موروثنا وعاداتنا وتقاليدنا، لأنها تنضح عراقة وقدما وضربا في التاريخ.. فتراثنا مكتوب ولباسنا محفوظ في القلوب قبل الأرشيف.

وقد سئمنا من السرقات والهرطقات والخزغبلات ممن يدّعون امتلاك أشياء يدري القاصي والداني أنها جزائرية محضة، فبلدنا ليس قارة بل كوكب درّيّ من الجمال والأناقة. وإليكم يا مهرطقين صفعة أخرى بمروحة التاريخ: القفطان لم يكن إلا جزائريا، والدليل قفطان اسمه القاضي، رفعت الجلسة.

قفطان القاضي أو لباس الشخصيات المرموقة في عهد أيالة الجزائر، زي انتقل بالإلهام من الرجال إلى النساء مع بعض التغييرات. قفطان أنيق ومترف مصنوع من المخمل ومطرز بتطريزات تختلف من مكان إلى آخر. كان هذا الزي مصنوعا في البداية للقضاة الدارسين في الباب العالي، يستلمونه مع الوظيفة السامية والحساسة، ومنها استوحى الزي اسمه “قفطان القاضي”، غير أن الباشوات والدايات والآغوات كانوا يحبذون ارتداءه لفخامته. يقال إنه اشتهر في قسنطينة في بداية ظهوره، لكنه كان موجودا في العاصمة وتلمسان ووهران، وغيرها من حواضر الجزائر آنذاك، مثل ندرومة وسوق أهراس. ورغم أن القفاطين تبهرجت وتلونت، غير أن اللون الغامق مثل الأسود والكحلي، كان غالبا عليها، لأنها كانت موجهة إلى الرجال. تطريز قفطان القاضي مكلف ومترف جدا، ورسومه مستوحاة من الطبيعة، مثل الأوراق والأزهار والأغصان، وبعض الحيوانات الفاتنة مثل الطواويس المذهبة التي بقيت رمزا للتطريز الجزائري.

حين تحول قفطان القاضي إلى زي نسوي راق، صار أطول بأكمام واسعة وطويلة، وصار يلبس مع تاج الفتلة وينسق مع المقايس والمسايس والجوهر وكرافاش بولحية والسخاب والمسكية.. وهذا القفطان بات بعدها جزءا من الشدة التلمسانية الملكية أو المستغانمية والدلالة العنابي وشبيه قفطان آخر من قفاطين بونة، وهو قفطان جوهر القمر.

توجد عدة أنواع من القفطان في الجزائر، ماعدا قفطان القاضي، منها قفطان البهجة، قفطان الداي، قفطان القرنفلة الخاص بمدينة عنابة، القفطان التلمساني (يختلف عن الشدة التلمسانية)، قفطان الباي، قفطان القاضي القسنطيني، قفطان المنصورية، قفطان المحيرزات وقفطان الجلوة والفريملة والقاط.

تدل مصادر تاريخية على أن قفطان القاضي تم تقديمه بعد 1830، أي بعد دخول فرنسا الجزائر، من طرف أهل تلمسان، الفارين من بطش الاستعمار إلى سلطنتي فاس ومكناس. وقام الحرفيون بتعليم صناعته وطرزه وسمي حينها بالطرز الدزيري، الذي اشتهرت به مدينة تلمسان في العهد الزياني، أي في القرن الثالث عشر، وكذلك العاصمة وعنابة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.

الاستعمار يشهد أن القفطان جزائري، على لسان الدبلوماسي الفرنسي فنتور دي بارادي، الذي وصف القفطان الجزائري بأنه تحفة من المخمل، أي القطيفة، ينزل حد الكاحل، مطرز بخيوط ذهبية.. وأكد أن الجزائريات في عام 1789 كن يرتدين أكثر من قفطان، الواحد فوق الآخر، وكانت موضة آنذاك.

ظهر قفطان القاضي في أكثر من مناسبة، غير صور الأرشيف التاريخي ورسومات الفنانين المستشرقين، خلدته السيدة الأولى أنيسة بومدين، في زيارة رسمية إلى الولايات المتحدة عام 1974، كما ظهر في صور كواليس مسلسل الانتحار، وقد ارتدته الممثلة عايدة كشرود، وهي تسقي في أحد المشاهد النباتات بدلو من النحاس. صور كثيرة من الأرشيف خلدت قفطان القاضي في أجساد بعض الأعيان الموالين لفرنسا الخونة، الذين باعوا ذممهم مقابل بعض التشريفات والنياشين المغروزة في برانيسهم الملوثة، وفي المقابل خلده الكثير من الأعيان الأحرار في صور بقيت للتاريخ. متاحف كثيرة تحتفظ بصور قفطان القاضي، مثل صورة نادرة لفتاة وهرانية بالزي الجزائري الجميل، ملتقطة سنة 1890 محفوظة في متحف الأرشيف وارسي بالاس بالنمسا. كما تحتفظ هولندا في أحد متاحفها بأمستردام بنموذج من قفطان القاضي، يعود إلى دار عزي القسنطينية العريقة.

من المشاهير الذين خلدوا قفطان القاضي، المغنية ثريا وصباح الصغيرة.. وقد ظهر الممثل اليوناني يورجو فوياجيس وزوجته نادية كاسيني، إلى جانب الكاتب والمخرج محمد الأخضر حامينا، وهما يرتديان قفطان القاضي، في فعاليات مهرجان كان ماي 1975.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!