-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

القدس لنا

القدس لنا

كما يتفاوت البشر في الفَضْل والمنزلة تتفاوت الأيام والأماكن في المكانة والأهمية. فرسل الله وأنبياؤه -عليهم الصلاة والسلام- ليسوا كأحد من الناس، وفضّل الله -سبحانه وتعالى- بعضهم على بعض، والمؤمنون والمؤمنات -هُم وهُنّ- درجات، والمشركون والمشركات -هُم وهُنّ- دركات.

  • والأيام ليست سواء في القيمة، فليلة القدر -مثلا- شرّفها الله -عز وجل- بما أنزل فيها من هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وجعلها خيرا من ألف شهر، والأماكن بعضها أشرف وأبرك من بعض بالرغم من أن جميعها تراب.
  • إن أحد الأماكن ذات القدر العالي والشرف الغالي هو مدينة القدس الشريف، التي اختيرت أن تكون »عاصمة الثقافة العربية« لهذه السنة 2009.
  • تعتبر مدينة القدس من أقدم المدن، حيث يعود تاريخها إلى نحو خمسة آلاف سنة(1)، ولكن قيمتها وأهميتها ليست في قِدَمِها، ولكنها فيمن تَدَيَّرَها، وسار على أديمها، ودُفن في ثراها، فهي كما قيل »مقام الأنبياء، وموقف الأولياء، ومعبد الأتقياء«.
  • إن لمدينة القدس في عقول المسلمين وقلوبهم قيمة غالية ومكانة عالية، وذلك لعدة أمور:
  • *) يوجد فيها المسجد الأقصى الذي بناه إبراهيم -عليه السلام- كما جاء في حديث خير الأنام حيث سأله أبو ذر -رضي الله عنه-: »أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى. قلت: كم بينهما؟ قال: أربعون سنة«
  • *) أنها قِبلة المسلمين الأولى، التي توجه إليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصحبه -رضي اللهم عنهم- قبل أن يكرمه الله -عز وجل- بتحقيق أمنيته وإرضائه بتحويل القِبلة إلى المسجد الحرام
  • *) أنها نهاية المرحلة الأرضية وبداية المرحلة السماوية من تلك الرحلة المعجزة التي أكرم بها الله -سبحانه وتعالى- عبده محمدا، عليه الصلاة والسلام، وهي رحلة الإسراء والمعراج، و»لو لم تكن القدس مقصودة في هذه الرحلة لأمكن العروج من مكة إلى السماء مباشرة«.
  • *) أن مسجدها الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي لا تُشدّ الرحال إلا إليها كما جاء في حديثه صلى الله عليه وسلم: »لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا«، فـ »الصلاة في المسجد الأقصى تعدل خمسمائة صلاة في غيره من المساجد، ما عدا المسجد الحرام والمسجد النبوي«. ولهذا يحرص كثير من الحجاج في ذهابهم إلى الحج أو إيابهم منه على المرور على القدس الشريف للصلاة في المسجد الأقصى، وتسمى هذه الإقامة عند بعضهم »التقديس«.
  • * أنها أرض رباط وجهاد إلى أن تأتي الساعة، حيث جاء في الحديث النبوي الشريف: »لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من جَابَهَهم إلا ما أصابهم من لَأوَاءَ حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك«، وقالوا: وأين هُم يا رسول الله؟ قال: »ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس«.
  • وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيختبئ اليهود خلف الشجر والحجر فيدلان المسلم على مَن خَلْفَهما.
  • سيقول السفهاء من الناس إن هذا الحديث دليل على عنصرية المسلمين وتعصبهم. والرد على هذا القول هو أن القتل ليس بسبب دين اليهود أو عرقهم كما فعل النصارى قديما وحديثا، ولكنه بسبب عدوانهم على المسلمين وإخراجهم من ديارهم، لأنهم قبل هذا العدوان كانوا »ذميين« يحرم على المسلمين قتالهم، بل يجب عليهم حمايتهم.
  •  وما أشبه فتح القدس بفتح مكة، حيث فُتِحَتَا سِلما، فمكة المكرمة فتحها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقدس الشريف فتحها الخليفة الراشد العادل عمر بن الخطاب، وأعطى لأهلها النصارى عهدا عُرف باسم »العهدة العمرية«، قال عنها قسطنطين قرمش، رئيس طائفة الروم الأرثوذكس في القدس، إنها »أعظم وأعدل وأوضح وثيقة وعهدة تاريخية نظمت العلاقة بين جميع الأديان التي حافظ عليها الولاة والحكام والسلاطين المسلمون والعرب الذين تعاقبوا على الحكم، ويجب إحياء هذه العهدة العادلة، لأنها الضمانة والأمان والتتويج لأي حل مشرف(3)«.
  • لقد مر على القدس منذ فتحها عمر بن الخطاب حوادث أفسدت بهاءها، وروعت أهلها، ودنست طهرها، وهي:
  • * احتلال الصليبيين لها في 15 جويلية 1099م، وقد وقعت مذبحة رهيبة حيث »لم ينج من القتل أحد من المسلمين(4)«.
  • وقد شهد ِريمُون آجيل، الذي حضر احتلال الصليبيين للقدس، أن »دماء القتلى بلغت ركبتيه(5)«.
  • *) احتلال الإنجليز لها في ديسمبر 1917 بقيادة الجنرال ألَّلنْبِي، الذي برهن على أن الروح الصليبية متجذرة في النفسية الغربية ولا يمكن اقتلاعها، حيث صرح بوقاحة وهو يدنس مدينة القدس قائلا: »اليوم انتهت الحروب الصليبية«، وهي الجملة نفسها التي رددها أخوه الجنرال الصليبي الفرنسي »غورو« الذي احتل دمشق ووقف على قبر المجاهد صلاح الدين الأيوبي، وقال »ها قد عدنا يا صلاح الدين«.
  • إن الأمر الذي يحز في النفس، ويعصر القلب هو نذالة بعض »المسلمين« قديما وحديثا، وتملقهم لأعداء أمتهم، من ذلك أن شخصا يسمى يعقوب البخاري، وكان شيخ الطريقة النقشبندية في القدس، رأى أن هذا المجرم الصليبي اللَّنْبي جدير بأن تهدى له الهدايا، ويحتفى به، فبعث إليه صحنا من الخزف الصيني الجيد، وكتب عليه:
  • إلى القائد العالي اللَّنْبي بعثتُها
  • بعثتُ بها ذكرى لآثاره التي
  • هديةَ حُبٍّ، وهي صِحْنٌ من الصِّينِي
  • يُدَوِّنُها التاريخ أحسن تدوينِ(6)
  • * تدنيس اليهود لها باحتلالها في سنة 1967، وما تزال تلك الرحاب الطاهرة تعاني من ذلك الاحتلال بسبب خيانة الخائنين، وتقاعس المتقاعسين، فنحن جميعا كما قال الشاعر:
  • ولس يَبْرَأُ من إِثْم الوَنَى أحد
  • فكلنا عن ضياع القدس مسئولُ
  • وقد انبعث أشقى يهود، المسمى دونيس روهان، القادم من أستراليا، فأشعل النار في المسجد الأقصى يوم 21 / 08 / 1969، فاحترقت قُبَّتُه ومنبره، وقد عرقل اليهود عملية الإطفاء ليتهدم المسجد ويقيموا على أنقاضه هيكلهم المزعوم، قال الإمام الإبراهيمي: »إذا كان شعار اليهود هو: »لا إسرائيل بدون القدس، ولا قدس بدون الهيكل (هيلك سليمان، كما يزعمون) فليكن شعارنا هو: لا فلسطين بدون قدس، ولا قدس بدون المسجد الأقصى«، وليست هذه المسئولية مقصورة على الفلسطينيين فقط، بل هي »من واجب كل مسلم(7)«، وقد قدر الله -عز وجل- أن يكون محرر المسجد الأقصى من الدنس الصليبي غير فلسطيني، بل غير عربي، وهو المجاهد صلاح الدين الأيوبي الكردي، كما أن الشخص الذي وقف كالطود في وجه الصهيوني الأول هرتزل هو السلطان التركي عبد الحميد الثاني -رحمه الله- الذي لم يَلِنْ للترهيب، ولم يستجب للترغيب، وقال لمن حاول شراء ذمته: ».. لا أستطيع أن أعطي أحدا أي جزء منها، ليحتفظ اليهود ببلايينهم… لماذا نترك القدس؟ إنها أرضنا في كل وقت، وستبقى كذلك فهي من مدننا المقدسة، وتقع في أرض إسلامية، لا بد أن تظل القدس لنا(8)«.
  • إذا كان المنافقون والمرجفون في العالم العربي قد استيأسوا، وشَرَوْا فلسطين والقدس بثمن بَخْسٍ ليشبعوا شهواتهم الحيوانية، فإن المؤمنين الصادقين في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس يستيقنون أن ساعة الصهاينة في فلسطين قد اقتربت، وأن آزقتهم فيها قد أزفت، ولن تبقى لهم فيها باقية إن شاء الله فـ:
  • المسجد الأقصى له عادة
  • إذا غدا للكفر مُسْتَوْطَنا
  • فَنَاصِرٌ طهَّره أولا
  • سارت فصارت مثلا سائرا
  • أن يبعث الله له ناصرا
  • وناصِرٌ طهّره
  • وصدق الإمام محمد البشير الإبراهيمي الذي آمن بزوال إسرائيل من أول يوم نشوئها، فقال: »إن غرس صهيون في فلسطين لا ينبت، وإذا نبت فإنه لا يثبت(9
  • 1) القدس، التاريخ والحضارة، نشرة: المؤتمر الإسلامي لبيت المقدس. ص 59
  • 2) يوسف القرضاوي: القدس في الوعي الإسلامي، مجلة دراسات القدس الإسلامية. ع 1. ص 9
  • 3) مجلة دراسات القدس الإسلامية. ع 1. ص 2
  • 4) ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية. ج 1. ص 405
  • 5) قايد حماد عاشور: جهاد المسلمين في الحروب الصليبية. ص 114
  • 6) مجلة دراسات القدس الإسلامية. ع1. ص 22
  • 7) آثار الإمام ابن باديس. ج 5. ص 391
  • 8) محسن محمد صالح: الطريق إلى القدس. ص 191
  • 9) آثار الإمام الإبراهيمي. ج 3. ص 444
  • وقع خطأ في عنوان مقال الأستاذ محمد الهادي الحسني في الخميس الماضي، حيث ورد: »المعجزة الأخلاقية«، والصحيح هو: »رفع إيهام«.
  • فمعذرة للأستاذ وللقراء الكرام.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!