منوعات
العمل الذي غضب من أجله الأتراك ونشاهده نحن دون وعي "بخطورته"

القصة الكاملة لسليمان القانوني.. أو السلطان المظلوم!

الشروق أونلاين
  • 88609
  • 61
لقطة من مسلسل حريم السلطان

لم يكن في ظنّ ميرال أوكاي، التي ولدت في أنقرة سنة 1959، وهي كاتبة سيناريو مسلسل القرن العظيم أو ما ترجم عند العرب “بحريم السلطان”، والذي أثار ضجة كبيرة في تركيا حتى أوصلت بعض المتحمسين الأتراك إلى التظاهر أمام القناة التركية المنتجة. وكتبت الصحف عنه كثيرا من المقالات، خاصة حول شخصية أم السلطان سليم الثاني “روكسلان”، التي ظهرت في المسلسل بشكل غير لائق بها ولا يمت إلى تاريخها ولا حقيقتها بصلة، ولكن السيناريست “أوكاي” أخذت ما كتبه الأعداء عنها ولم يكتبه أحد من مؤرخي الدولة العثمانية فنسجت من خيالها هذا الدور الفظيع.

والكاتبة أيضا ليست مؤرخة ولا علاقة لها بتاريخ بني عثمان، ولكنها كما أسلفت إنما تنفذ ما يطلبه منها المنتج والمخرج بهدف الإثارة والترويج ولو على حساب الحقيقة التاريخية. وهي ليست بدعا من الكتّاب، بل أغلب مؤلفي القصص التاريخية يفعلون مثل فعلها عندما يكون نصب أعينهم حاجة المنتجين للربح وترويج أعمالهم التاريخية.

هذا ما يكتبه الكاتب الإماراتي جمال المهيري، مبينا أن السلطان سليمان هو أحد أهم سلاطين الدولة العثمانية، فهو الذي قام بتوسيع حدودها إلى أبعد مدى وقام بوضع القانون الأساسي ليكون أول دستور للدولة العثمانية وفتح بلاد المجر وبلغراد ورودس وحارب النمسا والبرتغال وإيران وأقام تحالفا مع الفرنسيين وكان سببا في تطور البحرية العثماينة وأرسى قواعد الجيش العثماني وكان في نفس الوقت شاعرا وخطاطا وكان له باع كبير في تطوير العمارة في الدولة العثمانية كما أقام العديد من المدن التي حملت اسمه.

رغم كل ما سبق، إلا أن حياة السلطان كانت مليئة بالتراجيديا، فالسلطان تزوج من جارية يهودية تدعى روكسيلانه كانوا قد سبوها أثناء إحدى الغارات على الروس من منطقة موجودة الآن في أوكرانيا، الفتاة استطاعت أن تسرق قلب السلطان فأعتقها وتزوجها وأعلنت هي اسلامها وأنجبت له ولدين وبنتا.

روكسيلانه أرادت أن تمهد لأحد أبنائها أن يتولى العرش بعد أبيه رغم وجود ابنين أكبر من ابنائها للسلطان من زوجته الأولى، فاشتغلت بالدسائس وساعدها الصدر الأعظم رستم باشا على ذلك، فانتهز الأخير فرصة سفر ابن السلطان مصطفى في إحدى الحملات العسكرية إلى بلاد فارس وكاتب سليمان الأول يخبره أن ابنه يريد أن يثور عليه كما ثار أبوه (سليم الأول) على جده بايزيد الثاني، فانطلت الحيلة على الخليفة الذي سافر من فوره إلى معسكر الجيش في بلاد فارس، متظاهرا بقيادة الجيش بنفسه، واستدعى ابنه إلى خيمته وقتله فور دخوله إياها، وكان للسلطان سليمان ابن آخر يدعى جهانكير توفي أيضا بعد مقتل أخيه مصطفى بقليل من شدة الحزن.

ولكن مسلسل قتل الأبناء للسلطان سليمان لم يتوقف، فبعد وفاة روكسيلانه أراد سليم ابنها الأصغر أن يكيد لأخيه الأكبر بايزيد ويصبح هو السلطان، فتمكن من استئجار مربي بايزيد وجعله يسرب له معلومات خاطئة تفيد نية أبيه تولية ابنه الأصغر السلطنة، وجعله يتبادل مراسلات مع سليم عن هذا الموضوع في إحداها مس بايزيد بكرامة أبيهما، فأرسل سليم الكتاب إلى الخليفة سليمان الذي غضب غضبا شديدا وكتب إلى بايزيد يوبخه ويأمره بالانتقال من إمارته في قونية إلى مدينة أماسيا، فخشي بايزيد غدر أبيه فجمع قرابة عشرين ألفا من الجنود وآثر التمرد على أبيه، إلا أن سليمان استطاع إخماد التمرد وأرسل من قتل ابنه وأحفاده الأربعة.

يشار أن سليمان القانوني ولد في 6 نوفمبر من عام 1494 في منطقة طرابزون ووالده السلطان سليم الأول، وقد تربى على الفروسية ودرس الأدب والتاريخ والعلوم، ثم التحق ببعض المدارس العسكرية في اسطنبول، حيث تعلم العلوم العسكرية. في 22 سبتمبر 1520 تولى سليمان الحكم بعد وفاة والده ونهج نهجاً عجيباً فذلل كل الصعوبات بعزيمة قوية وقمع الخارجين عليه وأخمد معظم الفتن في أنحاء الدولة العثمانية وبسط هيبة العثمانيين في قلوب الناس في كل مكان.

.

ماذا بعد غضبة أردوغان من حريم السلطان؟!

تناقل البعض في المدة الأخيرة خبر غضب الوزير الأول التركي رجب طيب أردوغان من مسلسل حريم السلطان، لا لأنه يلهي المسلمين عن أداء واجباتهم الدينية والدنيوية، ويتركهم هائمين أمام الشاشة أو لأسباب أخلاقية مثلما اعتقد كثير من العرب الذين تناقلوا الخبر باعتباره فتحا جديدا من فتوحات أردوغان، ولكن، لأن هذا الأخير بدا مدافعا بشراسة عن تاريخ سليمان القانوني قائلا بأنه لم يكن زير نساء مثلما صوره المسلسل!

المهم أن رد منتجي مثل هذه المسلسلات لم يتأخر، وجاء عنيفا، حيث قالوا بأن ما تجنيه تركيا من عائدات مادية مباشرة، لا يعد ولا يحصى نظير تلك الأعمال الدرامية، ناهيك عن تنشيط قطاع السياحة وممارسة الامبراطورية العثمانية سابقا دورها كقوة ناعمة في المنطقة، وتلك أرباح لا تقدّر بمال!

الغريب أن تركيا حين أطلقت فضائية باللغة العربية، هي قناة التركية لم تنجح في فرض هيمنتها على المنطقة، وظهرت قناة شاذة لا تؤثر ولا تغير، شبيهة تماما بالدور السلبي لقناة روسيا اليوم التي فشلت كقناة الحرة الأمريكية تماما، بمعنى أن العرب لا يهتمون بالخطاب الاعلامي المباشر والمليء بالإيديولوجية المقيتة والغبية، ويهتمون أكثر بالمسلسلات الدرامية، فبات هنالك عشاق لمهند ولميس، فاطمة وكريم، ايزال ومراد، أكثر من أي شخصيات أو مسلسلات أخرى!

نقرأ هنا وهناك عن تأثير سلبي لتلك المسلسلات على العرب والمسلمين، رغم أن من يصنعونها هم مسلمون أيضا، لا بل ان الدراما العربية تأثرت بمنافستها التركية على جبهتين، فباتت تقدم مواضيع ساخنة على غرار تقليد السوريين لمسلسل العشق الممنوع بتقديم العشق الحرام، وأيضا في عدد الحلقات، فبتنا نشاهد مسلسلات تتجاوز المائة حلقة بكثير، وعلى أجزاء قد تمتد لأربعة أو خمسة أجزاء أحيانا!

أردوغان حين غضب من مسلسل “حريم السلطان”، فقد كانت غضبته لأسباب تاريخية محضة، لا علاقة لها بالدين ولا بالأخلاق، ومن يشكك، لابد أن يزور تركيا ويرى تلك الصور الخليعة والعارية التي تنشرها الصحافة هناك، في بلد من المفروض أن حزبا إسلاميا يحكمه، لكن هذا الحزب، يعتبر التاريخ خطا أحمر، على عكسنا تماما، حين غرقنا في مسلسلا تافهة، وقامت الدنيا ولم تقعد على مسلسل “عمر بن الخطاب رضي الله عنه” مؤخرا، وفي الأخير اكتشفنا أن الأمر كله خدعة، والمسلسل لم يكن جيدا حتى على المستوى الفني، فما بالك بالتاريخي، وذلك هو الفرق بيننا وبينهم.

مقالات ذات صلة