القيام ونحن نيام (الحلقة 15)

ما حدث لي يوم أمس في المقبرة عندما تحولت إلى كرة قدم تتقاذفها الأحذية ما بين القبور والموتى علي “شواهد”، جعلني أعيد حساباتي: أولا، أنا أول من تدخل لفضح تجار قراءة القرآن في المقابر الذين أسميهم “القشاعم” أي الجوارح والنسور والعقبان التي تعيش على الجيف، ولكن، عوض أن أعظ، واتعظ، وعظت ولم اتعظ ورحت اقرأ القرآن بغرض الاسترزاق، رغم أني لم أكن أحرّف القرآن كما كان يفعل ذلك الذي فضحته أمام الملأ عندما راحل “يرطل” القرآن ترطيلا! يقول ما لا يعلم ويخلط شعبان برمضان، الآية الأخيرة يلصقها مع آية في الوسط بأخرى في البداية.. تحسب بوكروح راه يعيد ترتيب سور القرآن الكريم!

الطريحة التي أكلتها في المقبرة، جعلتني أفكر في المسألة وأرد العيب في نفسي بعد أن بقيت 24 ساعة أسبّ من ضربوني وأتهم بالكفر والخروج من الملة وعدم حبهم لكلام الله حتى في المقابر! ثم رحت أطالع وأقرأ.. ليلة كاملة لم أخرج للمقهى وبقيت أمام الأنترنت أقرأ الأحاديث وأتصفح المواقع الإسلامية بحثا عن شروط قراءة القرآن الكريم والتعبد بتلاوته وخاصة في رمضان. لأول مرة استغل الأنترنت لأغراض دينية، فعادة ما أستعملها لتحميل الأغاني! لست مولعا بها كثيرا لأني حديث العهد بتعلم طريقة استخدامها، لكن أبني الأصغر سليمان (6 سنوات..) علّمني!

تعلمت خلال يومين ما لم أتعلمه خلال 30 سنة كحارس في الثانوي رغم احتكاكي كل يوم بالأساتذة! لأننا لا تناقش إلا الأمور التافهة ولا نتحدث عن أمور الدين والتدين والأخلاق والمعاملات والصيام والحج والصلاة والزكاة.. كنت أعتبر أن اسمي “شعبان” يكفي لدخولي الجنة من دون رمضان، وهذه فكرة يكاد يكون الجميع مؤمنا بها: كل من هو مسلم بالوراثة، يدخل الجنة، ولهذا، فنحن ضامنون الجنة بالوراثة! فهمت بعد هذا، أن هذا الاعتقاد خاطئ، وإلا لما كان الحساب والعقاب ولما دخلت مصلية النار في حق هرّة، ولما دخلت مومس الجنة بسبب كلب. المهم في كل هذا، أنه لأول مرة أقرر هذا المساء أن اصلي التراويح في المسجد.. المغرب ما نقدرش.. الله غالب! ما نوضش بكري، لكن أن أصلي العشاء والتراويح في المسجد، وقبل أن أخرج، أصلي أيضا باقي الأوقات الكريدي من الفجر إلى المغرب، فهذا تطور تاريخي عندي، لأني كنت أجمع وأكور كل الصلوات في شكل “جمع تكسير“، وأصلي جميع أوقات اليوم السابق.. قبل فجر اليوم الموالي!

لأني لم أصلّ جماعة منذ 20 سنة، وجدت نفسي أرتبك في ركعات التراويح.. مرة أجلس وهم واقفون ومرة أقف وهم جالسون.. مرة نمت واقفا حتى هويت كجلمود صخر حطه السيل من عل! تهدمتُ أمامهم كحائط قديم.. الحمد لله أنهم اعتقدوا أني مريض فأجلسوني لكي أكمل الركعات جالسا. لكني عدت ونمت وطولت رجلي في الممر عند مكان سجود المصلين حتى أني كنت أبدو لهم كجنازة يصلّون عليها. الحمد لله كان الممر متسعا قليلا وإلا لكانوا صلوا على جثتي! هذه هي مشكلتي أنا مع صلاة التراويح كوني لم أنم اليوم نهارا، نمت بعد المغرب في صلاة التراويح ما بين الصفوف.. طويلا.. (ما كانش واحد قال: الرجل راه ناعس نقراو بالسر مش جهرا؟!.. ما خلاونيش نرقد في خاطري، نمت فعلا طيلة ما تبقى من التراويح، وعندما انتهوا أيقظوني وأخرجوني وأوصلوني إلى بتي معتقدين أني مريض!

كان ذلك اليوم الأول من صلاتي في المسجد العشاء (التراويح؟ غير قولوا بللي ما صليتهمش.. أو صليتهم راقد قبل ما يدوني نروح!).