الشروق العربي
الحياء تظاهر وعقد نفسية

القيم الأخلاقية تضيع بين مستهزئ ومتنكر

نسيبة علال
  • 1943
  • 8
ح.م

تبنى الأمم على قيمها وأخلاقها، وكلما تمكنت من المحافظة أطول على هذه الثوابت والتمسك بها، كانت نفوس شعوبها حميدة، سائرة نحو الازدهار والتطور، أما إن انقلبت القيم فيها وقلت أهميتها أصبحت المجتمعات مهددة بالفواحش، والانحرافات، وضاعة قيمة الإنسان متى لا يمكن الصالح والطالح.

الطيبة ضعف شخصية

بين الماضي والحاضر تغير معنى الطيبة والرأفة، فالبعض أصبح ينظر إلى هذه القيم على أنها علامة عن عدم الاكتمال الفكري، وهو ما واجهته آية، شابة في الثامنة والعشرين من عمرها، التحقت بالعمل في مؤسسة حكومية. من صفات آية أنها معروفة بطيبتها، وتواضعها سهّل عليها تكوين صداقات، كما أنها تفقد صداقاتها بسرعة أيضا، تقول: “بدأت أعتبر طيبتي نقطة سوداء في حياتي، فأنا أتعاطف مع الجميع، وأتواضع أمامهم أيا كانوا، وهو ما يجعل الناس تعتبر هذا الأمر ضعفا واضطرابا في شخصيتي”. تروي هذه الفتاة بعض المواقف اليومية البسيطة، التي يواجهها الكثير، ولا يجنون منها سوى التشكيك وقلة الاحترام: “تعاطفت مع زميلتي التي تسيء إلي في العمل، فكنت أوصلها إلى بيتها بسيارتي وهي حامل، كي لا أتركها تنتظر الحافلة قرابة ساعة أو أكثر، في البداية قدرت مساعدتي، ثم سمعت بعد وضعها أنها وبعض الزملاء يتداولون كلاما مفادها أنني أخافها، أهاب كيدها في العمل”.

الأدب والكرم تملق و”شيتة”

يقول المثل العربي القديم: “رحم الله امر عرف قدر نفسه”، وهو ما تثبته دراسات نفسية كثيرة، تشير إلى أن الأشخاص العاديين، الذين يقدرون أنفسهم، ويمتنون لها، يمكنهم بسهولة تقدير الآخرين والأدب معهم، وإكرامهم، وهو الموقف الذي لاتزال تسير به قلة قليلة من المجتمع الجزائري، ما يجعل البقية ينظرون إلى الاختلاف الحميد لهؤلاء بعين النقص، وأنهم يمارسون عادات مبتذلة، في وقت يعتبر تقدير الآخرين من قيم ديننا الإسلامي، بعده من قيم الشعوب الراقية الخلوقة، يقول محند شريف علي، أستاذ سابق بالعديد من الجامعات، منها جامعة البليدة 2 : “عملت بالإدارة سنوات طويلة، وأتممت دراستي العليا هنا بالوطن وخارجه، توليت عدة مناصب، ودرست في كليات كثيرة، وكل مرة كنت أحتك بأشخاص أعلى مني مستوى فأقدم لهم وقارا وتقديرا، أكثر مما يستحقون، وحتى من هو دون مستواي العلمي، هذا الأمر جعل الزملاء والمعارف ينظرون إلي على أنني متملق، “شيات”، وعشت على أسلوبي في معاملة الناس، واستمر البعض ينعتونني بالسوء وتصلني أصداء ذلك، إلى أن يتعاملوا معي شخصيا”. ما أراد الأستاذ محند شريف علي إيصاله، هو أن الإنسان الذي يحدد هدفه في الحياة، ويتبنى مبدأ أخلاقيا، عليه أن يستمر على ذلك، مهما كانت نظرة المجتمع صوب قيمه التي يسير وفقها.

الحياء تظاهر وعقد نفسية

من بين أكثر القيم التي يشوبها التشكيك في مجتمعنا العربي، الحياء. فبقدر ما بجل هذا الأخير، وتم الخلط في مفهومه، بقدر ما تظاهر به الناس، وأخفوا خلفه اعوجاجهم وسوء نفوسهم، فأصبح من الصعب معرفة معالم الحياء الحقيقية، ومن هذا، يعترف نبيل، شاب ثلاثيني، بموقفين أوصلاه إلى جوهر الحياء: “كنت أسخر من زميلي لأنه يستحي من النظر إلى وجوه النساء، ولا يتناول معنا الطعام ونحن مختلطون، إذا طلبت منه آخر 100 دينار في جيبه، آثرك على نفسه، رغم أنه شاب مكتمل الرجولة، كنا نشكك في شخصيته، واعتقدنا أن به عقدا نفسية.. وفي مرة، جاء رجل يخطب أختي الصغرى، فتظاهر بالحياء ونحن ندعوه إلى المائدة، إلى أن فاجئنا علنا برغبته في الانفراد بها للنظر إليها”. يعترف نبيل حينها بأنه أدرك متأخرا الفرق بين القيم الأصلية، وما تم تداوله اجتماعيا على أنه قيم، بينما هو هدم لأخلاق الناس وانحراف بها صوب ما يتماشى والانفتاح الحاصل والتمدن

مقالات ذات صلة