الجزائر
مازالت قِبلة لرؤساء فرنسا وغيرها من الدول

“الكبار” يطلبون خبرة الجزائر ومفاتيحها في تفكيك القنابل

الشروق أونلاين
  • 8247
  • 5
ح.م

أدّى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الأربعاء، أول زيارة له إلى الجزائر منذ وصوله إلى قصر الإليزيه في فرنسا، ومع أنّها زيارة عمل وتعاون فقط، ويقتصر برنامجها الرسمي على بعض المحطات القصيرة، لكنها برأي مراقبين تعكس في الجانب الآخر حضور الدبلوماسية الجزائرية، ومدى حويتها في حوض البحر الأبيض المتوسط والقارة الإفريقية والإقليم العربي عموما، وذلك بالنظر لمضمون المباحثات التي تجمع في العادة ضيوف الجزائر بكبار مسؤولي الدولة، وفي مقدمتهم رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، حتّى وإن آثرت دوما العمل في هدوء، وبعيدا عن الصخب الإعلامي والاستعراض الفارغ.

الرئيس الجديد في فرنسا، بدأ جولاته الخارجية بعد تولّيه شؤون “الإليزيه” قبل أشهر قليلة من عواصم أفريقية أخرى، لكن لم يكن في وسعه أبدا أن يقفز على بوابة القارة السمراء ومفتاح الحلول المنشودة لمشكلات صارت تؤرق الضفة الشمالية من حوض المتوسط، وعلى رأسها الأمن ومكافحة الإرهاب في منطقة الساحل والهجرة غير الشرعية وملاحقة شبكات الجريمة، وهي كلها ملفات شائكة ومعقدة ومتراكمة، تعدّ الجزائر هي المحور الرئيس في تفكيك ألغامها وحلحلة عقدها المحكمة، ومن دونها لا يمكن أبدا بلوغ الأهداف الأمنية التي تبحث عن الاستقرار في المنطقة، نظرًا لأهميتها الطبيعية كمورد لثروات تلهث فرنسا وراءها، حيث ملايير الدولارات لتأمينها.

ومع الإقرار بحاجة الجزائر أيضا لتفعيل وتعزيز التبادل مع فرنسا في ميادين كثيرة، وهي تسعى في هذه الفترة الحرجة عن مخارج لتنويع الاقتصاد والموارد المالية، لكن تبقى زيارات رؤساء فرنسا المتعاقبين منذ عقود على الجزائر، خصوصا منذ عام 2000، بعدما استعادت البلاد عافيتها، مؤشرا بارزا على قوّة الدبلوماسيّة للجزائر في المنطقة، حيث يدرك الفرنسيون أنّها الممرّ الإجباري في كثير الأحيان والمواقع لإنجاح المبادرات القاريّة، كونها الدولة المحوريّة قاريّا ومغاربيّا، برصيدها التاريخي وثقلها السياسي وحنكتها ودورها الإستراتيجي في التأثير على مسارات القضايا المشتركة بين دول القارّة.

طبعا ليست فرنسا وحدها من يوقن بهذه الحقيقة، ويقدّر موقع الجزائر القويّ بين قادة أفريقيا والعرب، حيث شكّلت محجًّا متواصلاً منذ سنوات لكبار زعماء العالم، بل وفي الفترة الأخيرة، أضحت مزارا دوريّا لممثلي المنظمات الدوليّة والإقليميّة، للتباحث مع المسؤولين الجزائريين والاستفادة من خبرة ورؤية الرئيس بوتفليقة واستشرافه، والإنصات لوجهات نظرهم في قراءة الأحداث الإقليمية، بخصوص الأوضاع والقضايا ذات الاهتمام المشترك، 

وبذلك، حافظت الجزائر على برزوها الدبلوماسي الذي ميّزها منذ استعادة سيادتها مطلع الستينات من القرن الفائت، وقتها سطع نجمها في المحافل الدوليّة ضمن مجموعة عدم الانحياز، وصارت قبلة الثوار والأحرار، مثلما سجّل لها التاريخ مواقف شاهدة في وساطات دوليّة معقدة، أهمّها حادثة اختطاف طائرة “الأوبك” على يد كارلوس، والحرب العراقية الإيرانية وتحرير الرهائن الأمريكيين في سفارة طهران وسواها.

واليوم تواصل الجزائر مسيرتها الدبلوماسيةّ المتميّزة، بمسؤولية حضارية وأخلاقية وإنسانية عالية وحياد مدروس، في احتواء الاضطرابات وإطفاء نيران الحروب الفتاكة لإشاعة السلام وتحقيق الاستقرار من أجل البناء والإزهار لجميع الشعوب.   

مقالات ذات صلة