الرأي

الكرة الأرضية دار

ح.م

يقرأ الناس في العالم أجمع في الجرائد والكتب والمجلات، ويسمعون في الدروس والمحاضرات في الإذاعات والتلفزات، يقرأون ويسمعون كلمة واحدة بشتى اللغات واللهجات، هذه الكلمة هي: إن العالم أصبح قرية.

وصدق الكاتبون والقائلون، واستيقن السامعون.. والفضل في ذلك يرجع إلى الله – عز وجل- الذي علّم الإنسان ما لم يعلم.. ولكن أكثر الناس غرّهم هذا العلم، فجحدوا ربّهم، وجادلوا فيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير، وأما الذين اهتدوا فإن هذا العلم لم يزدهم إلا إيمانا بالله، وتصديقا بما جاء في الإسلام – كتابا وسنة – من أنه هو الأصدق قيلا والأهدى سبيلا..

إن الأصدق عندي من أولئك الكاتبين والقائلين هو “فخر علماء الجزائر” المعاصرة، الإمام محمد البشير الإبراهيمي، الذي جهله من جهله، فدلّ ذلك على نقص في الجاهل لا في المجهول.

كتب الإمام الإبراهيمي منذ سبعين عاما رسالة مفتوحة وجّهها إلى الكاتب العام في الولاية العامة الفرنسية في الجزائر يفضح فيها سلوك إدارة البريد المتخلف لاعتراضها البريد الوارد إلى جمعية العلماء من خارج الجزائر.

يقول العالم محمّد البشير الإبراهيمي للمسئول الفرنسي وأمثاله “المتخلفين” ما نصه: “العالم – يا جناب الكاتب العام- سائر إلى الاتصال، تحثّه الحياة، وتدفعه المصلحة، شئنا أم أبينا – ويوشك أن تصبح الكرة الأرضية دار واحدة، فلا تكونوا عرضة لسيره، وقد اجتمع الخير والشر على وصل أجزائه، واجتمع الولاء والجفاء والسلم والحرب على التقريب بينها، فزويت أطرافه المتباعدة بالراديو، والسينما، والطيارة، والمدرسة، والكتاب، والجريدة، والطب، وجمعية الأمم، والجوسسة، والميكروب”. (جريدة البصائر. ع 153. في 30 أفريل 1951. ص2. وآثار الإبراهيمي ج3 ص 388.ط. دار الغرب الإسلامي).

استرجعت ذاكرتي مقولة هذا الإمام العبقري وأنا أتابع تداعيات هذا الميكروب المسمى “كورونا”، الذي ظهر في مشرق الشمس، فتداعى له سائر العالم مما أكّد قول إمامنا من أن الكرة الأرضية صارت دارا واحدة، وليست قرية كما يقول الجميع بمن فيهم الخبراء الاسترتيجيون.

إنني لا أرى في هذا الميكروب الذي أرعب العالم وأرهبه إلا “جنديا” من جنود الله – عز وجل- ليثبت لهذا الإنسان المغرور بربه الكريم أنه جاهل رغم علمه، وضعيف رغم قوته، وفقير رغم غناه، وليؤكد له أنه لن يخرق الأرض، ولن يبلغ الجبال طولا، وما عليه إلا أن يختار بين أن يكون عبدا كريما لله، أو أن يكون “كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث”.

إن المؤمنين بالله – عز وجل- يؤمنون ويستيقنون أن هذا الداء من خلق الله – عز وجل- وأنه ما من داء إلا أنزل الله – العليم الخبير -له دواء، كما قال من لا ينطق عن الهوى – صلى الله عليه وسلم- وما على الإنسان إلا أن يبحث ليكتشف هذا الدواء، وما عليه أولا وأخيرا إلا أن يعود إلى ربه، فهو القاهر فوق العباد، وبيده مقادير كل شيء. ويا أيها الإنسان علمت شيئا وغابت عنك أشياء.

مقالات ذات صلة