الرأي

الكرة في مرمى السلطة

ح.م

مهما كان مستوى الشخصيات المتغيبة عن “المنتدى الوطني للحوار” أو مقاطعة بعض الأحزاب البارزة لأشغاله يوم السبت، فإنّ نجاح قوى التغيير في جمع 700 مشارك، يمثلون أحزاباً سياسية ونقاباتٍ وجمعيات من المجتمع المدني وتنظيمات مهنية وطلابية، وشخصيات عامّة، يعدّ عملاً مقدّرًا في سياق التحديات الوطنيّة القائمة.

ولعلّ ما يزيد من أهميّة الموعد هو أن المجتمعين تجاوزوا كافة العقبات والخلافات لتحقيق توافق حول رؤية موحدة تجاه رهانات المرحلة المقبلة، ليرموا بذلك الكرة في مرمى السلطة، والتي يتعين عليها المبادرة الآن بإجراءات عمليّة تستجيب لمقترحات قوى الحَراك، حتى تمهد الطريق للانخراط الشعبي في العملية الانتخابية المعطّلة.

أمّا غياب بعض التشكيلات الحزبية المنضوية تحت مسمّى “البديل الديمقراطي” فهو أمرٌ ثانوي، قياسًا إلى حجم الحضور المسجل في المنتدى، وكذلك بالنظر إلى سقف مطالبها الذي لا يحقق الإجماع وسط النخبة السياسيّة ولا بين الجزائريين، ما يجعل انسحابها عاملاً مسهّلاً للتناغم على قاعدة الفرز المطلبي.

ربّما لم ترقَ توصيات المنتدى إلى تطلعات البعض، كما أنها جانبت توقعات الآخرين بشأن التنازلات المطلوبة، لكن ضبابيّة المشهد تجعلها مقترحاتٍ واقعية ومرنة قابلة للتجسيد والتفاوض مستقبلا، إذا ما صدقت السلطة في تلبية شروطها الأساسيّة.

وإذا عدنا إلى مرتكزات ورقة المنتدى المعلنة السبت الفائت، فقد رحّبت بإدارة الحوار الوطني من طرف هيئة توافقية مستقلة، مثلما تعهَّد بذلك رئيس الدولة في آخر خطاب، وهذا يقتضي أن تكون ممثلة فعلاً في شخصيات وطنيّة، لها مصداقيّة شعبيّة، ومشهود لها بالإصلاح ونظافة السيرة والمسيرة، وأن توفّر السلطة شروط الحريّة والجديّة لإجراء الحوار، والأهمّ أن تلتزم بكل وضوح بتنفيذ المخرجات كيفما كان موقفها منها.

وفي المسألة الثانية، أكد المنتدى على إنشاء لجنة تقنية توافقية، لصياغة الإطار القانوني للهيأة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات، وهو بذلك يسحب البساط من تحت أرجل الإدارة كليّة، ليس فقط من التحكّم في مجريات العملية الانتخابية، بل جرّدها من حقّ الإنفراد بنسج القوانين الناظمة لها على المقاس، عبر إملائها فوقيّا بواسطة تزكية برلمانيّة لنوّاب لا يحوزون شرعية التمثيل الشعبي.

وبخصوص مصير نور الدين بدوي وفريقه الوزاري، فإن القضية محسومة لدى الحَراك والمنتدى على السواء، وقد جاء البيانُ الختامي مشدّدا على تعيين حكومة كفاءات لتحضير انتخابات رئاسية حرة وشفافة في آجالٍ معقولة، ما يعني أنّ على السلطة ربح الوقت أمام الجزائريين، والمسارعة في ترحيل الطاقم الوزاري لتسهيل التقارب حول رأس الدولة.

كما تفطّن المنتدى إلى تأثير المسؤولين المتورطين في الفساد خلال حكم النظام البائد، من دعاة العهدة الخامسة وداعميها، فطالب بإبعادهم من تسيير وتحضير الانتخابات الرئاسية المقبلة، ونظنّ أنّ الكثير من تلك الرموز هي اليوم رهن الحبس والمتابعات القضائيّة، وعلى السلطات العليا والمختصّة استكمال الإجراءات والقرارات لعزل كلّ المشتبهين من بقايا الدولة العميقة والعصابة، وإن اقتضى الحال تنفيذ حركةٍ واسعة قبل استئناف الانتخابات في سلك الولاة ورؤساء الدوائر والقضاء والأمن وسواهم من مراكز النفوذ الإداري، لتطهير الميدان من أعوان التزوير المحلّي.

بقيت نقطة الخلاف الجوهرية وهي مستقبل رئيس الدولة عبد القادر بن صالح في ظل الانتقال الحالي، ومعلوم أن الجيش رافض تمامًا للفراغ الدستوري والمؤسساتي، في وقت تمسّك المنتدى بتعويض رموز النظام التي ما تزال على رأس مؤسسات الدولة بشخصيات توافقية.

ونعتقد أن تحرير هذه الفقرة بصياغة مرنة ولبقة دون تشخيص، قد يؤشر على استعداد المشاركين في لقاء السبت للتفاوض حول بقاء بن صالح، بشرط أن تُقدم السلطة فعليّا على تجسيد كافّة المطالب السالفة على أرض الواقع، لكن في السياق القائم، ربّما يحقّ لهم عدم توقيع صكّ على بياض، بالتنازل المجاني، حتّى تتأكد النيّات الحسنة المعبَّر عنها.

مقالات ذات صلة