الرأي

الكسكس والراي

ح.م

يطالب جزائريون عن حسن نية، وبوطنية جارفة على مواقع التواصل الاجتماعي، بتحرك إيجابي من وزارة الثقافة لأجل دعم طبق الكسكس وطابع أغنية الراي، بعد أن لاحظوا بأن دولا مجاورة صارت لا تتردد في تبني بعض الأطباق الجزائرية والأغاني المتوارثة من جيل إلى جيل، ويطالبون بدعم قوي في الهيئات الدولية وعلى رأسها اليونيسكو لتثبيت ملكية الجزائر لهذا الموروث الثقافي والاجتماعي. ولا ندري ما فائدة أن تعترف منظمة عالمية بملكيتنا للكسكس أو الراي، ونحن لا نقدِّم الاعتراف الحقيقي المحلي للكثير من تراثنا ونفضل عليه كل ما جاءنا طائرا أو زاحفا، وليس للكسكس والراي فقط؟ والمقصود بالحقيقي هو أن نطوّر أنفسنا في مجالات الثقافة والسياحة ونقدم أعمالا تلفزيونية وسينمائية كبيرة تكون معجونة بما نملكه من تراث.

ولن نكشف سرا إذا قلنا إن الأعمال الفنية المصرية التي قدَّمت أغاني الراي واعترفت بجزائريته، أكثر من الأعمال الجزائرية، وإن الأجانب الذين صوّروا ونشروا مناظر المناطق السياحية في الجزائر من شرقها إلى غربها وجنوبها هم وحدهم من قدّموا إشهارا لسحر الجزائر، بل كانوا أكثر فعالية من وزارات السياحة المتعاقبة التي تستهلك المال الكثير ولا تستقدم سائحا أجنبيا واحدا.

وعندما يفضل مغني الراي إطلاق اسم “الطلياني” و”الجابوني” و”الهندي” على نفسه، ويفتخر به ويسايره الجمهورُ والإعلام ووزارة الثقافة بكل هيئاتها، فكيف يمكننا بعد ذلك أن نقنع العالم بأن أغنية الراي جزائرية، ولا نتحدث عن أهل إيطاليا واليابان والهند؟ وعندما نرى في مسلسلاتنا وأفلامنا على قلتها أطباق المعكرونة والهامبرغر والبيتزا، فكيف نكون سندا لطبق الكسكس الذي من كثرة مرق وبهارات وتوابل جيراننا تغيَّرت رائحته ولونه وحتى مذاقه؟

الجزائريون الذين يسافرون بالملايين إلى الشقيقة تونس يلاحظون ما فرَّطنا فيه من تراث، فحتى دقلة نور وجدت من يتبناها في تونس، أما في الأسواق الشعبية والسياحية في نابل وسوسة فإنك ستجد كل ما هو من تراث الجزائر ولكن بتبني تونسي أمام أعين وإعجاب الملايين من السياح الأوروبيين، والجزائريون الذين يتابعون قنوات الشقيقة المغرب يلاحظون كيف تُلبس الطبوع الغنائية الجزائرية والألبسة التقليدية القادمة من قسنطينة وتلمسان اللونَ المغربي مع سبق إصرار وترصُّد وصمت مطبق من الجزائريين.

يقام سنويا في ولاية ميلة مهرجانٌ لطبق الكسكس، ولكن ما يعاب عنه هو أنه مهرجانٌ لذرف مزيد من السيول المالية من دون الرُّقيّ به إلى الثقافة التطويرية، كما كان يقام مهرجانٌ للراي بين وهران وسيدي بلعباس ولكنه لم يتعدَّ تحريك الأبدان في رقص على أنغام الموسيقى، من دون تحريكٍ للأفكار التي لا تدافع عن الراي فقط، وإنما تنقله إلى مزيد من التألق وتثبِّته كفن عالمي بكلمات راقية وموسيقى إبداعية ويُبعد عنه ما ينفّر ويخدش الحياء والذوق العام، وواضحٌ بأن المهمة تتطلب اتحادا قويا بين القمة والقاعدة.

مقالات ذات صلة