الجزائر
ما لم تنقله مذكرات بن جديد وشهادات نزار، فجرتها اعترافات علي هارون

اللقاءات الأربعة التي أنهت حكم الشاذلي

الشروق أونلاين
  • 46456
  • 103
ح/م
الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد مع وزير دفاعه خالد نزار

لم يشف ما سُرّب لـ”الشروق” من مذكرات الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، غليل الرأي العام في الداخل والخارج، بشأن اللغز الذي رافق مغادرة ثالث رئيس للجمهورية الجزائرية، قصر المرادية..

المعلومات التي حملتها مذكرات الرئيس الراحل، والتي ينتظر أن يرى جزء منها النور في نوفمبر المقبل، تلتقي مع ما جاء في محاضرة ألقاها العام 2008 بمسقط رأسه في الطارف.. وتتفق مع تلك التي صدرت عن وزير الدفاع السابق الجنرال خالد نزار، عندما نفى أن يكون بدوره قد تعرض بالضغط لرئيسه السابق، لحمله على الاستقالة.

ردود نزار على التهم الموجهة إليه بهذا الخصوص، لم تتوقف منذ ما يقارب العقدين، ولعل أبرزها تلك التي تضمنها كتاب: “الجزائر.. جانفي 1992 يوم سقط القناع عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، ومما جاء فيه: “الفكرة القائلة بأن رئيس الجمهورية (الشاذلي بن جديد) كان ضحية الجيش الذي أجبره على تقديم استقالته عنوة”، غير صحيحة”، واستشهد: “وها هو الرئيس نفسه، يصرح في 28 نوفمبر 2008 (محاضرة الطارف)- بما لا يرق إليه الشك- بأنه استقال من تلقاء نفسه وعن وعي ودون أي ضغط من أي شخص أو طرف كان.. فعلى ضوء هذا التوضيح الهام- وإن جاء متأخرايبدو من الحري والمفيد أن نرد بعض الحقائق إلى نصابها”، بحسب ما تضمنه الكتاب.

وأضاف نزار: “إذا كانت استقالة رئيس الجمهورية قد بدرت منه فعلا، فإن فرضية الانقلاب تلغي نفسها بنفسها.. وإن إلغاء الدور الثاني من الانتخابات لم يكن معناه تعليق الديمقراطية، بدليل أنه لم يتم الحد من نشاطات الأحزاب السياسية ولم يعلق الدستور“.

غير أن شهادة أخرى، على قدر كبير من الأهمية، كونها صادرة عن رجل تقلد مسؤوليات سامية في تلك الحقبة، ذهبت إلى غير ما قاله الشاذلي بن جديد، وما صرح به الجنرال خالد نزار، وأكدت بأن الرجل فرضت عليه الاستقالة وانساق إليها تحت الضغط.

صاحب هذه الشهادة هو وزير حقوق الإنسان وعضو المجلس الأعلى للدولة سابقا، علي هارون، الذي حرص على تدوين أدق تفاصيل الأحداث التي جرت على مدار الأيام المعدودات التي كانت فاصلة بين تاريخ الدور الأول للانتخابات التشريعية 26 ديسمبر 2012 و11 جانفي 1992، تاريخ إعلان الرئيس الراحل لاستقالته عبر التلفزيون الرسمي.

ويروي وزير حقوق الإنسان 1991 / 1992 في حكومة سيد أحمد غزالي، في كتابه “التوضيح.. ترقية حقوق الإنسان ومخاوف 1991 / 1992، الصادر عن “دار القصبة” العام المنصرم: “أول اجتماع لمجلس الحكومة بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية، لم يكن كغيره، جرت العادة أن يقدم رئيس الحكومة جدول الأعمال قبل أن يعطي الكلمة للوزراء. بعضهم انتقد جبهة التحرير الوطني على خلفية رفضها نظام الاقتراع النسبي الذي اقترحه سيد أحمد غزالي، فيما ذهب البعض الآخر إلى تحميل النظام مسؤولية الوضعية التي آلت إليها البلاد، والتهديدات الكبيرة التي تواجه وحدتها”.

اتفق وزراء حكومة غزالي، كما جاء في الكتاب، على أن استمرار العملية الانتخابية إلى الدور الثاني، كما جاء في الكتاب، يعني سقوط الدولة بين أيدي الأصولية الإسلامية، التي ستقودنا إلى عصور الظلامية مع احتمال نشوب حرب أهلية”، ومن هنا اتفق الجميع على ضرورة وقف المسار الانتخابي، وكان في مقدمة المتحمسين لهذا الخيار الوزيرتان ليلى عسلاوي وأنيسة بن عمر”.

بعدها تناول الكلمة وزير الثقافة والاتصال أبو بكر بلقايد (اغتيل في 1995) ليقول بأن النقاش يجب أن يتجاوز الحديث عن وقف المسار الانتخابي الذي أصبح مفروغا منه، إلى البحث عن الوسائل التي تؤدي إلى ذلك، وقد جاء تدخل الجنرال نزار-حسب المؤلف- لينتقل إلى الملموس، فظهرت إلى الوجود لجنة رباعية مكونة من وزيرين هما أبو بكر بلقايد (وزير الاتصال)، ومؤلف الكتاب علي هارون (وزير حقوق الإنسان)، وجنرالين هما عبد المجيد تريغت ومحمد تواتي، للتفكير في الحلول الممكنة.

يقول علي هارون: “شرعت اللجنة في البحث عن مخرج دستوري لوقف العملية الانتخابية، فركزت عملها على المادة 84 من دستور 23 فيفري 1989، التي تتحدث عن مخرجين، الأول يخص عجز الرئيس عن أداء مهامه لأسباب مرضية خطيرة ومزمنة، والثاني الاستقالة أو الوفاة.. وفي الأخير اهتدت المجموعة إلى خيار الاستقالة الإرادية. ويعترف علي هارون، بأن نزار شرع في اتصالات مع الشاذلي بداية من 28 ديسمبر (يومان بعد ظهور نتائج الدور الأول)، تبعه لقاء ثان لم يكشف عن تاريخه، خلف انطباعا بأن الرئيس سيقوم بمبادرة، أما اللقاء الثالث فكان في 6 جانفي، وأكد: “ومنذ اللقاء الرابع فرضت الاستقالة بوضوح على الرئيس لتفادي أية مغامرة”.

ويروي هارون أن اللقاء الرابع بين نزار والشاذلي تم بحضور أحد أقرب أصدقاء الشاذلي الشخصيين، ممثلا في الجنرال أحمد جنوحات (متقاعد)، وفيه اتصل الرئيس الراحل بقائد الحرس الجمهوري ديب مخلوف، من أجل ترتيب إعلان الاستقالة والانسحاب من الحياة السياسية. وهنا يخلص المؤلف إلى القول: “بعد التزام الرئيس بتقديم استقالته، دعيت اللجنة الرباعية لتحرير الاستقالة التي تليت عبر الشاشة، ويضيف: “طبعا، بالنسبة إلى الرأي العام الوطني والدولي، الجيش هو من دفع الرئيس إلى تقديم الاستقالة، رغم تأكيد الشاذلي بأنه قدم استقالته بشكل إرادي لمصلحة البلاد”.

وجدير بالذكر أن الرئيس الراحل قال في محاضرة له في 2008 بالطارف، أنه ندم على وقوفه إلى جانب ضبّاط فرنسا، وترقيتهم رغم رفض قادة القاعدة الشرقية، لنلمس لدى الرجل تحفظ المسؤول الذي يخفي رسالة ثقيلة المعاني، مفادها أن الشاذلي تحسّر على دعم وتمكين نزار ـ الذي يعتبر أبرز الضباط الذين عملوا في الجيش الفرنسي ـ من تقلد منصب حساس كحقيبة وزير الدفاع الوطني.

مقالات ذات صلة