الرأي

اللهم ألّف بين قلوبنا

محمد سليم قلالة
  • 3479
  • 8

غدًا يبدأ حُجّاجنا الميامين في التوجه نحو جبل عرفة لإتمام مناسك الحج. كلهم شوق للوقوف حيث وقف الرسول صلى الله عليه وسلم، والاستماع إلى الإمام يعيد نصحهم وتذكيرهم بأحوالهم الدينية والدنيوية، ولا شك أنهم سيستمعون إلى خطبة جديدة، كما هو الحال كل عام، وفي أذهانهم جميعا تلك الخطبة التي سُميت بخطبة الوداع للرسول صلى الله عليه وسلم.

 في هذه الخطبة، كانت حرمة دم المسلم هي أول ما يوصى به بعد تقوى الله: “أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا”  ولا شك أنها وصية مازالت حيّة ونافعة إلى اليوم.

فالأمة الإسلامية في هذا العيد بالذات في حاجة إلى تذكير نفسها بها قبل غيرها، إذ لا توجد دماء تُسفك في الكرة الأرضية أكثر من دماء المسلمين، في سورية والعراق ومصر وليبيا، واليمن، والصومال، ومالي وغيرها… حتى  كدنا ننسى فلسطين وننسى القدس وننسى المحتل الأجنبي في أفغانستان ولا نكاد نعرف مصير شعب الروهينغا في بورما وميانمار.

بل أن بعضا ممن آلوا على أنفسهم ألا يرتاحوا حتى لا يبقى هناك شعب آمن في هذه الأمة، مازالوا يخططون في السر والعلن، ليُشهر المسلمون السلاح ضد بعضهم البعض بين سلفية وإخوان، حيث لم يكن هناك شيعة، وبين شيعة وسنة، حيث لا يكون هناك إخوان، وبين سلفية وسلفية، حيث لا يكون إلا هؤلاء وبين الوطنية والإسلام، حيث يسود المذهب الواحد…الخ، بحجة تحقيق الدولة الإسلامية عند البعض أو ترسيخ الدولة الوطنية عند الآخر.. وإذا لم يتمكنوا من تبرير سياسة القتل هذه سياسيا أو اقتصاديا أو طائفيا أوجدوا من يفتي لهم ليحققوا مزيدا من سفك دماء المسلمين ضاربين عرض الحائط بنص القرآن الكريم في هذه المسألة وبكافة الأحاديث الصحيحة التي تجعل من أكبر الكبائر: الشرك بالله وقتل النفس، ومانعين الناس، من أية قراءة جديدة لخطبة الوداع في هذا الشأن بالذات.

لقد أشارت هذه الخطبة إلى 9 موضوعات رئيسة على الأقل (الأمانة، حرمة الربا، الإحسان للمرأة، الأخوة، رفض التمييز العنصري، الميراث)، ولكن أول مواضيعها كان “حرمة الدماء”، وعلينا جميعا أن ندرك معنى هذه الأولوية على ضوء واقعنا الراهن… وعلى ضوء ما يعيش جيراننا اليوم وما عشناه من قبل، خاصة وأن بعض الأطراف بدأت ونحن على أبواب وداع سياسي قادم، تنحاز إلى خطاب التطرف وإثارة الضغائن والمس بالأعراض بدل الانحياز إلى خطاب محو الأحقاد والاعتراف بالخطأ والتطلع إلى المستقبل والتأليف بين القلوب في هذه الأيام المباركة، ليس فقط بين الجزائريين إنما بين كافة المسلمين، بل بين كافة الناس.. ألم يكن الكلام موجها في الخطبة لكل الناس؟

مقالات ذات صلة