-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المؤامرة على التربية الإسلامية بين المهوِّلين والمهوِّنين

محمد بوالروايح
  • 1712
  • 9
المؤامرة على التربية الإسلامية بين المهوِّلين والمهوِّنين
ح.م

يجب أن نقر بادئ ذي بدء بأننا نعيش فوضى اصطلاحية عميقة على كل المستويات الدينية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتتجلى هذه الفوضى الاصطلاحية في وضع المصطلحات في غير موضعها أو استخدامها بطريقة فضفاضة أو فظة في بعض الأحيان للتعبير عن رفضنا للرأي الآخر بصورة تبريرية اتهامية والمسارعة إلى ترجيح فرضية المؤامرة.
إن المنطق التآمري هو ديدنُ الذين يضيقون بالرأي الآخر فيعلقون خلافاتهم مع الآخرين في كل مرة على مشجب “المؤامرة” ويبررون عجزهم عن المواجهة ومقارعة الحجة بالحجة بهذا الشكل المثير للجدل، ويصطف هؤلاء جميعا في صف المهوِّلين الذين يحسبون كل صيحة عليهم، الذين لا يرون الآخر إلا متربصا بهم متآمرا عليهم، ويقف في مقابل المهوِّلين المهوِّنون الذين يبالغون في حسن الظن بالآخر ويلتمسون له الأعذار مما يسهِّل عليه احتواءهم، والميل عليهم ميلة واحدة.
إن المؤامرة على التربية الإسلامية حقيقة قائمة، ولكنها تتجلى في مواقف الضالعين بالشأن التربوي بشكل متباين ومتناقض، بين موقف المهولين الذين يرون أن المؤامرة قد اكتملت فصولها، واستحكمت حلقاتها ولم يعد هناك بالإمكان -لحل لهذه المعضلة- أفضل مما كان، وبين موقف المهونين الذين يتقالون المؤامرة أو ينظرون إليها على أنها لا حدث ولا تشكل خطرا ذا بال على التربية الإسلامية.
والحقيقة أننا لا نجاري هؤلاء ولا هؤلاء فيما ذهبوا إليه لأننا نعتقد أن المنطق الواقعي يحتم علينا الإقرار بأن المؤامرة على التربية الإسلامية حقيقة لا يمكن نكرانها، ولكنها ليست بالحجم المضخم الذي يصوره المهولون، ويمكن أن ننزل ذلك على الراهن الجزائري انطلاقا مما قاله جيلالي مساري مدير “الكراسك” بشأن سورة الإخلاص فقد شاب كلامَه كثيرٌ من الخلط وسوق مبتوت، مقطوع من بنيته، وبنيَّة مبيَّتة وضعت الرجل في وجه العاصفة، مع أنه بالرجوع إلى ما قاله يمكن أن نستشف للوهلة الأولى أن الاتهام الذي طاله غير مبرر لأننا لا نجد في كلامه ما يمكن أن يكون دليلا على جحود بالقرآن أو استخفاف به، فلا ضير أن يساق هذا الكلام في حدود الرؤية المنهجية بضرورة التدرج في تلقين القرآن للناشئة فإذا تجاوز ذلك انطلى على صاحبه ولا نملك حينها إلا أن نتبرأ منه ومما قاله براءة الذئب من دم ابن يعقوب، أعتقد أن لسان الرجل هو الذي جلب عليه الانتقادات وحال دون إيصال المعنى المقصود ففُسر كلامه على أنه دعوة إلى إلغاء سورة الإخلاص من كتب الجيل الثاني مطلقا مع أنه استدرك بأن هذا مرتبط بعدم أهلية التلميذ في سن صغيرة لاستيعاب معاني السورة لأن الطفل في هذه المرحلة كما قال يعرف الأشياء المجردة ولا يفهم محتوى السور، ويبدو أن الاتجاه الأنثروبولوجي الذي نهجه جيلالي مساري أعاقه عن إيصال الفكرة بالطريقة التربوية المعهودة ففُهمت على علاتها وتلقفها بعض الشانئين ليجعلوا منها قضية مهووسين بفوبيا حذف آيات من القرآن التي تولى كبرها بعض المفكرين العلمانيين الموالين للفكر الصهيوني .
وقد آنست من كلام الأستاذ عبد القادر فضيل، الإطار السابق بوزارة التربية، كما نقلت ذلك “الشروق اليومي” والعهدة على الراوي كما يقال، كثيرا من التبصُّر والتعقل حينما سُئل عن رده على ما قاله جيلالي مساري فلم يبادر إلى اتهام الرجل ولم يسارع إلى انتقاده أو تصنيفه في خانة المتآمرين على التربية الإسلامية كما فعل بعضهم، ولكنه وطن نفسه وصرح بأنه مع مقترح إلغاء بعض السور في الطور الابتدائي شرحا لا حفظا حتى لا يختلط الأمر على التلميذ وهذا مما تقتضيه مقاصد التربية الإسلامية في المراحل التعليمية الدنيا.
إن الغاية المشتركة التي يجب أن يسعى لها التربويون هي التفرغ لترقية التربية الإسلامية وربطها بجذورها الإسلامية لتكون مرجعا جامعا يعصمها من المسخ الذي يتهددها والذي يباركه كثيرٌ من الذين انسلخوا من جذورهم وهجروا موروثهم، ولا تتفق هذه الغاية في نظري مع منطق الاتهام والجدل المتصاعد حول التربية الإسلامية الذي يجعل منها مادة للتراشق الذي يحول دون حصول التوافق حول المضامين الإسلامية الكبرى التي تجمعنا.
وحينما ندعو إلى ضرورة تحاشي منطق الاتهام والجدل المتصاعد حول التربية الإسلامية، فهذا لا يعني أننا ندعو إلى تبرئة ساحة المتآمرين الذين يُفسدون ولا يصلحون ويضيقون ذرعا بالقيم الإسلامية، أو أننا ندعو إلى غلق باب الاجتهاد، أو أننا نحجر على الآراء فيما فيه مجالٌ للرأي، أو أننا نقبل بصبغها بصبغة معينة وفق إيديولوجيات خاصة يمليها هذا الفريق أو ذاك، فأدْلجة التربية الإسلامية مفسدة مطلقة بل هي الحالقة لأنها ستكون وبالا على التربية الإسلامية ولذلك وجب محاربتها من دون هوادة.
إن حديثنا عن المهولين لحجم المؤامرة على التربية الإسلامية لا ينسينا البتة الحديث عن المهونين من هذه المؤامرة، التي نلمسها في البرامج الغريبة التي وضعت لها والتي لا تتوافق مع طبيعتها، كما نلمسها في محاولات تقزيمها والقضاء على مرجعيتها ورمزيتها أو الإضافة إليها ما ليس منها ولا يتناسب مع خصوصيتها.
يجب أن يفهم المهونون من شأن المؤامرة على التربية الإسلامية أن المؤامرة عليها جزءٌ من المؤامرة على الإسلام التي بدأت مع فلول الكفر الأولى واستمرت مع بطرس الناسك وتستمر مع كل ناعق ومنافق رضي أن يكون أداة في يد دعاة الفكر التغريبي الذي امتد في فراغنا على يقظة أو على حين غفلة منا.
يجب أن يفهم المهونون من شأن المؤامرة على التربية الإسلامية أن أبواق الشرق والغرب ومن لفّ لفّهم لا تتوانى في تقديم التربية الإسلامية في صورة منفرة، في صورة تعاليم عدوانية عنصرية تكرس ثقافة الكراهية أو تؤسس للحرب الدينية.
ويجب على الضالعين في التربية الإسلامية أن يعملوا على شرح أصولها ومناهجها بالطريقة الصحيحة بعيدا عما انتحله المنتحلون الذين عاثوا في مناهج التربية الإسلامية فسادا لا يمكن أن يستأصل شأفته إلا العالمون العاملون الذين يجعلون الدفاع عن التربية الإسلامية واجبا دينيا مقدسا ينفي عن التربية الإسلامية شبهة “الرجعية” و”الأصولية” والعدوانية ويبيّن للناس محاسنها وآدابها التي وسِعت المسلمين والمخالفين قديما وحديثا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
9
  • بسيط

    انظر ماذا قال ابن خلدون في تحفيظ القران الكريم لاطفانا الصغار

  • جزائر العجائب

    لمحمد المهدي صاحب التعليق 2 : والذي يتحدث ويقول كيف للتربية الإسلامية التي تدرس بمعدل ساعة في الاسبوع لتحفيظ سور قليلة أن تكون سبب لفتنة التسعينيات . فساعة واحدة في الأسبوع يا سي محمد بل ساعة واحدة في الشهر أو في السنة بل في عمر بنو آدم كافية لغسل عقول السذج والمغفلين وإقناعهم من قبل : تجار الأوهام والأحلام والدراويش وعشاق الدماء والدموع وأعداء الحياة والذين يتلذذون بالمصائب ويصفقون للكوارث.... أن من فعل كذا وكذا سوف يدخل الجنة ويجد هناك كذا وكذا وكذا وكذا ونحمد الله أن اليوم ليس كالأمس فقد سقطت كل الأقنعة وإقتنع العالم برمته بخطورة هذا النوع من بنو آدم على البشرية جمعاء

  • أستاذ هرب من مدرسة منكوبة

    للمعلق 2 ; لا تلوم الفرنسية فالفتن لدى المسلمين ليست وليدة اليوم بل هي سلوكاتهم عفوا حرفتهم المفضلة منذ نعومة أضافرهم فتاريخهم على مدار 15 قرنا أنهار وسيول من الدماء والا كيف تفسر لنا الصراعات والحروب والفوضى التي بدأت في زمن الصحابة لأسباب وأهداف وأغراض لا يتسع المقام لذكرها وكيف تفسر لنا حادثة مقتل عثمان والحروب بين الأمويين والعباسيين وبين الخوارج والشيعة ...وصولا الى مؤامرات ودسائس هذا الزمان للعرب ضد العرب وكيف تفسر لنا تحريض العرب للغرب ضد العرب وكيف تفسر لنا تمويل آل سعود وآل قطر وأحفاد عثمان بن أرطغرل... للإرهاب في سويا وغيرها أو ما يحدث في اليمن وليبيا ... أمة ضحكت لجهلها الأمم

  • أستاذ هرب من مدرسة منكوبة

    للمعلق 2 : لا داعي للنفاق فلا دخل للفرنسية في قضية فتنة التسعينات فعموم الإرهابيين هم المتشبعين بالخرافات والأساطير والدروشة...وهم الذين رضعوا من حليب التطرف والإجرام ... وكل ذلك مصدره الأفكار والسلوكات التي يدافع عنها أمثالك وأكثر من ذلك كانوا تحت تأثير فتاوي العجائب والغرائب التي كانت تأتيهم من الذين تلقبونهم زورا وبهتانا
    "بالعلماء " كيف لا حين يسمع التلميذ وعمره لا يتجاوز 7 أو 8 سنوات مصطلحات عذاب القبر . الجنة والنار . قاتلوهم ... فنصنع منه قنبلة موقوتة تهدد البلاد والعباد أما الهروب من المدرسة فكان لي بعد أن حل بها أشباه الأساتذة الذين يدافعون عن نفس الأفكار التي تدافع عنها

  • جلال

    لا يجب التفريق بين التربية الإسلامية والتربية المدنية حتى لا يكون هناك إنفصام معرفي وأنا أميل الى المصطلح الأخير لعموميته.إن الإسلام دين دنيوي قبل كل شيء وإن كثيرا من المعاملات والأخلاق وحتى بعض حدوده يطبقها الملحد والكافر دون أن يدري لأنها أصبحت عالمية كعدم قتل النفس مثلا والسرقة والعدالة والوفاء بالعهود وعد نقص الكيل والميزان وإحترام الآخر الخ وهذا ما يجب أن يلقن الى أبنائنا فعندما تسير في الشارع أو تقرأ تعاليق القراء تسمع وترى عجبا من السب والشتم والغمز واللمز فأية تربية إسلامية لقناها لهم في المدارس بل منهم من يزعم الدفاع عن الإسلام بعكس ما أوصاه به الإسلام مما يدل على خلل ما في التربية

  • hamid

    وبالتالي لن تكون هناك فرصة للتركيز على العلوم الحيوية المفيدة في حياة الانسان وتطوره وتطور لغته.
    كل اهتمام العرب ، سيرة الأولين، التفسير، المذاهب ، الصحيح من الاحاديث ، الحلال والحرام ، فتاوى منقضات الوضوء ، وتعدد الزوجات والميراث وووالخ، فلن يكون هناك وقت للتفكير المنطقي في حل المعادلات الرياضية وغيرها من البحوث العلمية. يكفيك مقارنة بين مناهج التعليم في الدول المتقدمة والمتحضرة، ومناهج التعليم في التربية عند الدول العربية لتعرف الحقائق الواضحة.

  • جلال

    أولا ما هى التربية الإسلامية ؟ولماذا يدرس أبناؤنا تربيتان:إسلامية ومدنية وهل الإسلام دين أخروي أو جاء لأهل البرزخ وليس دين دنيوي يخاطب أهل الدنيا ؟ إن هذا التناقض في المفاهيم والتعريفات والمناهج هو مايسبب لنا صداعا وفوضى في المصطلحات والإصطلاحات :يجب أن يكون هناك مصدر أو عنصر انفعالي لبناء المستقبل لكل امة, أن علي المفكرين المسلمين أن يخلصوا الإسلام من ثقل التقاليد المتراكمة فيعود كما كان في البدء تحرير العقل وثورة الفكر وتوظيف الإنسان.علينا إصلاح الفكر الديني أو الفكر المتعلق بالدين لا إصلاح الدين.إن إحترام الآخر وعدم الغش والتزوير والإفاء بالعهود والعقود ,الخ هو مايجب تلقينه للتلاميذ يتبع

  • محمد المهدي

    الاستاذ الهارب من المدرسة يجعل فتنة التسعينات تعود الى التربية الاسلامية التي تدرس بمعدل ساعة في الاسبوع لتحفيظ سور قليلة و تعليم مبادي الشعاير و لا ادري ما نسبة من تطرفوا ممن اخذوا هذه الجرعة الباهتة بالنسبة لعموم الشعب.و لم ير في الفرنسية الطاغية و الظلم الطبقي و السياسي سببا للفتنة.حق لك ان تهرب لانك فعلا كارثة على المدرسة مع امثالك بسبب هذا الوعي العالي

  • أستاذ هرب من مدرسة منكوبة

    المؤامرة على التربية الإسلامية بين المهوِّلين والمهوِّنين ... والحقيقة أن المؤامرة حيكت وتحاك ضد أبنائنا منذ زمان بإستعمال هذه المادة التي حولتهم الى دراويش ومشعوذين ومهرجين ومتطرفين وتكفيريين وتجار للأحلام والأوهام بل الى قنابل موقوتة وإرهابيين أعلنوا الحرب علينا لعشرية كاملة أحرقت الأخضر واليابس ولا تزال آثارها المادية والنفسية والإجتماعية تنخر المجتمع الجزائري ولا ندري الى متى ?