الرأي

المثقف.. موقف

محمد سليم قلالة
  • 2151
  • 7

يمكن أن نفهم تردد السياسي أو رجل الأعمال أو حتى المواطن البسيط بشأن الموقف الذي سيتخذه من استحقاقات انتخابية في حجم الرئاسيات التي تنتظرها بلادنا، ولكنني لا أجد تفسيرا لتردد المثقف عندما يكون متاحا له أن يعرف البرامج والخطوط العريضة الفكرية والسياسية لهذا أو ذاك. ذلك أن هذا الأخير يُفترض أن لا يبني موقفه على التموقع الحزبي الضيق أو على ما يمكن أن يحققه له هذا المترشح أو ذاك من مصالح اقتصادية أو مالية، إنما يبنيه على قناعات تتعلق بخدمة الصالح العام وما يراه هو بعين الباحث أو الجامعي أو المثقف بشكل عام يصب في مصلحة البناء الوطني وخدمة الصالح العام.

وقد أجد مبررا لنفسي وللآخرين عندما نقدم حجة عدم نشر المرشحين المحتملين للرئاسيات لبرامجهم وأفكارهم، وقد ألوم السياسيين على عدم طرح هذه البرامج في متسع من الوقت للرأي العام من أجل الاطلاع عليها واتخاذ موقف منها، ولكنني لا أجد تفسيرا لمن يربط كل موقفه بمعرفة من لديه أكبر الحظوظ في الفوز. وكأنه يقول موقفي سيكون مع الرابح مهما كان، لا تهمني البرامج ولا الأهداف ولا الصالح العام.

هذا الموقف يقلل من مصداقية المثقف، ويؤكد ذلك الطرح القائل بأن أصل المشكلة في البلاد هي غياب النخبة عن الساحة السياسية، وعدم تفاعلها مع ما تعرف من تحديات، وأحيانا تبعيتها المطلقة للسياسي حتى وإن كان عاريا من كل إمكانات ومصداقية.

كان بالإمكان أن نبرر هذا في العقود السابقة عندما كان عدد المتعلمين محدودا ناهيك عن وجود نخبة مثقفة. في تلك الحقبة كان من المقبول أن يجد المثقف نفسه معزولا لأنه يشكل أقلية، أما اليوم فهناك أعداد كبيرة ممن يمكن تصنيفهم في هذه الخانة، وممن لديهم القدرة على أن يكون لهم موقف واع ومسؤول تجاه مستقبل البلاد، تجاه البرامج لا الأشخاص، تجاه أن يكونوا بالفعل العين التي من خلالها يرى الرأي العام الفروقات بين هذا أو ذاك، والعقل الذي يُبدي الرأي في الاستراتيجيات المعتمدة من هذا أو ذاك بل القدوة التي ينبغي أن تُتبع… 

فهل سيتبلور موقف النخبة اليوم؟ أم ستستمر في التشتت “تساند” الرابح، أو تقف على الحياد فتمنع الناس من الرؤية الصحيحة وتصبح بحق السبب الرئيس في بقاء البلاد من غير قدرة على اختيار أفضل طريق، أو على الأقل تصحيح المسار السائد.

 

إن المثقف هو عبارة عن موقف قبل أن يكون تعليما أو ثقافة، أما اللاموقف فهو النقيض التام لوجوده، وإذا ما استمر اليوم كذلك، فتلك هي الإشارة بأن اختياراتنا ستكون دون رؤية، وإذا غابت عنها الرؤية تمت في جنح الظلام وهو ما يخيفنا اليوم أكثر من أي شيء آخر.

مقالات ذات صلة