-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المحامي والمدعي العام الدّولي يوهان صوفي للشروق أونلاين : “قرار محكمة العدل سيزيد من عزلة الحكومة الإسرائيلية” 

حاوره ماجيد صرّاح
  • 818
  • 0
المحامي والمدعي العام الدّولي يوهان صوفي للشروق أونلاين : “قرار محكمة العدل سيزيد من عزلة الحكومة الإسرائيلية” 
صورة شخصية
في شوارع غزة، 2021.

يعتبر المحامي الدّولي ومدير المكتب القانوني السابق لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، يوهان صوفي، أن القضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد سلطات الإحتلال بتهمة الإبادة الجماعية لدى محكمة العدل الدولية “قوية”، وينتظر أن تصدر المحكمة إجراءات احترازية.

في حواره مع “الشروق أونلاين”، المدعي العام الدولي والذي عمل في قضايا متعلقة بالإبادة الجماعية وجرائم الحرب، يتوقع أن يزيد قرار المحكمة في عزلة حكومة الإحتلال على المستوى الدولي حتى ولو لم تطبقه.

الشروق أونلاين : بداية، هل يمكنك أن توضح لنا الفرق بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية والتي ستنظر في الدعوى التي قدمتها جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل”؟

يوهان صوفي : على الرغم من أن محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية محكمتان دوليتان مقرهما في لاهاي بهولندا، إلّا أنهما تختلفان اختلافًا عميقًا في تأسيسهما واختصاصهما.

فمحكمة العدل الدولية، التي أنشئت عام 1945، هي الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة. وتعمل على حل النزاعات القانونية بين الدول ويمكنها تقديم رأي استشاري بشأن المسائل القانونية المقدمة من الجمعية العامة أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما من جهتها، فالمحكمة الجنائية الدولية، وهي هيئة قضائية جنائية، تم إنشاؤها في عام 1998 بموجب معاهدة محددة، وهي ميثاق روما والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2002. وهي مختصة بمحاكمة الأفراد المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية أو جريمة إبادة جماعية على أراضي دولة طرف في المعاهدة أو على يد أحد مواطني هذه الدولة.

وقد تم اللجوء إلى هاتين السلطتين القضائيتين في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وقد تم الرجوع إلى محكمة العدل الدولية من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل رأيين استشاريين : الأول، في عام 2003، أدى في العام التالي إلى صدور فتوى من المحكمة تعلن أن المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة والجدار المحيط بها غير قانونية بموجب القانون الدولي. ويتعلق الطلب الثاني، في نهاية عام 2022، بالتبعات القانونية الناشئة عن استيطان إسرائيل وضمها للأراضي الفلسطينية المحتلة. وهذا الطلب الثاني لإبداء الرأي قيد الدراسة حاليًا. وأخيراً، فإن محكمة العدل الدولية أيضاً هي التي أحالتها جنوب أفريقيا بشكل عاجل قبل بضعة أسابيع للحصول على قرار بشأن انتهاك إسرائيل لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والإجراءات الاحترازية في انتظار هذا القرار.

في الوقت نفسه، يقود المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، تحقيقا في الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في فلسطين، وخاصة في غزة، بعد إحالة من السلطة الفلسطينية في عام 2015. ونأمل أن يتيح هذا التحقيق، الذي فتح رسميا في مارس 2021، إلى الإسراع في إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين عسكريين وسياسيين إسرائيليين.

ما هي العناصر التي تدين سلطات الاحتلال بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين بموجب القانون الدولي؟

الإبادة الجماعية هي مجموعة من الأفعال (جرائم القتل، ولكن أيضًا الاعتداءات الخطيرة على السلامة الجسدية أو العقلية، أو فرض شروط من المحتمل أن تؤدي إلى الدمار الجسدي) ترتكب بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لمجتمع قومي أو إثني أو عرقي، أو جماعة دينية. في دعواها المؤلفة من 84 صفحة، والتي تم تقديمها دعما لطلبها باتخاذ تدابير مؤقتة، توضح جنوب أفريقيا بشكل صارم ومنهجي، لماذا، وفقا لها، يتم إثبات مثل هذه الأعمال ومثل هذه النية فيما يتعلق بما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة.

وفيما يتعلق بأعمال الإبادة الجماعية، تشير جنوب أفريقيا إلى أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، قد قتلوا وجرحوا، وأن الفلسطينيين في غزة يعانون في مجملهم من الصدمة، وتم حرمانهم عمداً من السكن والمياه والغذاء والرعاية الطبية، مما يعرضهم للدمار المادي، كما تحذر الوكالات الإنسانية الموجودة في الموقع منذ أشهر. وفيما يتعلق بنية الإبادة الجماعية، فبالنسبة لجنوب أفريقيا، فيمكن الاستدلال على ذلك من طبيعة السمة المنهجية والواسعة النطاق للأفعال المذكورة أعلاه والتي لا تترك مجالاً للشك حول رغبة المسؤولين الإسرائيليين في التخلص جسديًا من سكان غزة. كما أن خطابات القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، بما في ذلك على أعلى مستوى في الدولة، تظهر أيضا نية الإبادة الجماعية هذه.

وأخيرا، تشير جنوب أفريقيا إلى أن هذه الأعمال هي جزء من سلسلة متواصلة أوسع من التجاوزات والانتهاكات لحقوق الفلسطينيين على مدى أكثر من 75 عاما، مارست إسرائيل خلالها سياسة الفصل العنصري، واحتلت الأراضي الفلسطينية واستعمرتها، ومارست الحصار على قطاع غزة لمدة 16 عاماً، في انتهاك لحق الفلسطينيين في تقرير المصير.

وبالتالي فإن هذه قضية قوية من الناحية الواقعية والقانونية. وأخيرا، يجب التذكير أن الغرض من الإجراء المتعلق بالتدابير الاحترازية هو تحديد ما إذا كان هناك خطر معقول بحدوث إبادة جماعية أو أنها جارية. ولذلك أعتقد أن القضاة سيحكمون لصالح جنوب أفريقيا ويعلنون اتخاذ إجراءات احترازية، كما فعلوا مؤخراً مع غامبيا ضد ميانمار أو أوكرانيا ضد روسيا.

بما أن “إسرائيل” معروفة بعدم احترامها لقرارات الأمم المتحدة، فماذا ستكون نتائج أحكام محكمة العدل الدولية هذه المرة؟

من الأهمية بمكان أن نميز بين القيمة القانونية لقرار محكمة العدل الدولية وإرادة وقدرة “المجتمع الدولي” على تنفيذه. وسيكون قرار المحكمة ملزما لجميع الدول. ولكن سيكون من الصعب بالفعل إجبار إسرائيل على احترامه، خاصة بسبب الفيتو الأميركي في مجلس الأمن.

وأعتقد أن المحكمة ستصدر إجراءات احترازية، وهو ما لن تحترمه إسرائيل، لأنها لم تحترم قرارات الأمم المتحدة العديدة التي اتخذت ضدها. وبالتالي فإنها ستنضم إلى روسيا، التي لم تحترم قرار المحكمة بشأن أوكرانيا في عام 2022.

ولكن من وجهة نظر سياسية ورمزية، فإن هذا القرار قد يزيد من عزلة الحكومة الإسرائيلية على الساحة الدولية. وسوف يجد بعض حلفائها، وخاصة في أوروبا، أنفسهم في موقف دبلوماسي حرج. وسيكون عليهم إما تغيير موقفهم بشكل جذري تجاه إسرائيل، وإنهاء الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري الذي لا يزال سائدا حتى اليوم، أو التضحية بالقانون الدولي الذي يزعمون أنهم يدافعون عنه. وسيكون ذلك بمثابة تدمير النظام الذي كنا نحاول قدر الإمكان بنائه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والغرق في الفوضى.

لماذا انتظر المجتمع الدولي كل هذا الوقت لإحالة هذه القضية إلى محكمة العدل الدولية؟

كما ذكرت سابقًا، فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي أقرب ما لدينا إلى ما يمكن أن يشكل “مجتمعًا دوليًا”، طلبت رأيًا استشاريًا من محكمة العدل الدولية بشأن فلسطين، في عامي 2003 و2022. ولذلك، فالمحكمة داخلة بالفعل بشكل قانوني في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع ذلك، من المؤسف أن جنوب أفريقيا ما زالت في الوقت الراهن معزولة نسبيا في شكواها المرفوعة أمام المحكمة بشأن تطبيق اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. ومن المؤسف واللافت في نفس الوقت أن هذا البلد هو الذي اتخذ هذه الخطوة.

ومن المؤسف أن الدول التي تدعي دعم الفلسطينيين، وفي مقدمتها الدول العربية، وتلك التي تدعي الدفاع عن القانون الدولي، لم تتحل بهذه الشجاعة. في الواقع، ولأسباب أيديولوجية أو جيوسياسية أو سياسية داخلية، فإنها لا تهتم كثيرًا بمصير الفلسطينيين.

ومع ذلك، أجد أنه من اللافت للنظر والرمزي أن جنوب إفريقيا هي التي تقود هذه المعركة القانونية، لأنها دولة شهدت أيضًا الاستعمار والفصل العنصري، وتتمتع بنوع من الريادة في إفريقيا وفي داخل “الجنوب”. نظراً لانتقالها الناجح إلى الديمقراطية ودورها المهم بين دول “البريكس”. وعلى نحو ما، تحمل جنوب أفريقيا اليوم شعلة الدفاع عن حقوق الإنسان والقانون الدولي.

منذ الـ7 أكتوبر وأنت واحد من أبرز الأصوات المدافعة عن قضية الفلسطينيين في فرنسا. ما هو سبب التزامك بهذه القضية؟

إن النهج الذي أتبعه هو جزء من نضال أوسع من أجل العدالة واحترام القانون الدولي، وخاصة حقوق الإنسان، والذي لا يقتصر على حقوق الفلسطينيين. كنت في أوكرانيا منذ مدة لتوثيق الجرائم المرتكبة هناك. ولكنني على قناعة بأن فلسطين هي المقياس لمصداقية خطاب «المجتمع الدولي» حول هذه القضايا. ففي فرنسا، على سبيل المثال، تظهر ازدواجية ونفاق بعض وسائل الإعلام والسياسيين فيما يتعلق بفلسطين، مقارنة بالصراعات الأخرى.

وفي رأيي أن من يدافع حقاً عن القيم الإنسانية والعالمية لا يمكنه أن يظل غير مبالٍ بالمأساة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. لم يعاني هؤلاء الناس من الاستعمار والقمع والحرمان من حقوقهم الأساسية لعقود من الزمن فحسب، بل تم استغلال مصيرهم أيضًا من جميع الجهات. هذا يثيرني بشدة.

وأخيرا، صحيح أن فلسطين، وغزة على وجه الخصوص، تملك مكانة خاصة في قلبي. أولاً، باعتباري فرنكو-جزائريا، فإن التاريخ الفلسطيني بالضرورة له صدى بطريقة شخصية إلى حد ما. ولكن خصوصا، لكوني عشت هناك لمدة ثلاث سنوات تقريبًا ترأست خلالها المكتب القانوني للأونروا. وهناك التقيت بشعب يتميز بلطف وكرم وصمود وشجاعة لا مثيل لها. إن المأساة التي يعيشها أصدقائي الفلسطينيون تدفعني إلى إدانة الجرائم المرتكبة بحقهم. إن التزام الصمت في هذا السياق سيكون بمثابة خطأ أخلاقي بالنسبة لي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!