الرأي

المحترف والهواة في إدارة استحقاق 2019

حبيب راشدين
  • 1782
  • 3
أرشيف

خمسة ايام فقط تفصلنا عن آخر موعد دستوري لدعوة هيئة الناخبين بعد ان أحبط مسار التمديد، وأسكتت دعوات الاستجداء “الملغم” بالمؤسسة العسكرية لستر عورة مجتمع سياسي متهالك فاقد للبوصلة، وأخيرا إقامة الشاهد المادي على التصحر الذي يعاني منه المشهد السياسي المصاب بالخرف وبالشيخوخة المبكرة.

وبالنظر إلى نصف الكأس المليان، نسجل بلا مراء إحباط محاولة التمديد عبر أكثر من صيغة حركت لها ملاحق السلطة في الموالاة والمعارضة، أثبتت لنا بعد الأحزاب وقياداتها عن مواطن صنع القرار، واشتغالها برجع الصدى لما توحي به لها “الحناجر العميقة” دون تثبت أو تمحيص، فكان ما حصل توريط حزبي “تاج” و”حمس” في الترويج لمسار التمديد قبل أن تسكتها الخرجات الإعلامية الثلاث لمؤسسة الجيش، التي كانت تستهدف أطرافا من متقاعدي الجيش من مخلفات عهد دولة “الدي إير إيس” وردع بقاياها المتخفية في مختلف الأسلاك الأمنية والإدارات الكبرى وفي المؤسسات الحزبية والمجتمع المدني.

وإذا كان متوقعا لموعد الأربعاء القادم أن يغلق نهائيا باب المضاربة على فرص التمديد التي باتت دستوريا مستحيلة، فإن الجدل حول العهدة الخامسة سوف يتواصل حتى نهاية المهلة الدستورية لاستلام المجلس الدستوري لملفات الترشيح، تبقي الأحزاب في حالة ترقب وتوجس من ترشيح خامس للرئيس، مع أن كثيرا من المؤشرات الموضوعية تميل بالتحليل إلى استبعاد عهدة خامسة تضمر بالضرورة استمرار حالة “الشغور” الفعلي في موقع الرئاسة، في زمن تحتاج فيه البلد إلى حضور قوي اقليميا ودوليا لمواجهة تحديات أمنية واقتصادية غير قابلة للاستشراف، وفوق ذلك الحاجة إلى استعادة القدرة على الحركة السريعة والقوية لاحتلال موقع محمود في ما يجري من مناورات لإعادة بناء التحالفات، وتقسيم العمل، وإدارة الأزمات الدولية.

وسواء استبعد هذا الخيار، أم تم إعادة تأهيله في الربع ساعة الأخير، فإن الساحة قد أفرغت بالكامل من فرص مشاغبة النظام داخليا وخارجيا، مع ما يعاني منه المشهد السياسي من تسفل وقصور مخز أقصاه من اللعبة، وسفهه امام الرأي العام، وحرمه من فرص صياغة برنامج بديل أو التوافق على مرشح قادر على المنافسة.

وعلى المستوى الاجتماعي ليس في الأفق مخاوف تذكر من تسخين خارق للساحة الاجتماعية، حتى مع وجود بؤر مستدامة له في قطاعي التعليم والصحة هي تحت السيطرة مع امتناع فرص الاستثمار السياسي فيها، خاصة وان قانون المالية قد استبق الركبان بتجميد قطار الزيادات الجبائية، وضمان تموين جيد للأسواق، وبداية انتعاش جديد لأسعار النفط التي تسمح للدولة بمواصلة شراء السلم الاجتماعي.

خارجيا، وباستثناء التهديدات الأمنية الوافدة من دول الساحل بتحريك مريب لموجات الهجرة المسيرة عن بعد، فإن القوى المرشحة تقليديا للمشاغبة على الاستحقاقات الرئاسية، هي اليوم منشغلة بإدارة أزماتها الداخلية (حركة السترات الصفر في فرنسا، والمواجهة المتصاعدة بين ترامب والكونغرس) تمنعهما من المقامرة بضرب الاستقرار في بلد محوري يلعب أدوارا متقدمة في ضمان الاستقرار في عموم دول شمال افريقيا والساحل والحوض الغربي للمتوسط.

وفي الجملة يبدو ان النظام قد نجح حتى الآن في إدارة الوقت، وإشغال خصومه في الداخل والخارج، وشلّ حركتهم بتصنيع اكثر من بؤرة قابلة للإدارة، وحسن الاستثمار في مخاوف وهمية من ترشح الرئيس لعهدة خامسة تغلق لعبة التداول، حتى وإن ثبت استحالة قدرة المعارضة على منافسة أي مرشح آخر للنظام في منازلة تكون مؤمنة من العبث والتزوير.

مقالات ذات صلة