الرأي

المرضى في إضراب؟!

محمد حمادي
  • 486
  • 3

الإضرابات التي اجتاحت عديد القطاعات الحساسة في البلاد وعلى رأسها الصحة جعلت الجميع في هذا البلد يلبس ثوب الضحية ويلتحف رداء الظلم وهضم الحقوق وسائر صنوف التجاهل والتهميش، في مشهد يتهم فيه الجميع الجميع؛ فغاب صوت العقل والحكمة، ليؤرّخ أصحاب المآزر البيضاء، هذه المرّة، رفقة وزارتهم لفصل جديد من فصول التعنت، أدخل القطاع برمتّه في نفق مظلم وبات ينذر بانفجار وشيك، سيدفع ثمنه المرضى غاليا بالعملتين السّهلة والصّعبة!
المرضى الذين جاءهم إضراب الأطباء المقيمين بياتا، فعانوا الأمرين في الهياكل الاستشفائية طيلة السبع الأشهر الماضية بسبب اضطراب مواعيد الفحوصات وتأخرها، هاهم الآن يصدمون بخبر آخر لا يقل إيلاما عن سابقه، بعدما انتقلت نقابة الأساتذة الاستشفائيين الجامعيين إلى السرعة القصوى في إضرابها؛ فلم تكتف بمقاطعة المحاضرات والامتحانات بكليات الطب، بل زادت عليها بتقليص الخدمات في مصالح الاستعجالات وعدم ضمان الحد الأدنى من الخدمات بالمستشفيات الجامعية.
لماذا كلّ هذا التعنت بين الأطباء ووزارتهم؟ لماذا لا يأتون إلى كلمة سواء بينهم، لا غالب فيها ولا مغلوب، لا فضل فيها على أحد، يبتعدون فيها عن العنف ويجنحون إلى لغة الحكمة والتعقل؟
للأسف، غابت لغة الحوار وحلّ محلّها التصادم؛ وزارة الصحة تعتبر الإضراب غير شرعي وتتهم الأطباء باتخاذ المرضى كرهينة وورقة ضغط لتحقيق مطالبهم، في حين يواصل أصحاب المآزر البيضاء حركتهم الاحتجاجية ضد ما وصفوه بسياسة الترقيع التي يدفعون ثمنها حاليا.
لكن أين محل المرضى من إعراب هذا الشد والجذب بين الأطباء والوزارة الوصية؟ من يتحمل معاناة أولئك الذين يكابدون آلام المرض ومع ذلك يفضلون الموت بين أهلهم على أن توصد أبواب المستشفيات في وجوههم؟ أيّ طعم للحياة عندما يفضل المرضى في هذا البلد الرحيل عن الدنيا على أن يُمسح بكرامتهم الأرض في استعجالات طبية لا تؤمّن لهم حتى حقنة تسكّن آلامهم؟
الحقيقة المرة هي أنّ منظومتنا الصّحية متهالكة، منذ زمن بالرغم من توفر المستشفيات على أحدث التجهيزات الطبية في مجال الفحص وتشخيص الأمراض، ووجود أطباء وجراحين يجرون عمليات معقدة للمرضى في أفخم وأكبر المستشفيات ببلدان الغرب، إلا أنّ سياسة التسيير العرجاء للهياكل الاستشفائية، هي من وضعتنا في ذيل ترتيب الأمم من ناحية الرعاية الصحية، وقبرت كل الجهود للنهوض بالصّحة التي ما زالت ترقد في غرفة الإنعاش.
إذا كانت كبريات المدن في البلاد التي تتوفر على مراكز استشفائية جامعية لم تقو على تأمين خدمات طبية في المستوى للمرضى، فكيف هو حال المنفيين في المناطق النائية، التي لا تتوفر حتى على قاعة علاج، تقدم فحوصات عادية.
المشكل أعمق وأخطر، وما يعانيه عدد هائل من المرضى في القرى والمداشر في الجزائر العميقة أفظع ممّا نتصوّر، حيث الدواب تعوّض المركبات في نقل المرضى إلى مستشفيات برتبة قاعات علاج تفتقد لأدنى شروط التكفل الطبي.
وأمام هذا الوضع البائس، حان دور المرضى ليدخلوا هم أيضا في إضراب عن التداوي، رافضين العلاج في مستشفيات “السويد” ولسان حالهم يقول:”ارتاحوا لن نأت إلى المستشفيات، لن نطرق أبوابكم ولن نزعجكم، سنموت في صمت بين ذوينا”.

مقالات ذات صلة