المسكّنات لا تعالج السّرطان
الإجراءات المستعجلة التي سارعت بها السّلطات العليا لإخماد احتجاجات تڤرت والمتمثلة في إقالة بعض المسؤولين والتكفّل بعائلات الضحايا، لا يمكن إلا أن تكون مسكّنا ظرفيا للانفلات الذي حدث، وما أعقبه من احتقان وغضب لدى سكان المدينة، لأنها عالجت أعراض المرض المستشري محليا ووطنيا وليست حلا جذريا لمشاكل التسيير.
لماذا لم تتحرك السلطات لمعالجة المشاكل التي كانت مطروحة قبل انفجار الوضع بسبب تجاوزات مافيا العقار الذين سيطروا على مساحات شاسعة تحدث عنها تقرير لأعيان المنطقة وأرسل إلى وزارة الدّاخلية؟ وهل يُعقل أن يُسيطر ذوو النفوذ والأيدي الطّويلة على أرض كان المواطنون يطالبون بأن تكون توسعة للمقبرة؟ وهل وصل الأمر إلى التّضييق على النّاس وهضم حقوقهم حتى بعد مماتهم!!
وإذا استمرت السّلطات في التّعامل مع الهزات التي تضرب الولايات بهذه المنهجية من دون محاولة استئصال المرض الذي عشش في الإدارة على كل المستويات، فإنّ كل المؤشرات تؤكد أن الأزمات والاهتزازات ستستمر لأن مسبباتها قائمة.
وهي الحقيقة التي ذكرها فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية الوطنية لترقية وحماية حقوق الإنسان، قبل سنوات، حين قال إنّ الفساد تحوّل إلى رياضة وطنية، أي إنه يمارس على كل المستويات وفي كل القطاعات.
كم تقريرا مماثلا لتقرير أعيان تڤرت أُهمل؟ وكم شكوى تقدم بها مواطنون مظلومون نُسِيَت في أدراج المسؤولين؟ أم إن السلطات لا تتحرك إلا إذا قام المواطنون بقطع الطريق، ودخلوا في صدامات مع قوات الأمن؟
بهذه الطريقة تمّ التّأسيس لعلاقة غريبة بين المواطن والإدارة، تقوم فيها الإدارة بقطع الأرزاق ومنع الحقوق عن أصحابها، وبالمقابل يقوم المواطن بقطع الطّريق.. وهي مفارقة لا تحدث إلا في الجزائر.
إذا استمرت السّلطة في معالجة الأزمات بتقنية التّخدير الموضعي، والبحث في كل مرة عن كباش الفداء، فلن تهدأ الأوضاع بل تزيد حدة الاحتجاجات، وتتعاقب الأزمات، لأن الاستمرار في التعامل مع المشاكل الحقيقية بطريقة دفن الرأس في الرمال يضخمها ويحولها إلى قنابل موقوتة تهدد الاستقرار والسلم الاجتماعي.
على السلطة أن تدرك أن تهميش الهيئات الرّقابية، وتقزيم المجتمع المدني، وتتفيه الأحزاب وتركيعها، وراء حالة الخواء المؤسساتي التي نعيشها، فلا المجلس الشعبي الوطني برلمان حقيقي يقوم بمهمة التشريع والرقابة، ولا المجالس الشعبية والبلدية هيئات فعلية تقوم بواجبها في التنمية المحلية، واختصرت الدولة كلها في الإدارة التي عشّش فيها الفساد ولا كاشف له…