جواهر

المصيبة إذا عمّت فالكارثة قد حلّت!

أماني أريس
  • 7581
  • 19
ح.م

علّمونا في الصّغر أن المسلم لا يكتمل إسلامه ولا يتوثّق إيمانه إلا إذا أحب الخير لأخيه المسلم مثلما يحبّه لنفسه، وبنفس الدّرجة، مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه} متفق عليه. لكنّنا كبرنا فوجدنا أن مجتمعنا يعيش بقاعدة ” إذا عمّت خفّت ” وهي قاعدة تناقض في جوهرها ما تعلّمناه في صغرنا. فالمسلم الذي يحبّ الخير لغيره فعلا مثلما يحبه لنفسه؛ لا تخفّ مصيبته إذا عمّت على إخوانه المسلمين بل تصبح أضعافا وهذا قول المنطق!

وكتعريف أكاديمي للقاعدة؛ هي حالة من الرّضا والتسلّي تنتاب الفرد في حال شمولية مشكل أو مصيبة، عكس ما لو كانت قد حلت به وحده، وهنا تسقط قيمة من بين القيم الأخلاقية لديه وهي حب الخير للغير دون رهنه بضرورة تحققه لديه، كما تبرز بشكل واضح علّة أخلاقية أخرى وهي قصر النظر ومصلحة الذّات ولو على حساب أمة برمتها.

وفي عالمنا نحن النّساء صادفتني الكثير من المواقف التي تجسّد المعنى بشكل جليّ، إذ قلّما تجد واحدة فشلت في جانب من حياتها تتمنى ألّا تفشل الأخريات مثلها، ومن بين المواقف التي عايشتها  أن إحدى الجارات كانت تنتظر نتائج شهادة الباكالوريا على أحر من الجمر، وعن غير وعي كانت تصرّح أن رسوب اِبنتها سيكون نصف مصيبة إذا رسبت اِبنة جارة أخرى. وقصص عديدة لمطلقات يتمنين طلاق غيرهن، وأخريات تأخر نصيبهن في الزواج يقمن المآتم لزواج معارفهنّ، وهناك من تنشغل عن همومها ومشاكلها المتراكمة بامتهان الحشرية والنبش في خصوصيات الأخريات عساها تسمع ما يخفف من وطأة مصابها …

 وكلّها سلوكيات تنمّ عن شخصيات لا تعرف الاستقلالية، ولا تؤمن بالابتلاء الفردي، لأنها ببساطة تعيش في شرنقة الضعف، والذهنية الارتكاسية الجامعة، فبدل أن تبحث كل واحدة من هؤلاء لنفسها عن حلول لمشاكلها، وتشحذ همتها لتنهض من كبوتها أكثر قوة، أو عن نشاطات نافعة تحقق لها النجاح على صعيد آخر؛ تجدها تنشد عزاءها في اشتمال المصيبة على غيرها.

 المصيبة إذا عمّت فالكارثة قد حلّت، وموازين المجتمع قد اِختلّت، والمصلحة العامة قد اِعتلّت. لذلك يجدر بكل عاقل أن يحدث كوة في قوقعة المجتمع ليرى الحياة بفضائها الواسع، ويملا روحه بالرضا والقناعة بما قدره له الله تعالى، ويسعى بكل ثقة وعزم على تصحيح مساره واستدراك أخطائه، بدل أن يربط مصيره وسعادته وتعاسته بالآخرين، ويحرق أوراق عمره في التلصّص والتجسّس على حياتهم.

مقالات ذات صلة