اقتصاد
خبراء طاقويون واقتصاديون وناشطون يؤكدون في ندوة "الشروق":

المغالطات تلغّم قانون المحروقات.. والاستغلال السياسي يفرض التأجيل

الشروق أونلاين
  • 5391
  • 11
ح.م

أجمع خبراء طاقويون واقتصاديون وناشطون، في ندوة “الشروق” على أن الجدل المحتدم حول مشروع قانون المحروقات مصطنع في كثير من أبعاده، وتغذيه أطراف كثيرة لها أهداف سياسية على علاقة بالوضع القائم.

وبغض النظر على المزايا التقنية التي يقرها المشروع وفق موقف المدافعين عن فحواه، أو النقائص التي ينبه إليها المتحفظون عليه، فإن المشاركين يعتبرون أن الأصل هو ترك الملف لأهل الاختصاص للنقاش بعلميّة، وفي أجواء هادئة بعيدة عن الشحن الاجتماعي والتوظيف السياسي، ومع ذلك فقد ثمن ضيوف “الشروق” تفاعل المواطنين مع القانون، معتبرين ذلك مؤشرا إيجابيّا على الاهتمام بالشأن العام، ودليلا على انخراط الجزائريين عمليا في تقرير مصيرهم مستقبلا، غير أنهم حذروا من استخدام الأطراف السياسية للقضية، واستعمالها في التجنيد الشعبي خارج توجهات القانون. وفي المقابل يتفق أغلب هؤلاء على أن حساسة الملف تجعل من محاولات تمرير المشروع في الظروف الحالية مسألة مرفوضة، لكن المؤسسات السياسية لا تتمتع بالشرعية الشعبية، حتى وإن اعتبر بعضهم أن الأمن الطاقوي للبلاد يفرض عدم تضييع الوقت لأن الرئيس المنتخب والحكومة الشرعية، القادمة هي التي ستتولى فعليا تطبيق القانون.

الخبير الطاقوي مهماه بوزيان:
أطراف نشرت مغالطات في حق مشروع قانون المحروقات

أكد الخبير الطاقوي مهماه بوزيان أن هناك مغالطات عشوائية انتشرت بشكل رهيب بشأن قانون المحروقات، الذي أثار جدلا واسعا في مواقع التواصل الاجتماعي، معتبرا أن القانون يحمل ميكانيزمات ممتازة للاقتصاد الوطني، مشددا على ضرورة استقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار في السوق الجزائري، لأننا نستطيع حاليا من خلال القانون الجديد للمحروقات أن نتفاوض معها في المجال الفني للعقود من موقع قوة.

ودعا مهماه، الذي نزل ضيفا على منتدى “الشروق”، إلى عدم جعل موضوع قطاع الطاقة موضع مساءلة أو مزايدة، لأن الأمر يتعلق بمصير الدولة، ويندرج ضمن أولويات عمل الحكومة التي توصف بحكومة تصريف الأعمال.
وعرّج الخبير الطاقوي على مشكل التمويل والتنقيب عن مكامن جديدة للموارد الطاقوية، قائلا إن القانون الجديد جاء بالعديد من النقاط تتعلق بصفة الامتياز، التي كانت تسمى بعقد الامتياز، المتمثل في أحقية الدولة والشعب في كل ما يتم استكشافه من ثروات، سواء تم التنقيب عنه من طرف شركات وطنية أم أجنبية.

وبخصوص إلغاء الضرائب، قال مهماه إن الفائدة هنا ستعود على شركة سوناطراك في ما يسمى بـ”الفوترة”، لأنّ كل المعاملات ستتم فوترتها للشركة المالكة وهي سوناطراك والشركات الأجنبية لن تدفع مباشرة بمعنى الأسعار تتحكم فيها الدولة.

وأضاف الخبير أن القانون في نسخته الجديدة يعطي حق الشفعة على جميع الأنشطة الطاقوية بما فيها البترول والغاز والفوسفات، في حين كان القانون القديم محصورا على أنشطة معينة فقط.

وقال المتحدث إن الجزائر أمام تحدي تعزيز التوازن الطاقوي بين الاستهلاك الداخلي والتصدير الذي سنعجز عنه آفاق 2030، فإذا كان الفضاء المنجمي الجزائري اليوم يتسم بالجاذبية، فإن ترددنا وتأخرنا أشهرا أخرى سيفقدنا هذه الجاذبية، في وقت تتجه فيه استثمارات عدة شراكات طاقوية أجنبية إلى الحقول الجديدة الواعدة في المستقبل.

الخبير في المناجمانت رضا طير:
لوبيات أفرغت مشروع القانون الجديد من محتواه!

أرجع الخبير الاقتصادي رضا طير سبب رفض قانون المحروقات الجديد بهذا الشكل غير المسبوق إلى تقليص صلاحيات وزير الطاقة في المراقبة والإشراف على الوكالات ومؤسسات القطاع، مطالبا في الوقت ذاته بإرجاع سلطات وكالة النفط مع وكالة الضبط للمحروقات لأنهما العنصران الغائبان في القانون الجديد.

وعاب الأستاذ بالمدرسة العليا للمناجمنت، لدى حلوله ضيفا على منتدى “الشروق”، على الحكومة تقاعسها في مراجعة الإطار القانوني لعقود امتياز المنبع وضبطه، معرجا في الوقت نفسه على علاقة شركة سوناطراك بالشركاء الأجانب وتحديد حالات التراضي البسيطة، داعيا القائمين على القانون إلى الرجوع، بعد رئاسيات 12 ديسمبر المقبل، إلى عقود الدولة، والتنازل على عقود المؤسسة في منح المكامن البترولية.

وأشار الخبير، رضا طير، في حديثه، إلى غياب الرؤية الإستراتيجية للقوانين الاقتصادية المعمول بها، والاضطراب في التشريع، الذي أدى إلى انهيار القيم الاقتصادية، وسيطرة لوبيات ريعية على الاقتصاد الهش في غياب التنافسية.

واعتبر البروفيسور طير مشروع قانون المحروقات في نسخته الجديدة أنه قد جمع الأحكام التي تضمنتها القوانين السابقة، التي لا تزال سارية المفعول تبعا لتوزع المحيطات البترولية، ولمح في هذا، إلى قانون 86/14، وقانون 05/07، وكذا قانون 13/01، التي تضمنت إجراءات تحد من الدور التنظيمي للدولة في ميدان المحروقات، وجعل شركة سوناطراك المتعامل الوحيد والقوي في الميدان، بدل اعتبارها كمتعامل عادي تجاريا يتنافس في السوق الجزائرية كباقي المنتجين الأجانب.

قال إنه يغذي الأطراف المتربصة بالجزائر… الناشط عمار شراير:
“يجب تجميد القانون مؤقتا لأنه يشوش على الرئاسيات”

يرى الناشط عمار شراير أن الوقت والظرف الحالي الذي تمر به البلاد لا يسمح بمناقشة ولا تمرير قانون المحروقات، وأنه ينبغي الانتظار لما بعد الانتخابات الرئاسية لمناقشة هذا القانون من قبل المختصين والخبراء في المجال وتمريره في إطار الشرعية وفي ظل حكومة تحت رئاسة رئيس منتخب من قبل الشعب.

وقال شراير لدى نزوله ضيفا على منتدى “الشروق” إنه ينبغي على النواب تجميد قانون المحروقات الذي سيعرض على المجلس الشعبي الوطني هذه الأيام، لأنه سيتسبب في رفع نسبة العزوف على الانتخابات ويغذي الأطراف المتربصة بالجزائر، مشددا على أن الأنسب للجزائر في هذا الظرف هو فتح نقاش معمق حول القانون من قبل أهل الاختصاص بعد الشرعية.

ولفت المتحدث إلى أن مبرر الاستعجال في تمرير مشروع القانون بحجة الحفاظ على الأمن الطاقوي لن يكون مقنعا لدى الشعب في هذا الظرف الحساس، والذي سيفسر على أساس التعنت و”الخيانة”، وأضاف أنه من المستحسن التعامل بمرونة وذكاء مع القضية، بدل تعقيدها أكثر، ليقول: “نحن مع تجميد القانون مؤقتا إلى غاية تحقيق الشرعية”.
وأكد في السياق على أن الظرف غير مناسب لطرح مثل هذا النقاش ومن قبل حكومة تصريف أعمال وغير مرغوبة شعبيا، متسائلا عن سبب الاستعجال في حين أن الانتخابات لا تفصلنا عنها سوى شهرين، ليكون لدينا رئيس منتخب للجزائر، له قوة شعبية وسلطة اتخاذ القرار، ومن ثم تقديم قانون المحروقات للنقاش أمام حكومة كفاءات للنظر فيه ومناقشته من قبل المختصين.

“سوناطراك لديها طبيعة السطو على المهام”

أكد البروفيسور رضا طير، أن شركة سوناطراك، لديها “طبيعة السطو على المهام”، ومن واجبها تغيير طريقة تسيير أعمالها بإعادة النظر في مناجمنت الشركة، ذلك أن المشاكل التي تتخبط فيها حاليا تبرهن على ضعف سياسة المناجمنت التي تنتهجها، مضيفا أنه يجب على الشركة أن ترجع إلى الأساس، بمعنى أن تحصر نشاطها في المحروقات فقط ولا تتعداه لأنشطة أخرى.

ريعيّون يستفيدون من التحفيزات الجبائية دون جدوى

نوّه الأستاذ بالمدرسة العليا للمناجمت رضا طير، بوجود ثلاث تحديات كبرى أمام الاقتصاد الطاقوي، لخصها في التحدي الجبائي في ظل نقص الجباية البترولية، وتحدي الميزانية التي تعرف عجزا كبيرا مع تزايد المطالب الاجتماعية، بالإضافة إلى تحدي الإنتاج والاستثمار الذي تسيطر عليه البيروقراطية والفساد، وتحكم لوبيات ريعية مستفيدة من التحفيزات الجبائية، ومن القروض والعقار الصناعي، مما جعلها تتغول ويمتد نفوذها إلى التدخل في السياسة وتعيين المسؤولين في المناصب، وهو ما أدى إلى انهيار اقتصادي.

الخبير الجامعي عبد الرحمان عية:
الجدوى الاقتصادية من قانون المحروقات تساوي الصفر!

قال الخبير الاقتصادي عبد الرحمان عية إن الجدوى الاقتصادية من مشروع قانون المحروقات الذي سيعرض على البرلمان قريبا تساوي الصفر، وإنه لن يغير من النموذج الاقتصادي للجزائر ولا الوضع الراهن للأزمة.

وانتقد في السياق النظام الضريبي الذي فرضته الدولة على سونطراك قائلا عنه إن “ما تأخذه الدولة باليد اليمنى تعيد منحه باليد اليسرى”، وأضاف: “البترول سيزول في المكمن”، مطالبا بإعادة النظر في النموذج الاقتصادي للطاقة في الجزائر، من خلال الاستثمار في “الغاز المميع” بدل بيعه بشكله الطبيعي والذي تخسر فيه الجزائر كثيرا، وغالبا ما تضطر إلى بيعه بأقل سعر أو حتى التنازل عنه، لأن إرجاعه للجزائر قد يكلفها أكثر، وقال إن الاستثمار في الغاز المميع قابل للتطبيق في ظرف ثلاث سنوات مستدلا بتجربة قطر وأمريكا.

وأفاد الأستاذ في الاقتصاد بأن البترول في الجزائر هو مادة آيلة للزوال، وبحكم المعطيات الاقتصادية التي تعيشها الجزائر، حيث لن يكون هناك أي بترول للأجيال القادمة كما تم استهلاك كل الاحتياطي في صندوق ضبط الإرادات، فالقانون لن تكون له أي فائدة، لأن معايير السوق الدولية للبترول والغاز ليست هي نفسها.

كما يرى الخبير أن اللجوء إلى الشركات الأجنبية من اجل الاستكشاف غير مهم، حيث يمكن استبدال ذلك بـ”الساتيليت” وتقنية ” 3 دي”، وكشف في السياق عن توفّر شركة سوناطراك على إمكانيات تكنولوجية معتبرة لكنها غير مستغلة بشكل جيد، وأضاف: “يمكن البحث عن آليات أخرى دون شريك أجنبي يستثمر في المنبع”.

نصح باستغلال التكنولوجيا.. عيّة يؤكد:
قدرات الجزائر في البترول لن تجذب أي مستثمر أجنبي

من جهة أخرى، أكد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان عية أن قانون المحروقات على عكس ما يروج له لن يستقطب ولا مستثمرا أجنبيّا، ليصرح: “الشركات البترولية لن تأتي، لأن قدرات الجزائر في البترول غير مغرية”.

وشرح الخبير أن الجزائر تملك احتياطي مؤكد من البترول بقيمة 0.97 بالمئة، وهي نسبة ضئيلة مقارنة بدول عربية أخرى، كالعراق والسعودية والكويت، في مقابل ارتفاع تكاليف إنتاج واستخراج البترول، وهو ما يجعل مشروع قانون المحروقات من دون فائدة ولن يجلب أي مستثمر، وشدد على أن الحل يكمن في اللجوء للتكنولوجيا المبتكرة واستغلال الطاقات التي تملكها شركة سونطراك في هذا المجال، والاستثمار في الطاقات المتجددة والتي لا تنحصر فقط في الطاقة الشمسية المكلفة نوعا ما، ولكن هناك بدائل أخرى، وابتكارات تسعى عدة دول لتطويرها، ليؤكد على أنه آن الأوان لتطوير شركة سونطراك لتتوافق والنماذج الاقتصادية المستثمرة.

شراير يحذر من استغلال قانون المحروقات

حذر ممثل المجتمع المدني عمار شراير من المغالطات والمزايدات التي يتم نشرها بين الناس وسط الحراك للترويج لقانون المحروقات على أنه “قانون بيع البلاد وثرواتها”، متهما أطرافا وصفها بـ”المتربصين” بالصيد في المياه العكرة والترويج للأفكار الخاطئة للتشويش على الانتخابات وسيرها، وقال: “للأسف لما غاب أهل الاختصاص من الخبراء وتكلم الجاهلون تم تغليط الناس ودفعهم إلى الخروج إلى الشارع لدرجة التصديق أن القانون هو تدخل أجنبي”، وأردف: “يجب على الخبراء التدخل لوقف هذا التغليط وشرح أبعاد القانون وحيثياته بميزاته وسلبياته”.

وأكد المتحدث على أن الشعب واع ويريد الوصول إلى هدفه الشرعي لكن الحكومة الحالية بسبب تسرعها وعدم درايتها بأصول الاتصال السياسي ولا حتى مساهمتها في تنوير الرأي العام وشرح أبعاد القانون، ساهمت بشكل ضمني، يضيف، في تأجيج الرأي العام وفي منح فرصة للمتربصين لاستعمال قانون المحروقات كشماعة للوصول إلى أهدافهم، وللأسف تمكنوا من ذلك، ليؤكد شراير على أن المخرج الوحيد من هذا الوضع يكمن في الانتخابات.

مهماه: المشروع جزائري أساسًا ولا تنازلات لصالح الأجانب

شدد الخبير في الطاقة بوزيان مهماه أنه يتوجب لزاما توضيح مسألة جوهرية وهي أن مشروع قانون المحروقات الجديد جاء يستهدف قطاع الطاقة الجزائري بالدرجة الأولى.

ويفسر ذلك بكون سوناطراك تنتج حاليا بمفردها 85 % من الغاز الجزائري، والـ 15% المتبقية تنتجها بالشراكة مع الأجانب، كما تتكفل لوحدها بإنتاج 75% من إنتاج النفط الجزائري، والـ 25% المتبقية بالشراكة، وفيها ما تنتجه بنسبة 90% في إطار هذه الشركات مع الأجانب، لذلك من المنطقي أن يستهدف القانون تثمين وتعزيز القدرات الوطنية الجزائرية بالأساس قبل ترقية الشراكة مع الأجانب.

وأوضح أن سوناطراك تجد نفسها أمام صعوبات تتعلق بعدم القدرة على تحقيق الجدوى الاقتصادية للمكامن الصغيرة والمتوسطة التي اكتشفتها بمفردها، بسبب الجباية البترولية المبالغ فيها (85% )، بما لا يسمح لها باستغلالها وتبقى غير مجدية في ظل هذه الجباية المرتفعة، من هذا المنظور الجزائري المحض جاء مشروع القانون الجديد بخفض المحصلة الضريبية ليضعها في مستوى المتوسط العالمي المعمول به (60-65%).

وأمام الوضوح التقني في التعاقدات التي أقرها المشروع، يؤكد مهماه أنه لا مجال للحديث عن وجود تنازلات لصالح الأجانب، خاصة مع المزاوجة بين مبدأين أساسيين يتعلقان بقاعدة 49/51 مع تعميم مبدإ الامتياز (الثروات الباطنية من المحروقات كلها ملك للمجموعة الوطنية) على جميع أشكال وأنماط التعاقدات.

مقالات ذات صلة