الرأي

المكتوب والجريمة!

جمال لعلامي
  • 712
  • 2
ح.م

ما حدث بتبسة، ثم قسنطينة، وقبلها بالعديد من الولايات، في العاصمة والوسط والشرق والغرب والجنوب، بالولايات الكبرى، والمداشر والقرى والبلديات المعزولة والمحظوظة، جرّاء الفيضانات، هي دون شك “كوارث طبيعية” وقضاء وقدر، والمكتوب طبعا على الجبين “ما ينحوه يدّين”!

لكن بلغة المصارحة والمكاشفة، أليس ما حدث ويحدث، هو كذلك بسبب العشوائية والتقاعس و”الجموفوتيست”، ونتيجة الإهمال واللامبالاة وعقلية “تخطي راسي”، وانتظار حصول الكارثة للبحث بعدها عن الحلول، أو دفن الموتى وإسعاف المصابين وإحصاء المنكوبين والمتضرّرين، والشروع بعدها بالتقسيط في تعويض الضحايا؟

مثلما يتحمّل بعض المواطنين “المزلوطين”، المسؤولية، بسبب اختيارهم الوديان لبناء “البرارك”، فإن المصالح الإدارية المعنية، وأجهزة الرقابة والجرد والتأشير، تتحمّل هي الأخرى الوزر، فمن يتحمل مسؤولية بناء أحياء سكنية بالمئات والآلاف فوق الوديان؟ ألم يبرع مقاولون عموميون وخواص في تشييد “بنايات الموت” في مناطق مهددة بالانجراف والفيضان؟

هل المواطن الغلبان والتعيس والبائس، هو المسؤول عن تسريح البالوعات عبر الشوارع والأحياء؟ هل المواطن هو المسؤول عن منع المواطن من بناء كوخه أو “فيلته” على ضفاف الوديان؟ هل المواطن هو المسؤول على توصيل كابلات الكهرباء وأنابيب الماء والغاز إلى القصدير الذي تحوّل خلال سنوات إلى مدن قائمة بذاتها تحصي آلاف السكان؟

التساهل وغضّ البصر وتداخل الصلاحيات واختلاط الوظائف، ورمي كلّ جهة المهمة للجهة الأخرى، ومسح الموس في الآخرين، والتراخي في تطبيق القانون، هي من بين الأسباب المباشرة في المآسي والكوارث التي تتسبّب اليوم في الهول والتراجيديا التي تضربنا للأسف هنا وهناك!

لا أحد يُمكنه مناقشة القضاء والقدر، أو الاعتراض على ما كتبه الله، وقد يكون الجميع مضطرا إلى ترديد “اللهم حوالينا لا علينا”.. “اللهم لا نسألك ردّ القضاء، ولكن نسألك اللطف فيه”، لكن لا أحد مرغم على تغطية الشمس بالغربال، فما يحدث من مناكر على أيدي جزائريين، يضرون بأفعالهم جزائريين آخرين، أو حتى أنفسهم، يستدعي وقفة شجاعة مع النفس والضمير!

ألم يكشف زلزال بومرداس في 2003، أن هناك مقاولين غشاشين ومجرمين وقتلة، مثلما هناك مواطنين شيّدوا لأنفسهم بنايات الموت بتقليص كميات الخرسانة والإسمنت، من باب تقليص المصاريف، إلى أن زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت أثقالها، فقال هؤلاء ما لها؟

المشكلة، أخلاقية، أيضا، فإلى متى نظل نحصي أخطاءنا وخطايانا، ولجوء البعض إلى تبرير “الشروع في الجريمة”، بعد تزويقها بماكياج مخدوع، سرعان ما تنكشف الخديعة، وتنهار التمثيلية، وطبعا المثل الشعبي الشهير يقول: “ما يبقى في الواد عير حجارو”!

مقالات ذات صلة