الرأي

الملتقى الفضيحة في عنابة

عثمان سعدي
  • 5232
  • 30
ح.م

جرى ملتقى في عنابة يوم 12 من الشهر الجاري عنوانه (الأمير عبد القادر والقديس أوغسطين من الإنسانية إلى العالمية)، وذلك بالمسرح الجهوي عز الدين مجوبي، تحت إشراف والي عنابة توفيق مزهود وسفير ايطاليا بالجزائر ، الملتقى جاء بمبادرة من سفارة إيطاليا بالجزائر والمعهد الثقافي الإيطالي بالتعاون مع وزارة الثقافة.

ويعتبر هذا الملتقى تزييفا لتاريخ الجزائر وتثبيتا لنظرية الاستعمار الروماني قديما والاستعمار الفرنسي حديثا. كان المفروض أن تقع المقارنة بين عبد القادر والأب دونا النقريني المسيحي الجزائري المناضل ضد الاستعمار الروماني ، لا القديس أوغسطين اليد اليمنى للاستعمار الروماني والعدو لجماهير الفلاحين الأمازيغ. ومن الغريب أنه قد شارك في الملتقى الأستاذ الجامعي محمد طيبي . وإلى القراء المعلومات التالية المستمدة من مؤرخين فرنسيين وبريطانيين.

أوغستين ليس أمازيغيا هو روماني تقول عنه الموسوعة الفرنسية يونيفيرساليس “ولد القديس أوغستين مواطنا رومانيا، هو من رومان إفريقيا، عاش مخلصا ثابت الإخلاص للحضارة  الرومانية” [1].

أوغستين لا يمثل حتى المسيحية الأمازيغية بل يمثل المسيحية الرومانية الكاثوليكية. الذي يمثل الكنيسة الأمازيغية المغاربية هو الأب دونا النڤريني Donatus Negrinus الذي استنكر استغلال الرومان للمسيحية واستعمالها لتثبيت استعمارهم بالمغرب، فصاح صيحته المشهورة: “لا علاقة للمسيحية بالأمبراطورية الرومانية الله أرسل المسيح لإنصاف المظلومين من الظالمين” ، وكون مذهب الدوناتية الذي يختلف عن مذهب الرومان وأوغستين الكاثوليكي، فينكر ألوهية المسيح، ويقول بالطبيعة الواحدة للمسيح، كما كان الدوناتيون يصلون في كنائسهم باللغة الكنعانية الفينيقية القرطاجية العروبية ، بينما يصلي أوغستين في الكنائس الرومانية باللغة اللاتينة. ناضل الأب دونا ضد الاستعمار الروماني فاعتقله الرومان ومات في سجونهم بإسبانيا سنة 355 م. يقول فيه المؤرخ الفرنسي شارل أندري جوليان: “على امتداد أربعين سنة كان هذا المصارع الرهيب بارزا على الأحداث، ومن غير شك فإن التطور السريع للدوناتية يعود الفضل في تحقيقه له. كانت تتجمع في شخصيته سائر عناصر القائد والمنظم الأصيل والمستقيم، والعقائدي، والخطيب المفوه والكاتب الصلب، والمدرب والمكون للرجال، كان قاسيا  على نفسه مثلما هو على الآخرين، كان أنوفا شرس الطبع، كان يفرض المواقف على أساقفته الذين كانوا يعبدونه كالإله” [2]

ناضل المذهب الدوناتي ضد سرقة الأرض من الفلاحين الأمازيغ وتمليكها لضباط رومان يؤلفون منها ما عرف بالمزارع الكولونيالية اللوتيفوندية   ـ كان أوغستين يملك لوتيفونده بتاغاست ـ  Latifundia .  وانطلق الدوناتيون في ثورة عرفت بالثورة الدائرية  او الثوار الدائريين Circoncellions ، كانوا يتنقلون من مزرعة إلى مزرعة يثوّرون الفلاحين الأمازيغ عند الكولون الرومان قائلين لهم هذه أرضكم سرقها منكم الإقطاعيون الرومان ثوروا واستردوها منهم. كانوا يسطون على أموال الرومان ويوزعنها على الفقراء الأمازيغ. وخير من وصف هذه الثورة المؤرخة الفرنسية أوديت فانييه Odette Vannier في دراسة نشرتها سنة 1926 عن الدوناتية، تصف الثورة الدائرية والدوناتية فتقول: ”كان الدائريون ينزلون من عربته الكولون ويركبون العبد البربري الذي كان يجرها، ويربطونه أمام العربة ويأمرونه يجرها، فيحولون السيد إلى عبد والعبد إلى سيد… كانوا يهاجمون مخازن الحبوب فيجمعون حبوبها ويوزعونها على الفلاحين الفقراء… كانوا يتعرضون لناقلي أموال الضرائب فيسطون عليها ويوزعونها على الفقراء”. [3]

وخير من لخص رسالة الدوناتية الموسوعة الفرنسية ”يونيفيرساليس”، تقول: ”لقد تحول المذهب الدوناتي إلى ثورة ضد الظلم الاجتماعي والاحتلال الأجنبي، ولاقى صدى في الأوساط التواقة لاستقلال إفريقيا. وهو يشبه المذاهب القبطية والسورية، المؤسسة على الطبيعة الواحدة للمسيح. وقد اختلف عن الكاثوليكة في عدة نقاط، أهمها اللغة، فلغة الدوناتية ليست اللاتينية. كما اختلف عنها في وقوفه مع مطالب عمال الفلاحة البربر ضد اللوتيفوندات، هذه المطالب التي انضوت تحت المظلة الدواناتية. وبالرغم من أن هذا المذهب محافظ متشدد عقائديا، إلا أنه يصنف كمذهب تقدمي اجتماعيا، حيث يرفض استعمال المسيحية من طرف الإمبراطورية الرومانية التي تتناقض أعمالها مع طموحات الفقراء”. [4] .

قام القديس أوغستين بحرب شرسة ضد المذهب الأمازيغي الدوناتي ، وألب ضده الأمبراطورية الرومانية التي منعته، وتصدى له الأساقفة الدوناتيون من مدينة باغاي بالأوراس الأشم، واستمروا يتعبدون سريا بطقوس مذهبهم إلى أن جاء الإسلام فاعتنقوه، وهذا هو الذي يفسر لماذا اختفت المسيحية من المغرب العربي. يقول المؤرخ الديني البريطاني فريند W.H.C.Frend في كتابه الكنيسة الدواناتية: ”إن الدوناتية كانت المقدمة لإلغاء الإسلام للمسيحية وللثقافة الرومانية” [5]

قام أوغستين والكاثوليك بحرق سائر كتب الأب دونا والأساقفة الدونانيين ، والكتاب الوحيد الذي كتب عن الدوناتية صدر من البروتستانتيين في بريطانيا. الأب دونا أمازيغي أصيل كان يخطب في جماهير المصلين بالأمازيغية ويصلي بإنجيل مكتوب بالكنعانية الفينيقية القرطاجية، قال فيه الشيخ عبد الرحمن شيبان رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييين: “الأب دونا يشبه عبد الحميد بن باديس هذا في عهد الإسلام وذاك في عهد المسيحية”.

فكرة جزائرية أوغستين روج لها الاستعمار الفرنسي وثبتها بعد الاستقلال الفرنكفونيون.

يذكر شارل أندري جوليان أن البابا أرسل رسالة تأييد لاحتلال الجزائر قال فيها: ”ضرورة افتكاك الأرض التي شرفها القديس أوغستين من البرابرة” . أوجه القراء إلى المقال الطويل الذي نشرته في رأي اليوم عن الأب دونا عدد أول نوفمبر تشرين الثاني 2014

الخلاصة: لنهبّ كمثقفين وطنيين ضد تزييف تاريخنا ، أوغستين روماني خدم الاستعمار الروماني، المسيحي الأمازيغي الأصيل هو الأب دونا النڤريني Donatus Negrinus الذي مات شهيدا في سجون روما، دفاعا عن الفلاحين الأمازيغ الذين سطا الاستعمار الروماني على أراضيهم وحولها إلى إقطاعيات رومانية تسمى لوتيفونده ـ  Latifundia . أن يتحرك سفير إيطاليا الممثل للحضارة الرومانية فيدعو لملتقى عن تراث الاستعمار الروماني وتشويه تراث الأمير عبد القادر العظيم بمقارنته بأغستين، ثم تتبنى وزارة الثقافة خطته وتنفذها، إنها لمسخرة ما بعدها مسخرة.

[1] E.Universalis T2 P796

[2] Histoire de L’ Afrique du Nord Paris 1956 T2 P219  Ch.A.Julien

[3] Revue Africaine V67-1926 P13-28 O.Vannier

[4] مرجع سابق  T5, P759

[5] The Donatist Church , Oxford , 1952 W.H.C.Frend

مقالات ذات صلة