-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
أكثر من 50 ألف مشاهد للفيلم واحتفاء نقدي وإعلامي كبير

الملكة الأخيرة”.. بين الفن والتاريخ والسياسة

زهية منصر
  • 617
  • 0
الملكة الأخيرة”.. بين الفن والتاريخ والسياسة
ح.م

أزيد من خمسين ألف متفرج تابع قصة فيلم “الملكة الأخيرة” لعديلة بن ديمراد وداميان أنوري في القاعات الفرنسية، حيث دخل العمل أسبوعه الرابع من العروض التجارية عبر 61 قاعة ليصل عدد الفضاءات، التي استقبلت العمل منذ إطلاقه تجاريا إلى أزيد من مائة قاعة عبر كامل التراب الفرنسي تسع قاعات منها في باريس وحدها.
رافقت سلسلة العروض اهتماما إعلاميا فرنسيا كبيرا لهذا الفيلم الذي لا يزال يقدم في أكثر من مهرجان ومنبر إعلامي باسم الجزائر بينما لم يحصل لحد الساعة على رخصة العرض هنا.
جزء من الاهتمام الإعلامي والنقدي بهذا الفيلم يستمد شرعيته من المنع بالجزائر. ولأن كل ممنوع مرغوب فالعديد من المتابعين والمهتمين بالشأن السينمائي دفعهم الفضول للبحث عن طريقة ما لمشاهدته وقد صارت التكنولوجيا الآن توفر لك أكثر من طريقة عبر منصات العرض الإلكترونية.
ورغم أن المنصة الإلكترونية تفقدنا فرصة الاستمتاع بجماليات العرض ولا توفر لنا ما توفره قاعة السينما لكن فيلم ” الملكة الأخيرة” تمكن على مستوى الشكل والبناء الفني من أن يمنح المتعة البصرية المطلوبة، حيث نجح الفريق في تقديم عمل ضمن بيئة تحيلنا إلى القرن 16 بديكوراته وقصوره وملابسه وإكسوسواراته وحتى لغته،كما عمل الفيلم على التسويق للتراث الجزائري بجماليات عالية وقد أظهر صناعة وحرفية وفنية محكمة في تصوير مشاهد المعارك والحروب.
استعانت عديلة بن ديمراد في هذا الفيلم بالمسرح، حيث قسمت السرد الفيلمي إلى خمسة فصول أو مشاهد منها “على جال الدزاير، نحبك قد لبحر، أقسم بالله وانتم كامل شاهدين، الناس تقول… “.
وتجري أحداث كل فصل ضمن فضاء وديكورات تستحضر التاريخ ومعه موقف مسبق للرواية، ورغم أن المخرج أو المخرجين أشارا في نهاية الفيلم إلى أن قصة زفيرة هي محض أسطورة لا تزال الروايات التاريخية مختلفة بشأنها وربما هذه الإحالة تبيح منحى القصة والموقف الذي اتخذه رواتها ففي الخيال السينمائي كل شيء مباح ولا حدود للإبداع فيه ولكن للأمكنة والأزمنة مواقفها وسلطتها، فالسينما قد تكتب التاريخ وقد تفرض تاريخا لم يكن كما يمكن للسينما أيضا أن تمارس السياسية بطريقة أو بأخرى أو تفرض أيدولوجيا.
يتبنى فيلم “الملكة الأخيرة” الطرح الذي يرى في التواجد العثماني في الجزائر استعمارا حيث تحول الاستنجاد بعروج لفك الحصار الإسباني على السواحل الجزائرية إلى استعمار، إذ يصور الفيلم عروج وقد أعجب “بالدزاير” وجمال حدائقها وخيراتها كما أعجب بزوجة الملك سليم التومي، فقرر أن يتزوجها بعدما يتخلص من زوجها ويستفرد بجمالها وجمال “الدزاير” ولكن زفيرة تتمسك بحقها وحق ابنها يحي في العرش وتقرر الدفاع عن مدينتها وشرفها ضد الغزاة. وفي غمرة اندفاعها لتحقيق عدالتها تقتل أخاها الذي قرر حرمانها من ابنها لأنها وقفت ضد العائلة وفضلت البقاء لوحدها دون رجل أو محرم.
تفقد زفيرة في الأخير ابنها وتقتل نفسها وترفض أن تستسلم لعروج في هذا الجانب تسوق عديلة بن ديمراد صورة جميلة لدور نساء الجزائر في الذود والدفاع عن بلادهن وهي صورة معروفة وطالما رافقت الجزائريات طيلة الحقب وكل الاستعمارات التي عبرت هذه البلاد.
لكن، ومن جهة أخرى، يظهر العمل في بعض مقاطع الحوار حدة في وصف التواجد العثماني في الجزائر، مثلا في المشهد الذي يجمع زفيرة مع عروج أثناء محاولته مساعدتها على الهروب من قبيلتها التي جاءت للانتقام منها بعد مقتل أخيها تقول زفيرة: “واش أجيب برد الثلج لقلب راجل ذاق الويل باش يرجع سيد بعد ما كان عبيد” ردا على قوله: “واش أجيب سخانة النار لمرا لقات روحها وحدها وسط الذيابة يا لوكان كانت سلطانة”
وفي مشهد آخر، ترد زفيرة مخاطبة مبعوثة عروج التي جاءتها بالهدية: “انتم الي يقولو أعليم لمطورنين راكم غير تزيدو الله ابارك رجعي الصندوق يا لعبيدة مولاك عروج أنت مش مولايا أنا مولايا واحد أحد لم يولد ولم يكن له كفؤا أحد خلق جهنم للظالمين” وفي مشهد مخالف يظهر الفيلم جنود عروج في حفلة صاخبة بوجوه جامدة وثياب فوضوية تظهرهم كمتشردين همهم اللهو والبحث عن المتعة والملذات.
يقف خلف الترويج والاحتفاء الفرنسي بهذا العمل خلفية مفادها أن الاستعمار الفرنسي لم يكن وحده الاستعمار الوحيد للجزائر ويعطى لفرنسا شرعية التفكير بأحقية استعمار الجزائر لأزيد من قرن.
السينما اليوم أصبحت واحدة من أبرز أدوات القوى الناعمة وسلاح لفرض وجهة النظر والتسويق للمواقف، فالرئيس الفرنسي مثلا سبق وصرح أثناء زيارته للجزائر أنه يتعين محاربة الدعاية التركية الروسية والصينية في إفريقيا وهو التصريح الذي ردت عليه تركيا وقالت أنه يتعين على فرنسا مواجهة ماضيها الاستعماري في الجزائر. وكان الرئيس التركي في زيارة سابقة أيضا أشرف على افتتاح جامع كتشاوة الذي ساهمت بلاده في إعادة ترميمه، أين قال يتعين علينا التواجد إلى حيث وصلت خيول أجدادنا، فالمسألة إذن مسألة سباق لفرض النفس وإيجاد قواعد خلفية للترويج، تركيا اليوم تسوق عبر السينما والدراما لكونها محور البحر المتوسط وصاحبة الفضل في كتابة تاريخ المسلمين وفرنسا تعمل أيضا على تسويق سياستها ووجهة نظرها عبر السينما، وقد رأينا كيف تجلى هذا في الإنتاج المشترك أو المهرجانات فحتى الجوائز التي تمنح ليست بريئة في بعض الأحيان وكل هذا يدخل في سياق الترويج لوجهة نظر البلد المعنى.
الإشكالية التي تطرح نفسها بقوة في هذا السياق هي من يتملك الذكاء الفني والدبلوماسي أو حتى السياسي لفرض وجهة نظره خاصة مع ما أضحت السينما تمثله من قوة الجماهيرية في ترسيخ وجهات النظر والدفاع عن أخرى وطمس أخرى وللعب هذا الدور يتعين امتلاك مؤسسات وهيئات قوية محترفة تتابع عملها وهنا مربط الفرس، كون فيلم “الملكة الأخيرة” الذي استفاد من 14 مليارا من خزينة وزارة الثقافة الجزائرية ومركز تطوير السينما لم يخضع للمتابعة من قبل من كان يتعين عليهم فعل ذلك، لأن السيناريو الذي وافقت عليه لجنة القراءة كان من المفروض ألا يضع مصالح الجزائر الدبلوماسية والاستراتيجية محل تساءل أو حرج ولكن العكس هو الذي حدث أننا منحنا دعم لعمل وإن كان فنيا وجماليا لا غبار عليه لكنه يضع مصالحنا في الدائرة الضيقة وقد يشوه تاريخنا، وفوق ذلك منحناه فرصة أخرى للانتشار وتحقيق أرباح تذهب للجانب الفرنسي في الإنتاج عندما استغل تعطيل عرضه في الجزائر للدعاية أكثر لجلب المشاهدين. الخلاصة، أن الفيلم لا يستحق كل هذا الصخب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!