الرأي

المهندس محمد مرسي وأسطورة الإخوان

عابد شارف
  • 4334
  • 40

قرر الرئيس المصري محمد مرسي تنظيم استفتاء حول الدستور في ظرف أسبوعينهل هذا مجرد خطأ، أم أنه يعبر عن عدم احترام الرئيس مرسي للدستور؟

محمد مرسي رجل عصري ومتحضر. إنه يجمع بين القيم التي يوصي بها الإسلام، والتي تعلمها في صفوف منظمة الإخوان المسلمين، وبين ما أتت به الحضارة الغربية من تقدم اجتماعي وعلمي وتقني. وقد درس الرجل في بيت العلم، في الولايات المتحدة، وتخرج من جامعاتها كمهندس، وعمل في أرقى المؤسسات الأمريكية، وتعلم من أساتذتها العلم والحكمة وفن التسيير.

ولما سقط فرعون مصر، في أعز أيام “الربيع العربي”، أراد الإخوان المسلمون أن يرشحوا زعيمهم خيرت الشاطر، لكن هبت العاصفة لأن الشاطر لم يكن ممن ترضى عنهم الإمبراطورية العظمى. واكتشف الإخوان المسلمون أن زعيمهم غير مؤهل قانونا للترشح، فجاء مكانه محمد مرسي، ليفرض عودة الإسلام إلى الأرض التي حكمها عمرو بن العاص. واستبشر أهل غزة بانتخابه لأن قادة حماس وعلى رأسهم الوزير الأول الفلسطيني ينتمون إلى نفس التنظيم.

وفاز محمد مرسي بالرئاسة بطريقة عصرية، إثر انتخابات كانت مقبولة شكلا ومضمونا. ولم يجد المراقبون الدوليون ما يقولون عن هذه التجربة الجديدة، التي تزامنت مع التجربة التونسية، وهي تجربة أخرى فاز فيها الإسلاميون بفضل حزب النهضة. ولما قامت السلطة الانتقالية في مصر بتنظيم انتخابات مجلس يتكفل بتحضير الدستور الجديد، اتضح أن الإسلاميين اكتسحوا الساحة السياسية، حيث حصل الإخوان على نصف المقاعد بينما عاد ربع المقاعد للسلفيين، ولم يبق للباقي من عصرانيين ويساريين وتقدميين ولائيكيين إلا ربع المقاعد.

وبدأ محمد مرسي عهدته الرئاسية بطريقة مقبولة، حيث طمأن الجميع، وقال إنه سيحترم حقوق الآخرين، خاصة منهم الأقباط الذين يشكلون عشرة بالمائة من سكان مصر، وقال كذلك أن بلاده بحاجة إلى التفتح على العالم، وأنها ترفض الانغلاق على نفسها.

أن أول عمل يجب على الحاكم أن يقوم به في بلداننا هو تأسيس وتعزيز السلطة القضائية والسلطة التشريعية وتحرير الصحافة قبل التفكير في تطبيق برنامجه.

لكن سرعان ما اكتشف محمد مرسي صعوبة الحكم العصري المبني على الفصل بين السلطات، واحترام صلاحيات المؤسسات. وبدأ أول هجوم له ضد الجيش، حيث قام بتغيير في قياداته ليعين ضباطا قد يكونون أقرب إليه. وعكس ما كان يظن الكثير، فإن الجيش أسهل مؤسسة يمكن التلاعب بها في مصر، وتمكن السيد مرسي فعلا من إبعاد الضباط الذين كانوا يحرجونه، وصفق العالم، وقال الخبراء أن السيد مرسي فرض رأيه على الجيش، مثلما فعل الحزب الحاكم في تركيا الذي خرج منتصرا من مواجهة مع الجيش بل استطاع أن يحيل عددا من الضباط على العدالة.

وقام السيد مرسي بكل هذه المبادرات دون أن يرتكب خطأ واحدا. وعندها اعتقد السيد مرسي أن الأبواب مفتوحة أمامه، وأنه سيتمكن من فرض رأيه في كل المجالات بما أنه انتصر على الجيش، فاتخذ قرارات تغير ميزان القوى بصفة جذرية في مصر. وقام بما لم يكن معقولا لما ألغى سلطة القضاء، ثم استدعى الهيئة الانتخابية لاستفتاء حول الدستور الجديد في أجل لا يتعدى أسبوعين. وارتكب السيد مرسي ثلاثة أخطاء أكدت أنه رجل ينهج سلوكا سياسي بدائيا، لا فرق بينه وبين مبارك، ولا فرق بينه وبين من كان ينتقدهم سنوات طويلة.

ويتمثل خطأه الأول في منع القضاء من النظر في قراراته ومراقبة مطابقتها للدستور. ومهما كانت هوية القضاة واتجاههم السياسي، ومهما كانت عداوتهم تجاه السيد مرسي، فإن هذا القرار أكد أن السيد مرسي لا يراعي القواعد الدستورية الأساسية، ولا يحترم القوانين إذا كانت تعارض مصالحه، ولا يحترم صلاحيات المؤسسات الأخرى.

أما الخطأ الثاني، فإنه يتمثل في إعلانه عن تنظيم استفتاء حول الدستور في ظرف أسبوعين. وليس من المعقول أن يقوم بلد بحجم مصر بعملية من هذا النوع حول موضوع بهذه الأهمية في مرحلة قصيرة كهذه. ونحن نعرف مثلا أن استدعاء الهيئة الانتخابية في الجزائر يتم قبل شهرين على الأقل من موعد التصويت، فكيف تستطيع مصر أن تقوم بنفس العملية في أسبوعين؟

ولما يتعلق الأمر بالدستور، فإن العملية أصعب وأكثر تعقيدا، وتتطلب تحضيرا طويلا، ونقاشا أطول، خاصة وأن التجربة المصرية ستكون الأولى من نوعها. والحقيقة كذلك أن المصادقة على الدستور لا تتم بالأغلبية فقط، بل من المفروض أن تسهر السلطة المصرية على تحقيق إجماع وطني حول القضية، ليكون النص الدستوري ملكا لجميع المصريين ويدافع عنه الجميع بنفس القناعة. ومن هذا المنظور، فإن محاولة مرسي أن يفرض دستورا ولو بالأغلبية يشكل خطأ سياسيا.

وتؤكد أخطاء السيد مرسي هذه أن الإخوان المسلمين والإسلاميين بصفة عامة مازالوا لم يستوعبوا الدرس الأساسي من التجارب العصرية، وهي أن احترام المؤسسات يجب أن يكون فوق كل اعتبار، وأن بناء المؤسسات، والسهر على الفصل بين السلطات، واحترام الحاكم للمعارضة، تشكل أولويات العمل السياسي. هذا ما يدفعني إلى القول إن أول عمل يجب على الحاكم أن يقوم به في بلداننا هو تأسيس وتعزيز السلطة القضائية والسلطة التشريعية وتحرير الصحافة قبل التفكير في تطبيق برنامجه.

مقالات ذات صلة