الرأي

“الموس وصل للعظم”!

جمال لعلامي
  • 900
  • 1
ح.م

لم يعد الجزائري مثلما كان عليه قبل سنوات، لم يعد متقبلا لأيّ شيء، متسامحا مع أيّ شيء، متعايشا مع أيّ شيء، متكيفا مع كلّ شيء، فقد أصبح رافضا لما يراه “ضدّه” ولا يخدمه، فالحراك لم يعد سياسيا فقط، ولكنه امتدّ ليشمل حياته اليومية، ولذلك رفع قبل أشهر شعار “خليها تصدّي”، لمواجهة جشع سماسرة السيارات، ورفع بعدها “خليها ترشى” لمواجهة التجار عديمي الذمة، ممن يشعلون النار في الأسعار كلما عاد رمضان!

اليوم، المستهلك يرفع شعار “خليه يفقس”، لمواجهة الزيادات الغريبة في تسعيرة البيض، أو مثلما يحلو للبعض تسميته بـ”أولاد الجاج”، والحال، أن مثل هذه الحملات، تعكس مدى تطوّر وعي المواطنين، في شتى المجالات، وذلك في إطار التصدّي لـ”العصابات” في مختلف القطاعات والمجالات، إلى أن عمّ الفساد والإفساد وأضحى “أفسدة” المجتمع مشروعا غير معلن، تطبقه الحكومات المتعاقبة بوزرائها، ومعها عديد النواب والأميار والمسؤولين!

من الطبيعي أن يحصل ما حصل، فقد انشغل الكثير من المسؤولين، خلال السنوات الفارطة، بملء جيوبهم وجيوب عائلاتهم وأصدقائهم، وفسحوا المجال للحاشية وبطانة السوء لتعيث فيها فسادا بالطول والعرض، وبالمقابل، دفع البسطاء الفاتورة غاليا ومضاعفة، وللأسف، استمرّت عملية الدفع والتعذيب لفترات طويلة حتى انهار جزء كبير منهم!

سوء التسيير وتسيير السوء، هي السياسة التي أنتجتها السلطة السياسية خلال العشرين سنة الفائتة، ولذلك كان من البديهي أن يعمّ اليأس والإحباط بين جموع “المزلوطين” و”المهرودين” ممّن لم تعد أجرتهم الشهرية تكفيهم لمواجهة متاعب الحياة، والأخطر من ذلك، أن الأجرة تحوّلت بالنسبة لكثير من العمال والموظفين، إلى مجرّد “بقشيش” لا يسمن ولا يغني من جوع، ولا يحفظ كرامة صاحبه بأيّ شكل من الأشكال!

“خليه يفقس”.. “خليها تصدي”.. “خليها ترشى”.. “خليها تفوح”.. “خليها تخسر”.. كلها شعارات لحملات شعبية، ما كان لها لتكون لولا أن “الموس وصل للعظم”، ولولا أن الجهات المعنية بحلّ مشاكل المواطنين أدّت ما عليها، وقامت بمهمتها، ولم تتردّد في البحث عن حلحلة الانشغالات والمشاكل التي لا يجب النوم عليها، أو دفنها حية ترزق، أو اللجوء إلى “البريكولاج” للتخلص منها ظرفيا، كأن يتم وصف الآسبيرين لوجع البطن!

المطلوب، “حوار اجتماعي”، وتبادل وجهات النظر، واستماع البعض للبعض الآخر، واستشراف المعضلة قبل حدوثها، وتجنّب الفأس قبل سقوطها على الرأس.. ففي هذا أيضا، سياسة، والسياسة كياسة، وليست دائما وإلى الأبد وفي كلّ الأحوال والظروف، فن للمكن والكذب!

مقالات ذات صلة