المونديال القطري بين النجاح الكروي والإيحاءات السياسة

حمل مونديال قطر 2022 الكثير من الإثارة والتنافس، مثلما تضمنت يومياته تجاذبات حضارية وسياسية مختلفة، ومثلما وقف المتتبعون على النظرة الغربية اتجاه العرب، نظرة مليئة بالكثير من الاستعلاء والعنصرية، فقد ذهبت عدة منتخبات في عدة سقطات، وفي مقدمة ذلك المنتخب الألماني الذي دافع عن المثليين فنسي دوره الأساس فوق المستطيل الأخضر، ما جعله يغادر من بوابة الدور الأول.

كان مونديال قطر حافلا بالإيحاءات والدلالات السياسية التي تعدت في الكثير من الأحيان إلى حملات عنصرية ضد البلد المنظم، بعدما ذهبت بعض الجهات الغربية إلى التشكيك في قدرة دولة قطر في تنظيم تظاهرة كروية عالمية بحجم المونديال، لكن الجهات المنظمة عرفت كيف ترد بلغة الميدان بعروض ثرية ومتنوعة خلال حفل الافتتاح، كشفت من خلالها على الوجه الحضاري للعالم العربي الإسلامي، والحد من عقدة التفوق الغربي. وبذلك كسرت قطر هذه القاعة، ما يفتح آفاقا أوسع بغية البرهنة أكثر في تظاهرات رياضية أخرى في المستوى العالي، وهذا بناء على الايجابيات الكثيرة التي أبانت عنها نسخة مونديال قطر من حيث روعة التنظيم وفعاليته، وكذلك نوعية الملاعب والمرافق والحضور القياسي للجماهير الكروية من مختلف بلدان العالم، إضافة إلى الأداء الفني والنجاح الإعلامي، وهذا رغم الحملات العنصرية المسيّسة الرامية إلى مقاطعة مونديال قطر من طرف بعض الدول الأوروبية.

من جانب آخر، فقد كان البعد الحضاري حاضرا في هذا المونديال، من خلال لجوء الغرب إلى افتعال عدة مشاكل وسلوكات، ناهيك عن محاولة رفع بعض الشعارات، مثل شارات وأعلام المثليين، وقضية المشروبات الكحولية، لكن السلطات القطرية تعاملت مع مثل هذه المسائل بحكمة مع رفضها الابتزاز، والحرص على الالتزام بتوجيهات “الفيفا” وفق قاعدة احترام قوانين البلد وثقافته، وهو الأمر الذي خلف عدة ردود أفعال بعضها سلبية، من ذلك الحملة العنصرية قطر كونها أول دولة عربية وإسلامية تنال شرف شرف تنظيم نهائيات كأس العالم. ومن الدلالات السياسية الأخرى، رفض الجماهير العربية والإسلامية التطبيع مع إسرائيل، بدليل مقاطعة وسائل الإعلام التي تمثل الكيان الصهيوني، علماً أن الرفض كان أيضا من جماهير وشعوب الدول المطبّعة، ما يعكس العقل الجمعي للجماهير وموقفها تجاه الكيان الصهيوني. وفي السياق ذاته، سجلت فلسطين حضورها بقوة في المونديال بقضيتها العادلة وموروثها الثقافي والحضاري على مر السنين، متجاوزة كل الحملات الإعلامية الرامية إلى تجاهلها أو تقزيم مطالبها الشعبية والرسمية، وهو ما يؤكد مجددا العلاقة الوثيقة بين السياسة والرياضة، وقدرة الرياضة على فعل ما قدر تعجز عنه السياسة في الكثير من الأحيان، وفي مقدمة ذلك الدعوة إلى لمّ الشمل والسعي إلى تعزيز الجوانب التي تخدم حاضر ومستقبل الإنسانية بعيدا عن الاختلاف الحاصل في الدين والهوية والمستوى الحضاري والمعيشي.