-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الهجرة إلى الله.. الفريضة المنسية

سلطان بركاني
  • 2773
  • 0
الهجرة إلى الله.. الفريضة المنسية
ح.م

رحل العام السادس والثلاثون بعد الأربعمائة والألف، وها نحن نعيش ساعات خامس يوم من أيام العام الجديد.. هي هذه الحياة، يوم يتلوه يوم، وشهر يتلوه شهر، وعام يتلوه عام.. تتوالى الأعوام وتنقضي الآجال وتُطوى الأعمار، ونحن ـ إلا من رحم الله منّا ـ عن وجهتنا ذاهلون، وفي لجج الدّنيا غارقون، وعلى غفلتنا وتفريطنا مقيمون.

ودّعْنا عاما واستقبلنا عاما جديدا، يحلّ مع الذكرى السابعة والثلاثين بعد الأربعمائة والألف لهجرة نبيّنا محمّد ـ عليه وعلى آله الصّلاة والسّلام ـ من مكّة إلى المدينة؛ وإن كانت الهجرة لم تكن في شهر محرّم، إلا أنّ الأمّة قد ألِفت أن تستحضر هذه الذّكرى مع بداية كلّ عام هجريّ، وهي ترى الهلال قد طلع على الشّاشات التي لا تكاد تتذكّر النبيّصلّى الله عليه وآله وسلّموسيرته إلا يوما في السّنة، تعيد عرضفيلم الرّسالةفي ليلته، وتُذكّر الرّعية بمنّة أولي الأمر في منح عطلة مدفوعة الأجر بمناسبة رأس السّنة الهجرية؛ بدر لا يلبث سوى ساعات معدودات حتى يأفل لتعود بعده ظلمة الأفلام والمسلسلات، والأغاني والفيديوكليبات.

الإعلام ما دام يسعى لتكريس مبدأ أنّ الدّين ينبغي أن يكون محطّات عابرة وأمرا هامشيا في حياة أمّة الإسلام، فلا نتوقّع منه أكثر من هذه الإطلالات، ولا ننتظر منه أن تكون ذكرى الهجرة محطة مفصلية، يُراجع فيها وجهته ويصحّح مساره ويتصالح مع دين الأمّة وثوابتها وقضاياها.. الإعلام له أولوياته وأهدافه، ونحن مَن ينبغي أن نعرف للهجرة قدرها، ولا ننظر إليها على أنّها حدث كان وانقضى؛ تُوّج بإقامة دولة الإسلام وكان فاتحة لزمان انتهى ومضى.. الهجرة حدث كان وسيبقى إلى يوم القيامة، ليس من مكّة إلى المدينة، وإنّما من كلّ واقع تحكمه العوائد والأهواء وموروثات الآباء، إلى واقع يكون فيه الحكم لله ربّ الأرض والسّماء، هجرة من أوحال المهلكات والموبقات والمعاصي والمنكرات إلى رحاب الطّاعات والقربات، هجرة من حياة التيه والعبث وفقدان الهدف، إلى حياةٍ يكون فيها الهدف بيّنا واضحا، وتظلّ الغاية حاضرة لا تغيب عن الأذهان ولا يطويها النّسيان؛ هجرة لا تشترط فيها مغادرة البلدان، وإنّما يُشترط فيها أن يُهجر الفساد بالجوارح والأركان والقلب والرّوح والوجدان.

إنّ الهجرة بهذا المعنى فرض عين على كلّ مسلم؛ فرضٌ على كلّ مسلم أن يهجر المعاصي، ويهجر أماكن ووسائل الفساد، ويهجر قنوات ومواقع الإفساد.. فرضٌ على كلّ مسلم أن يهجر رفقة السّوء، ويهجر عقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وسوء الجوار، ويهجر الغيبة، ويطرد الحسد والبغضاء من قلبه.

الهجرة تعلن في الأمّة أنّه قد آن الأوان لكلّ مسلم يتبرّك بالأضرحة والقبور والمزارات، ويرجو من فيها مع الله قيّوم الأرض والسّماوات، لقضاء الحاجات وكشف الكربات، أن يتوب ويؤوب ويهاجر إلى الله الذي بيده أمر الكائنات.. آن الأوان لكلّ مسلم يقدّم القرابين والنّذور ويضع العطور والبخور عند تلك القبور، أن يتوب ويؤوب ويهاجر إلى الله الذي بيده مقاليد الأمور.. آن الأوان لكلّ مسلمة تطرق أبواب السّحرة وكتبة الحروز والدّجّالين، أن تهجر تلك الأوكار وتهاجر إلى الله ربّ العالمين.. آن الأوان لكلّ عبد مؤمن ألِف النّوم عن الصّلاة أن يهاجر إلى الله ويترك نعومة ودفء الفراش طلبا للذّة ودفء القرب من الله.. آن الأوان لكلّ مسلم مضت عليه السّنوات والسّنوات وهو يمنع الزّكاة أو يخرجها كرها أو يعطيها غيرَ مستحقّيها أن يهاجر إلى الله بماله، ويخرج حقّ الفقراء والمساكين في وقته طيّبة به نفسه كما يخرج حقوق عياله.. آن الأوان لكلّ مرابٍ أودع أمواله في البنوك الرّبويّة من غير ضرورة أن يهاجر بماله منها قبل أن يحيق به عذابٌ من الله في الدّنيا والآخرة.. آن الأوان لمن ألهته دنياه عن القرآن وأغرته نفسه بالأغاني والألحان أن يتوب إلى الله ويهجر الأغاني ويُقبل على كلام الواحد الديان.. آن الأوان لإخواننا الشّباب أن يهاجروا من الملاهي ومخادع الأنترنت، إلى المساجد والمعامل والمكتبات.. آن الأوان لفتياتنا أن يهاجرن من عالم الموضة والخِرق والمساحيق، إلى رياض العفّة والطّهر والعفاف

 

ما من مسلم أيا كان واقعه وأيا كانت حاله، إلا وهو معنيّ بالهجرة إلى الله، عملا بقول النّبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، قبل أن يأتي عليه حينٌ تهاجر فيه روحه من جسده إلى جنّة ونعيم، أو إلى نار وجحيم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • جمال

    يا شيخنا الفاضل كل ما ذكرته صحيح لكن الا تظن انه وفي زماننا هذا الذي كثرت فيه الفتن والهرج والمرج ان نبحث عن ارض فيها اهل التقوى لكي يصلح امر ديننا وايماننا بالله الا نحتاج الى قرية او الى بلاد فيها عصبة مؤمنة... حتى هذه اصبحت مفقودة فاذا كان الصحابة قد وجدوا ارض الحبشة يحكمها رجل عادل وهو النجاشي الذي كان على ملة غير الملة. فماذا نفعل نحن اليوم؟ فقط نطلب من الله العفو والعافية وان يميتنا على ملة الاسلام رغم اننا في بلاد تزعم اتباعها الملة المحمدية.

  • بدون اسم

    بارك الله فيك الأخ سلطان على هذا الموضوع القيم و في الأخ نورالدين على مشاركته

  • بدون اسم

    موضوع قيم ما احوجنا إليها

  • جج

    واصبح احسن يوم هو ميعاد البريد او البنك يوم تسدد الشهرية

  • بدون اسم

    هذا ما تعرفو غير آضرحة وقبور وانا بحثت ولقيت ان لها ادلة شرعية قوية وعملها المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية وولا واحد من العلماء المعتبرينعلى مر العصور الاسلامية اعتبرها كفر وشرك
    على العكس اعتبرو ابن تيمية مجسم ناصبي وحاكموه وسجنوه ومات في السجن

  • بدون اسم

    بارك الله فيكم

  • نورالدين الجزائري

    النفس الآمر بالسوء و ما أوجع هجرة الأرض التي نحبها ، لأن فيها عطرا لا تعرفه حوانيت العطارين ! كم هي مؤلمة هذه الكلمة : الهجرة ؟! حتى بدائل حروفها: هرَجَ. جهَرَ.رهَجَ . و الهرج مشتقاته عموما هو الفتنة ! منها الجهالات الفساد طغيان القوي على الضعيف..
    هذه بإختصار العلاقة بين الزمن و توقيته و عبادة المولى و تقاته... و ليس لنا إلا أن نفقه فقط دورنا في هذا الكون لأن معنى الحياة في الحركة بكل أطيافها مرتبطة بسنن الكون و سنن الشرع و معنى الحياة في الحركة أو جمود ليس معه بركة !
    دمتم في حفظ الله تعالى!

  • نورالدين الجزائري

    الفرق بينهما كل عام : أحد عشر يوما و ثلث اليوم ! هذا حساب علمي محكم بعد ما كان أمري إلهي ! نحن نخضع لسنن الكون في حركتها لا تبديل لتلك السنن . و الآية قالت { يوم خلق السموات و الأرض } فهي ليست مسألة طارئة على البشرية بل محسومة و محسوبة في النظام الكوني الذي خُلق عليه الكون !
    و يبقى مفهوم الهجرة ـ كما ذكر صاحب المقال ـ هجرة الباطل:ما بين هجرة الأرض الظالمة أو النفس السيئة . و الملفت للإنتباه أن الوحيد في القرآن ذكر بالهجرة الشرعية الحقيقية هو إبراهيم عليه السلام : مهاجرا إلى ربه ! و ما أصعب هجر

  • نورالدين الجزائري

    لأن الله تعالى أمر بها و ليست من مزاج العباد ! { إن عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات و الأرض ... } 36 التوبة . هذا يعنى الحق تعالى أمر بها و قال {عند الله} و ليس عندكم ياأيها الناس ! و طبعا هذه الشهور هي قمرية لا شك في ذلك . عمر بن الخطاب نظر إلى الهجرة النبوية من باب أنها من أساس و أركان الشريعة العلمية ! و إلا لأخذنا أول هجرة كانت في 5 للنبوة إلى الحبشة ثم اتبعتها هجرة ثانية لنفس البلد . و عندما نقيص السنين بالتقوّيم الميلادي ـ الكنائسي ـ و الهجري ـ القمري ـ نجد

  • نورالدين الجزائري

    و الليل و الأيام تتشابه على مدار الحياة ! القمر هو الوحيد الذي يعطينا الحساب الحقيقي للشهور ، لهذا نجد المولى تعالى قال لنا { الشمس و القمر بحسبان } و ليس بحساب ، فحسبان فيه شدة الحساب الدقة و الصح ِ . و الإنسان يصنع ساعة لمعرفة الوقت تكون في قمة الإتقان حتى تتماشى مع الوقت و شدته الحركية ، فإذا تعطلت الساعة بل تأخرت بدقائق معدودة فإما تصلح أو ترمى لأن وظيفتها لم تعد تصلح في متابعة حركة الكون و الوقت فيه . الشيء الذي أغفلناه أن السنة الهجرية لم يؤسس تقويمها عمر بن الخطاب بسبب الهجرة النبوية بل

  • نورالدين الجزائري

    السنة الهجرية بين فرح العيد و ميقات العدِّ !
    كل عام يمر علينا نسمع مشايخنا يباركنا بهذا اليوم على أنه مبارك و يهنؤن بعضهم البعض بدون أن يعطوا له قيمته الحقيقية في حساب الشهور و السنين ، نحن نحسب الأعوام بالحسبان الكنائسي الذي يضبط الشهور ما بين 30 أو 31 يوما . و هي مسألة حسابية توقيفية ، و الصحيح أن بداية الشهر و نهايته يتـبّع شكل الهلال ما بين : هلالا قمرا بدرا .. محاقا. و هذا الأمر يختلف من شهر إلى آخر ، و لا يوجد حسابا آخر من دون متابعة القمر و تغيراته ! مستحيل ! لأن الشمس تبيّن لنا اليوم