-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الوزير وأهل العلم

عابد شارف
  • 5473
  • 0
الوزير وأهل العلم

جاء القوم من كل بلدان العالم. جاؤوا من أمريكا وبريطانيا، ومن فرنسا ومن ألمانيا. جاؤوا أفواجا أفواجا لتلبية نداء الوطن. جاؤوا لأن الجزائر بحاجة إليهم. لقد قرروا تلبية نداء الوطن لأنهم يشعرون أن الأجيال السابقة قدمت تضحيات كبرى لتحرير الوطن، وأن دورهم جاء ليقدموا شيئا ما للجزائر، فقاموا كرجل واحد وقالوا: إننا مجندون. قالوا إن هناك من يكسب السلاح، وهناك من يكسب والمال، وهناك من يتحكم في النفط، وهناك من يتحكم في أسواق العملة، أما هؤلاء، فإنهم يكسبون العلم، وما أدراك ما العلم… إنه صانع الحضارات، والركيزة الأساسية لإقامة الإمبراطوريات…

  • وجاء القوم إلى الجزائر في شتاء بارد. جاء عالم الاجتماع من فرنسا وعالم الاقتصاد من أمريكا، وجاء الخبير في الفيزياء من ألمانيا وصاحب التجربة في تصميم الآلات الإلكترونية من كندا. جاء البروفيسور في الطب والخبير في الطاقة، وصاحب التجربة الكبرى في تنظيم العمل والقانون. جاؤوا كلهم، وقالوا إنهم مستعدون للعمل، بل للنضال من أجل تطور البلاد. وأكدوا للصحافة أنهم سيقومون بما هو ضروري لتحويل الجزائر إلى بلد قوي، متقدم، آمن، يحلو فيه العيش وتنتشر السعادة بين أهاليه.
  • وأمام هذا العزم، جاء الموقف الحازم من السلطات العمومية، التي جنّدت كل ما يمكن تجنيده من أجل فتح الباب أمام هؤلاء. وأول من أخذ المبادرة هو الوزير جمال ولد عباس، المكلف بالجالية الجزائرية في الخارج. وألقى الوزير خطابا يسطر من خلاله طريقة تعامل الحكومة تجاه أهل العلم المغتربين. قال إن الحكومة ستقوم بمجهود جبار لتسجيلهم في برنامج »عدل« من أجل السكن، وستكون لهم الأولوية، وفي انتظار ذلك، يمكنهم اللجوء إلى كراء مساكن في براقي.
  • وأكد الوزير لأستاذ علم الاجتماع في جامعة “الصوربون”، أنه سيجد وظيفة تنتظره في المركز الجامعي لمدينة خنشلة، أو في المركز الجامعي لمدينة المسيلة. وقال الوزير هذا الكلام وهو يعرف جيدا أن الأستاذ القادم من الخارج لا يبالي بقضية طرد أستاذ من جامعة المسيلة بعد أن أبدى رأيا سياسيا يختلف عن رأي أهل السلطة. أما الطبيب الجراح في برشلونة، فقد أعطاه الوزير وعدا بالعمل في مستشفى إحدى المدن بولاية عين الدفلى أو بولاية الجلفة، وما أدراك ما المستشفيات في تلك المدن… إنها المستشفيات التي اختصت في نقل المرضى إلى العاصمة، لأنها لا تكسب أطباء مختصين ولا حتى أطباء يضمنون المداومات الليلية، ونسي العاملون بها كيف يتعاملون مع الطب العصري…
  • وطمأن الوزير كل هؤلاء الخبراء عن قضية أساسية، وهي دراسة أبنائهم. قال لهم إن الوزير ابن بوزيد سيقوم بإصلاح جديد للمدرسة الجزائرية ليضمن نجاح كل الأطفال من السنة الأولى إلى البكالوريا. وقال الوزير إنه مستعد للتدخل شخصيا لتسجيل أبنائهم في المدرسة الابتدائية لباش جراح أو متوسطة بني غمريان أو ثانوية مفتاح. أما عن الأبناء الذين يدرسون في الجامعة، سواء في الصوربون أو أوكسفورد، فلا خوف عليهم، لأن جامعات خميس مليانة والأغواط وسكيكدة مستعدة لاستقبالهم.
  • واتفق الوزير مع الخبراء الجزائريين المقيمين في الخارج على هذا البرنامج العظيم، الذي سيعيد للجزائر مكانتها بين الأمم، ويستعيد لها كرامتها. وتم وضع برنامج شامل كامل يأخذ بعين الاعتبار كل الجوانب، بما يضمن نجاح المشروع. وفي نهاية الأمر، رفع الوزير تقريرا مفصلا لرئيس الجمهورية، الذي قرر إدماج هذه القضية ضمن برنامجه…
  • وبسهولة فائقة، توصلت الجزائر إلى نتيجة أبهرت العالم، حيث استطاعت أن تحل مشكلا أساسيا بالكلام فقط. فهذا الوزير تكلم، وهذا الصحافي قام بتحليل وتعليق، وهذا الموظف السامي أكد أن كل شيء على ما يرام، وأصبح كل واحد يحلم بعالم لا وجود له إلا في خياله. واتفقوا على كل شيء، بما في ذلك على ضرورة عودة أهل العلم إلى بلد لا يكتفي بنكران العلم، بل انه بلد يحارب العلم ويهين أهله، خاصة إذا عارض العالم رأي السلطان. وهذه من أبرز صفات الفضاء الذي ننتمي إليه، والذي يعتبر أن أهل العلم يخطئون، لكن الحكام معصومون، لأنهم يحتكرون السيف.
  • وسئل أحدهم: هل العلم أسمى أم السلطة؟ فأجاب: العلم، بطبيعة الحال. فقيل له: ولماذا نرى أن أهل العلم يتسارعون عند باب الحاكم، ولا يتنافس أهل السلطة عند العلماء؟ فقال: لأن أهل العلم يعرفون مكانة السلطة، لكن أهل السلطة لا يعرفون بالضرورة مكانة العلم.
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!